مشروع تفكيك الصِّين.. العلاقة المشبوهة بين اللوبي الصهيوني.. والـ CIA.. ورهبان «التيبت»
في محاولة لإحراجها وعزلها دولياً قبيل الألعاب الأولمبية في بكين في صيف عام 2008، شنت أطراف متصلة باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة حملة إعلامية ضخمة على الصين منذ ربيع عام 2007 محملة إياها مسؤولية ما تقوم به الحكومة السودانية في دارفور من «إبادة جماعية» و«تطهير عرقي» على حد زعم الطامعين بالنفط في دارفور، والساعين لتقسيم السودان. وقد ترأس تلك الحملة ستيفن سبيلبرغ أهم وأغنى مخرج سينمائي يهودي أمريكي، وأحد أبرز رموز اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الذي قام في النهاية بالاستقالة من منصبه كمستشار فني للألعاب الأولمبية في محاولة لابتزاز حكومة الصين الشعبية.
ولم تكد تخفت الزوبعة الإعلامية التي أثارتها وسائل الإعلام الغربية حول دارفور، حتى انفجرت في إقليم التيبت في الصين قلاقل انطلقت من معابد الرهبان البوذيين من أتباع زعيمهم الروحي الديلي لاما، لتنشر العنف والقتل والحرق والشغب في الشوارع في 10/3/2008، ولتطالب علناً بانفصال الإقليم عن الصين.
وقد نشرت وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) على موقعها على الإنترنت تقريراً بالإنكليزية في 16/3/2008 عن قيام الغوغاء الانفصاليين في التيبت بمهاجمة مسجد، وبحرق منازل ومتاجر للمسلمين في لاسا عاصمة إقليم التيبت المتمتع بالحكم الذاتي. ويتحدث التقرير الذي يحمل عنوان: «جرحى مسلمون يتحدثون عن القلاقل في لاسا» عن عائلة مسلمة تعرض مطعمها وبيتها للاقتحام والحرق من بوذيين متعصبين من أنصار الديلي لاما، فاضطروا للقفز من نافذة الطابق الثاني من المبنى المحترق إلى باحة المسجد المجاور حيث كان عشرات المسلمين يحاولون إطفاء الحرائق المشتعلة، وظلوا يتعرضون للرجم بالحجارة والأخشاب المشتعلة، ولكنهم نجحوا بالاختباء في المسجد مع عدد من العائلات المسلمة الأخرى. وقد تعرض أفراد العائلة المذكورة لكسور مختلفة نتيجة القفز من المبنى، وتم إرسالهم جميعاً للعلاج في المستشفى العسكري في التيبت.
ويتضمن تقرير وكالة أنباء شينخوا مقابلات مع جرحى صينيين مسلمين من تلك العائلة ومن غيرها، حيث يبدأ بقصة ابن تلك العائلة البالغ أربعةً وعشرين عاماً، واسمه ما تشيلونغ، الذي تعرض وجهه وصدره ورجلاه للحروق إلى درجة أن عائلته لم تتعرف عليه. أما ما شيقون الذي هرب من الغوغاء من متجره في لاسا، فقد لاحقته «دزينة» من مثيري الشغب البوذيين المتعصبين بالسكاكين الطويلة، ولكنه نجا، وهو يرقد الآن في المستشفى بسبب عدد من الطعنات والجروح في جسده..
ويبدو أن الصينيين يضعون اسم العائلة قبل اسم الشخص، قد أوضح لي صديق أن كلمة «ما» بالصينية تعني الحصان، ويرتبط اسم عشيرة «ما» بالصين أحياناً، وليس دوماً، بالمسلمين، وبالبدو والرعي.
الإشارة لتقرير شينخوا هنا ليست للتذكير باستنكار الغرب المفهوم والمبرر عندما تعرض تمثال بوذا في أفغانستان للتدمير من حركة طالبان، مقابل سكوته غير المفهوم وغير المبرر عند تعرض المسلمون ومساجدهم ومنازلهم وبيوتهم للعدوان في التيبت من أنصار الديلي لاما المتحالف معهم... فقد تعرضت كل الأقليات الصينية المهاجرة إلى التيبت، من مسلمين وغير مسلمين، للاعتداء من رعاع الحركة الانفصالية، فالمقصود هو كشف طبيعة ما يسمى بالتحرك «السلمي» المدعوم من الإمبريالية الأمريكية لفصل التيبت عن الصين، والسعي لإثارة قضيتها إعلامياً على أوسع نطاق عشية الألعاب الأولمبية في الصين.
والحقيقة أن تلك القضية يتبناها الغرب بقضه وقضيضه، من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، إلى هوليود التي أنتجت أكثر من فيلم سينمائي يروج لها، إلى نجوم الفن والغناء في أوروبا وأمريكا، إلى وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية التي جعلت من الديلي لاما أيقونة دنيوية مقدسة، حتى بات ثمن تذكرة حضور أي خطاب له بضع مئات من اليوروات إلى ألف دولار للشخص الواحد، إلى البيت الأبيض الذي استقبل الديلي لاما رسمياً بالرغم من احتجاجات الصين.
وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد منح الديلي لاما، الزعيم الروحي للبوذية، الميدالية الذهبية للكونغرس الأمريكي، أعلى وسام شرف مدني أمريكي في احتفال رسمي في 17/10/2007، «تقديراً لجهوده من أجل السلام وحقوق الإنسان». ويعتبر الديلي لاما رمز الحركة الانفصالية في التيبت، وهو منفي من الصين منذ بداية الخمسينات، وتطرح الولايات المتحدة قضيته في مواجهة الصين، كالعادة، باعتبارها قضية «حريات دينية»!
وقبل نيله ميدالية الكونغرس الذهبية كان الديلي لاما قد ذهب إلى الكيان الصهيوني مرتين، مرة عام 1999، ومرة في 15/2/2006 للمشاركة في إحياء «الذكرى المئوية لهجرة رئيس الوزراء الأسبق ديفيد بن غوريون إلى (إسرائيل)»، حيث جرى تكريمه في مستهل تلك الاحتفالية، حيث يفترض أنه زار ضريح بن غوريون..
وقد احتجت القنصلية الصينية في تل أبيب آنذاك على استقبال «إسرائيل» للديلي لاما، ولم تشفع لها تجارتها مع الكيان الصهيوني البالغة سنوياً عدة مليارات من الدولارات لأن تأخذ حذرها تجاه احتضان ذلك الرمز الانفصالي بعين الاعتبار. فلا بأس من بعض التجارة، ولكن حسابات الكيان الصهيوني الإستراتيجية هي بالضرورة جزء من حسابات النظام الدولي الجديد، وتلك الحسابات تتطلب تفكيك الصين وإضعافها وإغراقها بالإشكالات، خاصة في ظل تقلص النفوذ الأمريكي عالمياً بسبب صعود الصين اقتصادياً وصناعياً، واستيقاظ الدب الروسي، وتورط أمريكا في أوحال العراق وأفغانستان، مما أدى إلى اختلال بنيان النظام الدولي الجديد كله.
وحسب مصادر متعددة على الإنترنت، منها مقالة عن التيبت للكاتب اليساري الأمريكي المعروف مايكل بارنته، فإن وثائق الخارجية الأمريكية المفرج عنها للجمهور في 1998 تدل أن المخصصات السنوية للحركة الانفصالية في التيبت خلال الستينات من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حسب صحيفة اللوس أنجلوس تايمز في 15/9/98، وصحيفة النيويورك تايمز في 1/10/98، بلغت 1،7 مليون دولار سنوياً للقيام بأعمال عنف مسلح ضد الصين الشعبية خلال تلك الفترة. أما المخصص الشخصي للديلي لاما من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ بداية الخمسينات حتى نهاية السبعينات فكان 186 ألف دولار سنوياً، ويفترض أن دعم الولايات المتحدة الرسمي للحركة الانفصالية انتهى مع قيام العلاقات الدبلوماسية مع الصين عام 1979، ولكنه استمر بعدها من خلال مجموعة من مراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية حسب تقرير لوكالة أنباء نوفوستي الروسية، في 17/3/2008 يحمل عنوان «القلاقل في التيبت تتبع سيناريو كوسوفو».
ويقول الخبير الروسي ايلياس سرسمبييف في ذلك التقرير إن «قوى سياسية نافذة في الولايات المتحدة تحاول استعمال «سيناريو كوسوفو» لدفع شعب التيبت إلى النضال المسلح من أجل الاستقلال عن الصين»، ويضيف التقرير في فقرة أخرى: «بين عامي 1956 و1979، استخدمت الإدارة الأمريكية الـCIA والمخابرات العسكرية لتقديم الدعم المباشر لحركة التمرد التبتية ولديلي لاما»، وإن الهدف الأمريكي هو إضعاف مركز الصين الجغرافي السياسي في العالم.
أما الإشارة لسيناريو كوسوفو فتكتسب أهمية خاصة بسبب وجود إقليم شينجيانغ ذي الغالبية الإسلامية في الصين، حيث سبق أن تبنى الكونغرس الأمريكي قراراً لتبني قضية «حقوق المسلمين في الصين» في التسعينات. وهو الأمر الذي يجب أن ننتبه له جيداً لكي لا نصبح أداةً بيد قوى معادية للعرب وللمسلمين... وللصين.
خلفيات الصراع في التيبت من زاوية العلاقات الدولية
تردد بعض وسائل الإعلام العربية كالببغاء خلف وسائل الإعلام الغربية التي تتبنى قضية فصل التيبت عن الصين أن الثورة الماوية في الصين احتلت التيبت عام 1951، وأن التبت كانت دولة مستقلة قبلها. لكن الحقيقة هي أن التيبت كانت جزءاً من الصين على مدى سبعمئة عام، وما جرى هو أن الثورة الماوية في الصين، عندما بدا أنها سوف تنتصر عام 1949 على قوات الكومينتانغ المدعومة من الولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة حاولت أن تضم التيبت كدولة مستقلة للأمم المتحدة، وقد باءت تلك المحاولة بالفشل، خاصةً أن حركة الكومينتانغ التي يقودها «شان كاي تشك» رفضت انفصال التيبت عن الصين وقتها، بالرغم من صراعها الدموي مع الشيوعيين الصينيين بقيادة ماوتسي تونغ. ولكن ما حدث هو أن التيبت بين العامين 1949 و1951، عندما أعادها الشيوعيون الصينيون للوطن الأم، كانت منفصلة بالفعل عن الصين، كشمال العراق اليوم، ولكن غير مستقلة بالاسم.
وتقول الكاتبة اليسارية الأمريكية سارة فلوندرز إن الإمبريالية الأمريكية تتحرك على عدة جبهات اليوم للدفع باتجاه انفصال: 1) التبت، و2) تايوان، و3) إقليم شينجيانغ (ذي الغالبية الإسلامية) عن الصين. وتضيف «تماماً كما في البلقان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، فإن قوى الشركات الكبرى الأمريكية تدعم وتشجع الحركات الانفصالية لتفكيك مناطق بأكملها من المعمورة، وللسيطرة عليها، كانت قد تحررت من قبل من السيطرة الإمبريالية».
أما الهدف من تفكيك الصين فيتعلق بخوف الإمبريالية العميق من صعود هذا التنين الآسيوي، من القفزة النوعية التي حققها في مجال التكنولوجيا والتصنيع، من جهوده الحثيثة للبناء العسكري مع تزايد الموازنة العسكرية للجيش الصيني إلى مستوى غير مسبوق عام 2008، من التحالف الإستراتيجي الذي يقيمه مع روسيا وبعض دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان في إطار «منظمة شانغهاي للتعاون»، من الفائض التجاري الصيني البالغ مئات المليارات من الدولارات سنوياً مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، من المنافسة الدولية على النفوذ ومصادر الطاقة، وأهمها المساعي الصينية للتمدد في أفريقيا، من تراكم الاحتياطي الهائل للعملة الصعبة في البنك المركزي الصيني الذي تبلغ قيمة احتياطه النقدي 1،65 تريليون دولار، ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن ينهار الدولار لو قامت الصين بإلقاء جزءٍ من تلك الحمولة بالأسواق المالية العالمية، ومن مواقف الصين السياسية تجاه الإمبريالية الأمريكية، من رفض انفصال كوسوفو، إلى تحالفها مع الحكومة السودانية وما يعنيه ذلك من صدام مع الطرف الأمريكي-الصهيوني حول دارفور، إلى موقفها من احتلال العراق، إلى الظل الذي تلقي به الصين على كل شرق آسيا، إلى الحاجز الذي يشكله الوزن الصيني أمام التغلغل الإمبريالي الياباني والأمريكي في قارة آسيا....
لذلك كله، ولأن الصين باتت تشكل خطراً استراتيجياً على نظام القطب الواحد، فإن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة يعتبرونها أولويةً وخطراً يفوق على المدى البعيد خطر ما يسمونه «الإرهاب الإسلامي»..
بالتالي، لم تأتِ حركة الغوغاء من دعاة الانفصال في إقليم التيبت الصيني من فراغ في 10/3/2008، ولا تصاعد حدة خطاب زعيم حركة الكومينتانغ في تايوان إزاء الصين ومطالبته بإزالة الصواريخ الصينية الألف الموجهة للجزيرة قبل البدء بالتفاوض مع الصين الشعبية بعد نجاحه بالانتخابات في تايوان حسب النتائج المعلنة في 22/3/2008. وليس من المستبعد أن نسمع قريباً عن تحركات انفصالية أو أعمال عسكرية في إقليم شينجيانغ الإسلامي في الصين، وهو مجاور لأفغانستان، والإقليم النفطي الأساسي في الصين. ويجب أن تنتبه الحركات الإسلامية جيداً من خطورة فتح جبهة على الصين في الوقت الذي تسعى فيه الإمبريالية العالمية لتحجيم الصين وتفكيكها.
من الواضح طبعاً أن التنازلات الكثيرة التي قدمتها القيادة الصينية للولايات المتحدة حول العالم والسياسة غير الهجومية التي كانت تتبناها القيادة الصينية خارج المحيط المباشر لحدودها ومجالها الحيوي، مقابل العدوان العابر للمحيطات للإدارة الأمريكية، لم تكفِ لطمأنة الإدارة الأمريكية لأن الأخيرة أدركت أن الصين تعلمت دروس الحرب الباردة جيداً، وأنها تسعى بصمت وتؤدة لاستكمال بناء عناصر قوتها وصولاً إلى اللحظة التي تواجه فيها الهيمنة الأمريكية والأوروبية حول العالم مباشرة. ويقدر خبراء اقتصاديون أن معدلات نمو الاقتصاد الصيني الحالية يمكن إذا استمرت أن تجعل من الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأمريكي، أكبر اقتصاد عالمي حالياً، بين عامي 2020 و2025، وهي مسافة زمنية ليست ببعيدة.
الأساس الاقتصادي لتمرد الرهبان البوذيين في التيبت على الحكومة الصينية
لمن يقطر قلبه حزناً على اضطهاد الحكومة الصينية أهل التيبت المزعوم، بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية حول ضرورة دعم الصين في مواجهة مشاريع تفكيكها من الإمبريالية الأمريكية، دعونا نلقي نظرة على حال التيبت عندما دخلها الشيوعيون عام 1951، لنحدد من الذي كان يضطهد سكان التيبت. والتيبت كانت جزءاً من الصين على مدى مئات الأعوام كما نعلم، ولم تنفصل عنها إلا بين عامي 1949 و1951 في الفترة التي كان الجيش الأحمر يستكمل فيها سيطرته على الأراضي الصينية.
يقول الكاتب اليساري الأمريكي المعروف مايكل بارنته في مقالته «الإقطاعية الصديقة: أسطورة التيبت» في وصف حالة التيبت قبل الحكم الشيوعي: «كان معبد دريبنغ واحداً من أكبر ملاك الأراضي في العالم، وكانت تلك الأراضي مقسمة إلى 185 إقطاعية، وفيها خمسة وعشرون ألف قن (فلاح مقيد بالأرض)، وثلاثمائة مرعى كبير، وستة عشر ألف راع. وكانت ثروة المعابد بيد أعداد صغيرة جداً من الكهنة ذوي المراتب العليا، الذين يسمى كلٌ منهم «لاما». وكان معظم الكهنة العاديين يعيشون عيشة كفاف دون أي حق بالتمتع بتلك الثروة الكبيرة، أما الزعيم الروحي للاما، الديلي لاما، فقد عاش ببذخ في قصر بوتولا المؤلف من ألف غرفة وأربعة عشر طابقاً».
وكان معبد دريبنغ، هو المؤسسة التي يتدفق منها الرهبان البوذيون المثيرون للشغب على شوارع لاسا عاصمة إقليم الحكم الذاتي في التبت في آذار 2008. وكان التخلص من العبودية، والقنانة، على النقيض الأخر من كماليات كبار الرهبان (اللاما)، هو ما يسميه الديلي لاما اليوم «عملية إبادة ثقافية» لطريقتهم التقليدية في الحياة.
ومن المعروف أن الديلي لاما كان يتلقى راتباً سنوياً مقداره 186 ألف دولار من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بين بداية الخمسينات ونهاية السبعينات، وأن 1،7 مليون دولار كانت تقدم للحركة الانفصالية في التيبت سنوياً للقيام بأعمال عنف مسلح ضد الصين الشعبية خلال الفترة نفسها، كما سبقت الإشارة أعلاه، ويفترض أن دعم الولايات المتحدة الرسمي للحركة الانفصالية انتهى مع قيام العلاقات الدبلوماسية مع الصين عام 1979، ولكنه استمر بعدها من خلال مجموعة من مراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية حسب تقرير لوكالة أنباء نوفوستي الروسية، بعنوان «القلاقل في التبت تتبع سيناريو كوسوفو».
ومع أن الكاتب مايكل بارنته يقول في مقالته المذكورة أعلاه أن العديد من المعابد البوذية في التيبت تم إغلاقها، فإن الحكومة الصينية تقوم بتمويلها وترميمها، وهو الأمر الذي يقلق الديلي لاما بالتأكيد إذا شعر أن الرهبان البوذيين لن يدينوا بالولاء له إن أصبح دخلهم معتمداً على الحكومة الصينية ومشروع التنمية الاقتصادية في الصين.
وتقوم الحكومة الصينية بالكثير من المشاريع الاستثمارية في التبت، كان منها سكة حديد تصل لاسا عاصمة الإقليم ببقية الصين، وهو ما يشكل إنجازاً هندسياً عظيماً بحد ذاته.
وتقول الكاتبة اليسارية الأمريكية سارة فلاوندرز في وصف الحياة في التبت قبل الثورة الماوية في مقالة كانت قد نشرتها عام 1999 بعنوان «ماذا تريدوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن تفعل بالديلي لاما؟» إن التيبت قبل الحكم الشيوعي كانت متخلفة تماماً وبلا شبكة طرق أو مستشفى واحد، ولم يكن فيها مدارس خلا المعابد البوذية التي بلغ عدد طلابها 600 طالب، من الصبيان فقط، وأن اقتصادها الزراعي كان يقوم على العبودية والقنانة، حيث تسعون بالمائة من السكان مرتبطون بالأرض دون أن يملكوها، وكان أولاد الأقنان يسجلون في دفاتر الإقطاعيين. أما عام 1999 فبات في التيبت حوالي مائة مستشفى، ومئات العيادات، وأكثر من ألفي مدرسة ابتدائية، وعدد من المعاهد التقنية، تدرس باللغة التبتية.
وتضيف فلاوندرز أن العبودية لم تلغَ في التبت إلا عام 1959، وأن الحكومة الصينية بدأت بدفع الرواتب لأبناء التيبت العاملين على إنشاء شبكة الطرق، مما حررهم من ضرورة العمل عند الإقطاعيين، وهز أركان النظام الإقطاعي، كما بدأت تدفع الرواتب لأطفال الأقنان والعبيد السابقين ليحضروا المدارس، بدلاً من أن يضطروا للعمل، وبدأت تزودهم بالطعام والكتب. وكان هذا هو بالضبط السبب الذي جعل الديلي لاما والمئة عائلة إقطاعية التي تدير التبت تتعاون مع الإمبريالية الأمريكية للبدء بحركة تمرد عسكري.
وبدءاً من عام 1955، عملت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على إنشاء جيش للثورة المضادة في التيبت، وتم تأسيس القواعد العسكرية خارج الصين لتدريب ذلك الجيش في الولايات المتحدة وفي جزيرة أوكيناوا وغوام، وقام سلاح الجو الأمريكي خلال الخمسينات بأكثر من 700 رحلة فوق التيبت لإلقاء الأسلحة والعتاد للمتمردين.
دون هذه الخلفية لا نستطيع أن نفهم ما يجري في التيبت اليوم...