بقلم: بيير آلان مييه بقلم: بيير آلان مييه

النظام الاستبدادي والبيان الشيوعي الجديد

نحن نظنّ بأنّ حق التصويت هو أداة «سلطة الشعب»، أداةٌ للعمل ضد الرأسمالية، أداةٌ لمقاومة حرب الأغنياء ضد الفقراء... ومن انتخاب إلى انتخاب، من 2002 إلى 2007، نلاحظ العكس، أي تفكك المقاومات الانتخابية وهبوط موازين القوى لغير صالح الفقراء، كما نرى بروز تصويت شعبوي، حمل ردةً رجعيةً أنجزت تخريب توافق اجتماعي ومؤسساتي كان حصيلة المقاومة.

منذ أول معركة انتخابية خضتها في العام 1978، وما عشته بوصفه فشلاً ذريعاً، تعوّدت في كلّ انتخاب على تراجع جديد في «ميزان الحرارة» الذي أشار لينين إلى أهميته لكلّ ثوري... حتى هذه الـ1.9 بالمائة التي أنذرت بحدوثها كل الانتقادات الموجهة داخل الحزب الشيوعي الفرنسي بصدد إستراتيجية ذوبانه في الهيئات المناهضة لليبرالية.

هنالك بطبيعة الحال الكثير ليقال...

• حول الخلط الاجتماعي الظاهر للتصويت بعد عامين من «لا» الاستفتاء، وهو خلطٌ كشف تصدعاً اجتماعياً عميقاً، «تصويتٌ طبقي» أطلق عليه قادة الحزب الشيوعي الفرنسي تسمية «لا يسارية» ليطمئنوا، أو بالأحرى دفع الآخرين للإيمان بنجاح توجههم «اللاشيوعي». من وجهة النظر هذه، يبدو أنّ اللا العمالية في العام 2007 قد توزعت بين لوبين، المتصدر، وبعده مباشرة ساركوزي وروايال وحتى بايرو، فوضعت ساركوزي في المقدمة في المقاطعات التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي الفرنسي تاريخياً...

• حول نتيجة بيزانسينو التي تسمح لقادة الرابطة الشيوعية الثورية بالاطمئنان، أو بالأحرى دفع الآخرين للإيمان بتوجههم المناهض لليبرالية حول هذا التنظيم التروتسكي. لكن من السهل قياس كم سيكون ميزان القوى مختلفاً لو كانت نتيجتا الرابطة والحزب الشيوعي معكوستين! في تلك الحال، يكون مشروع إعادة بناء حزب شيوعي عقبةً أساسيةً في وجه إعادة التشكيل الاشتراكي نحو الوسط...

- حول البعد الشعبوي للتصويت لساركوزي ولحصوله على أصوات ناخبي لوبين، وهو أمرٌ يفاقم التصدعات في عالم العمل بين المستبعدين والمدمجين، يستند إلى القواعد الأساسية للتنافس في سوق العمل، مبرزاً «أولئك الذين يستيقظون باكراً» ضد «من ينالون مساعدات» وما بقي من ضمانات في الخدمات العامة. لقد استعاد اليمين الحكومي تصويتاً شعبياً على حساب التضامن الطبقي...

- حول «طبيعة» نجاح حزب اشتراكي نال أفضل نتيجة انتخابية له في الدور الأول من انتخابات رئاسية في سياق أدنى نتيجة لليسار منذ العام 1965، ماحياً بذلك بتاريخ واحد الحقبة التاريخية الطويلة التي تلت العام 1968 التي تضمنت البرنامج المشترك والميتيرانية، وفاتحاً (أخيراً بالنسبة لمروجيه!) درب التوافق الوسطي، الخروج النهائي لتعريف «اجتماعي» لليسار...

ربما كان من شان الانتخابات التشريعية أن تعزز هذا الوضع أو أن تعدّله، علماً بأن عدد النواب الشيوعيين المعاد انتخابهم هو مقياس لذلك. لذا، فقد كانت المعركة الوحيدة المهمة هي معركة تحويل الحد الأقصى من أصوات قاطني الأحياء الشعبية لصالح سيغولين إلى تصويت شيوعي في الدور الأول من الانتخابات التشريعية... مع إخراج الحزب الشيوعي الفرنسي من الخطاب المتأنق اليساري للحديث عن واقع المعاناة الشعبية، وبالتالي عن انعدام الثبات والأمن، عن الأمة والمهاجرين غير الشرعيين.

لكن بعد ثلاثين عاماً من الحياة السياسية التي علمتني عدم الاهتمام بكرات الكريستال قبل الانتخابات وبعدها، أحتاج بإلحاح إلى تفكير نظري حول طبيعة الاقتراع العام، حول العلاقة بين التصويت وبين النضالات، بين الديموقراطية والثورة. لقد علّمنا تاريخ الاشتراكية الحقيقية كم تستمر النضالات الطبقية بعد الثورة، وكيف أنّ بناء ديموقراطية حقيقية هي معركةٌ طويلةٌ وصفها لينين في «الدولة والثورة»... لكن ماذا عن الديموقراطية قبل الثورة؟

هل البيان الشيوعي محق حين يقول لنا إنّ «المرحلة الأولى من الثورة العمالية هي بناء البروليتاريا في طبقة مسيطرة، والحصول على الديموقراطية. سوف تستخدم البروليتاريا تفوقها السياسي لانتزاع كل رأس المال من البرجوازية شيئاً فشيئاً»؟

لقد أتى أول تصويت بالاقتراع العام بعد ثورة العام 1848 في فرنسا بالشعبوي نابليون الثالث إلى السلطة قبل أن يعينه إمبراطوراً. وقد انتخب على خلفية خطاب يدافع عن العمال، وهو رمز هذا الاستبداد الذي يخترق تاريخ اليمين في فرنسا وخارجها، ويعتبر ساركوزي امتداداً له. يشرح ماركس أنّ هذا التصويت، وهو يرمي أرضاً بالسلطة البرلمانية البرجوازية، هو مرحلةٌ بالنسبة للبروليتاريا قبل أن تهاجم السلطة التنفيذية... هل كانت جملته الشهيرة «لقد أحسنتَ الحفر أيها الخلد» وهماً؟

(..) (لكن الآن) ومثلما انتقل جزءٌ من طبقة النبلاء في الماضي إلى البرجوازية، ينتقل جزءٌ من البرجوازية في أيامنا هذه إلى البروليتاريا. في الواقع، ألا ينبغي إدراك قدرة البرجوازية المتجددة على إبراز فئات اجتماعية معينة أثناء الأزمة ضد غيرها، مثلما كانت تسمح قبل قرن لبعض أقسام الطبقة العاملة بالاستفادة جزئياً من العائدات الاستعمارية؟

ما أهمية وسائل الإعلام، بوصفها أداة سيطرة، وما الحدود التي سمحت بتمرير لا التاسع والعشرين من أيار...؟ ما إستراتيجية التوافق بالنسبة للأدوات البديلة الممكنة، ولاسيما أمام تعدد المبادرات على الشبكة العنكبوتية؟ ما مكانة صحيفة الأومانيتيه حين تغادر أوهام لاغاردير لتلاقي النضالات الشيوعية؟ ما الأشكال الجديدة التي تستخدمها وسائل الإعلام، الصور، الفيديو، المواقع الشخصية... التي لا تمثل مهرباً تتخلله انفجارات الغضب الفردية، لكنها في الوقت نفسه أداةٌ تنظيمية، مثلما ذكر لينين في كتابه «ما العمل»؟

ما المعركة حول محتوى النظام الانتخابي، من أجل النسبية المتكاملة، وتنظيم الانتخابات نفسها، ومكاتب التصويت. ألا ينبغي تدمير أسطورة المواطن الوحيد الذي يحمل في بطاقته الانتخابية كل وزن العالم، والعثور على أشكال أكثر جماعيةً للمشاركة في التصويت؟ لقد أعلنت شهادة متلفزة أدلى بها عاملٌ في ضواحي أويوناكس عن مظاهرة يقوم بها فرنسيون من أصل مغاربي في مكتب التصويت، ضد التصويت العنصري لمركز المدينة... ألم يكن يشعر بالحاجة إلى تصويت يحمل تضامناً طبقياً فعالاً؟

باختصار، إن كانت هنالك دروسٌ ينبغي استخلاصها من هذا التصويت 2007، يبدو لي أنّ أولها هو إلحاح الجهد النظري. صحيحٌ أنّ الحركة الشيوعية تعاني بالطبع من تفتتها، لكنها تعاني بصورة أعمق من عجزها عن إعادة فتح مجال النضال النظري. إنها بحاجة إلى «بيان شيوعيّ جديد»!