أسامة بن لادن.. والحقيقة خلف الحادي عشر من أيلول
خلصت إدارة بوش، بعد بضع ساعات من الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول على مركز التجارة العالمية والبنتاغون، ودون برهان، إلى أنّ أسامة بن لادن ومنظمته «القاعدة» هما المتهمان الأكثر ترجيحاً. وصرّح مدير الـ CIA بأنّ ابن لادن «لديه القدرة على تخطيط عدة هجمات دون إنذار». بدوره، وصف وزير الخارجية كولن باول هجمات واشنطن ونيويورك بأنها «إعلان حرب»، وهو أمرٌ صادق عليه جورج بوش في خطابه للأمة في المساء نفسه، مؤكداً بأنّه «لن يميز بين الإرهابيين الذين ارتكبوا هذه الأفعال وبين أولئك الذين دعموهم». من جانبه، لمّح المدير الأسبق للـ CIA جيمس وولسي إلى تواطؤ حكومةٍ أجنبيةٍ أو أكثر. وصرّح المستشار الأسبق للأمن القومي لورنس إيغلبرغر في مقابلةٍ تلفزيونية: «أعتقد أننا سنبرهن على أنّه حين يجري الهجوم علينا بهذه الطريقة، يمكن لرد فعلنا أن يكون فظاً وقوياً وحاسماً».
إثر التصريحات الرسمية، لم تتأخر وسائل الإعلام الغربية (دون براهين) في تأييد اندلاع أعمالٍ عقابية ضد أهدافٍ مدنية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. فقد كتب ويليام سافير بهذا الصدد في صحيفة نيويورك تايمز: «حين نحدد عقلانياً موضع قواعد مهاجمينا ومعسكراتهم، سيتوجب علينا تدميرهم ـ مع التقليل من مخاطر الأضرار الجانبية، لكن كذلك مع قبول مثل هذه المخاطر. علينا التصرف بعملياتٍ [عسكرية] مباشرة، وكذلك بنشاطاتٍ خفية [تقوم بها أجهزة الاستخبارات]، بهدف زعزعة البلدان التي تستضيف الإرهاب».
يهدف النص التالي إلى تحليل حكاية أسامة بن لادن والصلات بين الجهاد الإسلامي والسياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب الباردة.
من الألف إلى الياء
من سخرية القدر أنّ السعودي أسامة بن لادن، المشتبه به الأول في هجمات نيويورك وواشنطن، الذي عينته الـ FBI «إرهابياً دولياً» لدوره المزعوم في قصف سفارتي الولايات المتحدة في إفريقيا، قد جنّدته الـ CIA في البداية لمقاتلة السوفييت أثناء الحرب السوفييتية الأفغانية.
في العام 1979، انطلقت «أكبر عملية سرية في تاريخ الـ CIA» رداً على غزو السوفييت لأفغانستان بهدف دعم حكومة بابراك كارمال الموالية للشيوعيين.
بتشجيعٍ قوي من الـ CIA والأجهزة السرية الباكستانية، التي كانت تريد تحويل الجهاد الأفغاني إلى حربٍ كبيرةٍ تشنها كل البلدان الإسلامية ضد الاتحاد السوفييتي، انضم نحو 35 ألف أصولي إسلامي من أربعين بلداً إسلامياً إلى النضال في أفغانستان بين العامين 1982 و1992. وقدِم عشرات آلافٍ غيرهم للدراسة في المدارس الدينية الباكستانية. مع الزمن، تأثر أكثر من مائة ألف أصولي إسلامي تأثراً مباشراً بالجهاد الأفغاني.
كان الجهاد الإسلامي مدعوماً من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وأتى قسمٌ كبير من التمويل من تجارة المخدرات في الهلال الخصيب.
في آذار 1985، وقّع الرئيس ريغان على أمر الأمن القومي رقم 166، الذي سمح بتقديم مساعدة عسكرية سرية للمجاهدين. أظهر هذا الأمر دون لبسٍ أنّ الحرب السرية القائمة في أفغانستان تهدف إلى قتال القوات السوفييتية في أفغانستان. تميزت المساعدة السرية الأمريكية الجديدة بزيادةٍ نوعية في كمية الأسلحة المقدمة ـ وكانت مساعدةً عسكريةً منتظمة بلغت 65 ألف طن من الأسلحة في العام 1987ـ، وتميزت كذلك بدفقٍ متواصل من أخصائيي الـCIA والبنتاغون إلى المقر السري لقيادة أركان أجهزة الاستخبارات الباكستانية على الطريق الرئيسية قرب روالبندي في باكستان.
استخدمت الـCIA أجهزة الاستخبارات الباكستانية للعب دورٍ مفتاحي في تدريب المجاهدين. بدورها، أدمجت قوات حرب الغوار المدعومة من الـCIA بتعاليم الإسلام:
تضمنت المواضيع المسيطرة أنّ الإسلام إيديولوجيا اجتماعية سياسية كاملة، أنّ الإسلام المقدس انتهكته القوات السوفييتية الملحدة، وأنّه يتوجب على شعب أفغانستان المسلم إعادة تأكيد استقلاله عبر التخلص من النظام الأفغاني الاشتراكي الذي تدعمه موسكو.
شبكة أجهزة الاستخبارات الباكستانية
جرى استخدام أجهزة الاستخبارات الباكستانية كـ«وسيط». تحقق دعم الـCIA للجهاد عبر تلك الأجهزة، أي أنّ الـCIA لم تكن توصل دعمها للمجاهدين بصورةٍ مباشرة. بعباراتٍ أخرى، وبهدف ضمان «نجاح» عمليات واشنطن الخفية، حرصت على عدم كشف الهدف النهائي للجهاد، المتمثل في تدمير الاتحاد السوفييتي.
وفق تعبير ميلتون بردمان، من الـCIA، فإنّ هذه الوكالة «لم تدرّب العرب» بوصفهم كذلك. لكن وفق عبد المنعم صيدلي، من مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، تلقى بن لادن و«العرب الأفغان من الـCIA تدريباً رفيع المستوى ومتخصصاً [في مختلف الحقول التطبيقية]».
غير أنّ بردمان يؤكّد أنّ أسامة بن لادن لم يكن يعي الدور الذي لعبه لصالح واشنطن: «لا أنا [بن لادن] ولا إخوتي تمكنّا من ملاحظة أية مساعدةٍ أمريكية».
لم يكن المحاربون الإسلاميون، الذين تحثهم النزعة القومية والحميّة الدينية، واعين أبداً لكونهم يقاتلون ضد الاتحاد السوفييتي لحساب «العم سام». وفي حين جرت صلاتٌ على المستويات العليا لأجهزة الاستخبارات، لم تكن لقادة المتمردين الإسلاميين على الأرض أية صلةٍ مباشرة مع واشنطن أو الـCIA. بدعم الـCIA وبمساعدةٍ عسكرية أمريكية، سرعان ما تحولت أجهزة الاستخبارات الباكستانية إلى «بنية موازية تمارس سلطاتٍ هائلة على كل مظاهر الحكم». كانت تلك الأجهزة تمتلك موظفين عسكريين وعناصر استخبارات وبيروقراطيين وعملاء مزدوجين ومخبرين، يقدّر عددهم بمائة وخمسين ألف شخص. في تلك الأثناء، ساهمت عمليات الـCIA كذلك في تقوية النظام العسكري الباكستاني بزعامة الجنرال ضياء الحق:
أصبحت العلاقات بين الـCIA وأجهزة الاستخبارات الباكستانية أكثر وديةً بعد انقلاب [الجنرال] ضياء الحق على بوتو وإقامة نظامٍ عسكري. أثناء الجزء الأكبر من حرب أفغانستان، كانت باكستان أكثر عدائيةً للسوفييت من الولايات المتحدة، وبعيد غزو العسكريين السوفييت لأفغانستان في العام 1980، أصدر ضياء الحق أمراً لمدير أجهزة الاستخبارات الباكستانية بالقيام بعمليات سرية تهدف لزعزعة جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية. لم تؤيد الـCIA هذه الخطة إلا في العام 1984. كانت الـCIA أكثر حذراً من الباكستانيين. اختار كلٌ من باكستان والولايات المتحدة الخديعة. فقد جرت نشاطات دبلوماسية ظاهرية في حين اتفقت أجهزة الاستخبارات [الـCIA والاستخبارات الباكستانية] مسبقاً على أنّ تصعيداً عسكرياً يمثل الحل الأفضل.
هلال الذهب والمخدرات
يرتبط تاريخ تجارة المخدرات في آسيا الوسطى ارتباطاً وثيقاً بنشاطات الـCIA السرية. قبل الحرب السوفييتية الأفغانية، لم يكن هنالك إنتاج محلي للهيروئين تقريباً. في هذا الصدد، تؤكد دراسة قام بها ألفرد ماكوي أنّه في السنوات الأولى لعمليات الـCIA في أفغانستان، «أصبحت المناطق المحاذية للحدود الباكستانية الأفغانية المزود الرئيس بالهروئين للسوق العالمية، وكانت تقدّم 60 % من استهلاك الهيروئين في الولايات المتحدة. وفي باكستان، ارتفع عدد المدمنين على الهيروئين من صفر في العام 1979 إلى 1.2 مليوناً في العام 1985 ـ وهي زيادةٌ تفوق بصورةٍ ملموسة تلك التي شهدها أي بلدٍ آخر».
كانت الـCIA تسيطر بصورة غير مباشرة على تجارة الهيروئين. حين بسط المجاهدون سيطرتهم على جزءٍ من الأراضي الأفغانية، أمروا الفلاحين بزراعة الأفيون كضريبةٍ ثورية. في الجانب الآخر من الحدود، أي في باكستان، أقام زعماء أفغان ومجموعات أعمالٍ محلية، بحماية أجهزة الاستخبارات، مئات مختبرات إنتاج الهيروئين. أثناء عقد تجارة المخدرات المفتوحة هذا، وجدت وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية في إسلام أباد نفسها عاجزةً عن إجراء أية مصادرة أو أي اعتقالٍ هام. رفضت السلطات الأمريكية إجراء تحقيق حول أية تهمة تتعلق بالهيروئين ترتبط بحلفائها الأفغان «لأنّ سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بمكافحة تجارة المخدرات في أفغانستان كانت أمراً يأتي بعد الحرب على الاتحاد السوفييتي». في العام 1995، أقرّ تشارلز كوغان، مدير عمليات الـCIA في أفغانستان، بأنّ الـCIA قد ضحّت بالحرب على المخدرات لتكرس نفسها للحرب الباردة. «تمثلت مهمتنا الرئيسية في تكبيد السوفييت أشد الخسائر الممكنة. لم تكن لدينا حقاً الموارد ولا الزمن المطلوب للتحقيق حول تجارة المخدرات. أجل، كان هنالك عائقٌ على مستوى تجارة المخدرات، غير أنّ الهدف الرئيس جرى بلوغه، فقد انسحب السوفييت من أفغانستان».
غداة الحرب الباردة
غداة الحرب الباردة، لم تكن منطقة آسيا الوسطى تتمتع بأهميةٍ استراتيجية بسبب احتياطياتها النفطية فحسب: فهي تقدم وحدها ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي من الأفيون، ما يمثل دخلاً يبلغ عدة مليارات من الدولارات لأوساط رجال الأعمال والمؤسسات المالية والمصرفية المتورطة في غسيل الأموال القذرة، ووكالات الاستخبارات والجريمة المنظمة. تدرّ تجارة المخدرات في الهلال الذهبي ما بين 100 و200 مليار دولار أمريكي سنوياً، أي نحو ثلث رقم الأعمال السنوي لتجارة المخدرات العالمية التي تقدرها الأمم المتحدة بنحو 500 مليار دولار أمريكي.
مع تفكك الاتحاد السوفييتي، شهد إنتاج الأفيون نهضةً كبيرة. وفق تقديرات الأمم المتحدة، بلغ إنتاج الأفيون في أفغانستان في العام 1998-1999 ـ وهو تاريخٌ يتزامن مع زيادة التمردات المسلحة في الجمهوريات السوفييتية السابقة ـ مستوىً قياسياً، إذ وصل إلى 4600 متر مكعب من الإنتاج. تتنافس مجموعات أعمال قوية من الاتحاد السوفييتي الأسبق المتحالفة مع الجريمة المنظمة على التحكم الاستراتيجي بـ«طرق الهيروئين».
لم تفكك شبكة أجهزة الاستخبارات العسكرية الباكستانية الواسعة غداة الحرب الباردة. من جانبٍ آخر، واصلت الـCIA دعم الجهاد الإسلامي عبر باكستان. وأطلقت مبادرات سرية جديدة في آسيا الوسطى، في القوقاز والبلقان. وقد استخدم الجهاز العسكري وأجهزة المخابرات الباكستانية بصورةٍ أساسية «كعامل تحفيز على تفكيك الاتحاد السوفييتي ونشوء ست جمهوريات إسلامية في آسيا الوسطى».
في موازاة هذه النشاطات الخفية للـCIA، استقر دعاةٌ إسلاميون من المذهب الوهابي السعودي في هذه الجمهوريات، وكذلك داخل الفيدرالية الروسية، في تجاوزٍ لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني. وعلى الرغم من إيديولوجيتهم «المعادية للولايات المتحدة الأمريكية»، فقد خدمت النشاطات الأصولية الإسلامية مصالح واشنطن الاستراتيجية في الاتحاد السوفييتي السابق...
تواصلت الحرب الأهلية الأفغانية بعد انسحاب القوات السوفييتية في العام 1989. تلقى الطالبان دعم الباكستانيين وحزبهم السياسي، جمعية علماء الإسلام. في العام 1993، انضم حزب جمعية علماء الإسلام إلى تحالف رئيسة الوزراء بناظير بوتو. أقيمت صلاتٌ بين الحزب وبين الجيش وأجهزة الاستخبارات. في العام 1995، ومع سقوط حكومة حزب حكمتيار الإسلامي، لم يكتف الطالبان بإقامة حكومة إسلامية أصولية، بل «أوكلوا السيطرة على معسكرات التدريب الأفغانية لكتائب من حزب جمعية علماء الإسلام».
لعب هذا الأخير، بدعم الحكومة الوهابية، دوراً رئيسياً في تجنيد المجاهدين لينشطوا في البلقان والاتحاد السوفييتي الأسبق. في هذا الصدد، تؤكد مجلة جين ديفنس ويكلي بأنّ «نصف رجال وتجهيزات الطالبان تأتي من أجهزة الاستخبارات الباكستانية».
في الواقع، يبدو أنّ مختلف التشكيلات المسلحة في الحرب الأهلية الأفغانية واصلت تلقي مساعدةٍ خفية من الـCIA عبر أجهزة الاستخبارات الباكستانية إثر انسحاب القوات السوفييتية. بعبارات أخرى، قدّمت دولة الطالبان الإسلامية بدعمٍ من الاستخبارات الباكستانية التي تسيطر عليها بدورها الـCIA، خدمةً كبيرة لمصالح واشنطن الجيوسياسية. كما خدمت تجارة المخدرات في الهلال الخصيب تمويل جيش البوسنة الإسلامي وتسليحه منذ مطلع التسعينات، وكذلك جيش تحرير كوسوفو. في الأشهر الأخيرة، قاتل مرتزقة من المجاهدين في صفوف جيش تحرير كوسوفو، المتورط في الحرب الأهلية في مقدونيا. وقد تكشّف أنّ جيش تحرير كوسوفو لا يحظى بدعم الناتو فحسب، بل إنّ بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو تموله جزئياً.
هذا يفسر لماذا أغلقت واشنطن عينيها عن سيادة الإرهاب الذي فرضه الطالبان، ما تضمّن بصورةٍ خاصة انتهاكاتٍ فاضحة لحقوق النساء وإغلاق مدارس البنات، وتسريح موظفي الخدمات العامة وفرض «قانون الشريعة العقابي».
الحرب في الشيشان
تلقى زعيما الشيشان المتمردان الرئيسيان، شامل باساييف والخطاب، تأهيلهما العسكري والإيديولوجي في معسكرات التدريب التي تمولها الـCIA في أفغانستان وباكستان. وفق يوسف بودانسكي، مدير قوة مهمات الكونغرس الخاصة بالإرهاب والحرب غير التقليدية، جرى التخطيط للحرب الشيشانية في اجتماعٍ سري لحزب الله انعقد في مقاديشو عام 1996. شارك العديد من الكوادر العليا لأجهزة الاستخبارات الإيرانية والباكستانية في هذا الاجتماع، الذي حضره أيضاً أسامة بن لادن. إنّ دور أجهزة الاستخبارات الباكستانية في الحرب الأهلية في الشيشان «يمضي أبعد بكثير من تزويد الشيشان بالأسلحة والخبرة: في الواقع، فإنّ أجهزة الاستخبارات الباكستانية ومندوبيها الإسلاميين الراديكاليين هم الذين يقودون هذه الحرب».
يعبر أنبوب النفط الروسي الرئيسي الشيشان وداغستان. لم يلتفت المستفيدون غير المباشرين من الحرب الشيشانية لإدانات واشنطن الشكلية للإرهاب الإسلامي، فهم عمالقة النفط الأنغلوأمريكيين المناضلون من أجل السيطرة على الموارد النفطية وأنابيب النفط في حوض بحر البلطيق.
يقدّر عداد الجيشين الشيشانيين المتمردين الرئيسيين (اللذين يقودهما على التوالي القائد شامل باساييف والأمير خطاب) بنحو 35 ألف رجل، وموَّلتهما أجهزة الاستخبارات الباكستانية التي لعبت أيضاً دوراً مفتاحياً في تنظيم الجيش المتمرد الشيشاني وتدريبه:
في العام 1994، نظمت أجهزة الاستخبارات الباكستانية لباساييف وضباطه الموثوقين إرشاداً إسلامياً مكثفاً وتدريباً على حرب الغوار في إمارة خوست في أفغانستان، في معسكر الأمير معاوية، الذي أقامته الـCIA وأجهزة الاستخبارات الباكستانية منذ مطلع الثمانينات بإدارة أمير الحرب الأفغاني قلب الدين حكمتيار. في تموز 1994، وبعد أن «تخرج» باساييف على يد الأمير معاوية، جرى نقله إلى معسكر مرقزي دوار في باكستان، كي يجري فيه تدريباً على تكتيكات حرب الغوار المتقدمة. في باكستان، كان باساييف يلتقي أيضاً أرفع كوادر القوات العسكرية وأجهزة الاستخبارات: وزير الدفاع الجنرال أفتاب شعبان ميراني ووزير الداخلية الجنرال نصر الله بابار ومدير أجهزة الاستخبارات المسؤول عن توصيل دعم أجهزة الاستخبارات العسكرية للقضايا الإسلامية الجنرال جواد أشرف (أحيلوا جميعاً إلى التقاعد). سرعان ما ظهرت الفائدة الكبيرة لهذه الصلات الرفيعة بالنسبة لباساييف.
بعد تدريبه وإرشاده، جرى حثّ باساييف على شن حملة عسكرية على القوات الفدرالية الروسية أثناء حرب الشيشان الأولى في العام 1995. كما طوّرت منظمته روابط وثيقة مع اتحادات الجريمة المسكوفية والجريمة المنظمة الألبانية وجيش تحرير كوسوفو. في العام 1997-1998، وفق أجهزة الأمن الفدرالية الروسية، «بدأ أمراء الحرب الشيشانية الاستثمار في العقارات في كوسوفو عبر عدة شركات عقارية مسجلة في يوغوسلافيا كغطاء».
كما تورطت منظمة باساييف في عددٍ لا بأس به من عمليات التهريب، ولاسيما تهريب المواد المخدرة، والاستغلال غير الشرعي وتخريب أنابيب النفط الروسية، والخطف والدعارة وتجارة الدولارات المزيفة وتهريب المواد النووية. مع تبييض المخدرات، استخدمت فوائد هذه النشاطات الإجرامية أيضاً لتمويل تجنيد المرتزقة وشراء الأسلحة.
أثناء تدريب شامل باساييف في أفغانستان، ارتبط بالقائد السعودي المتقاعد للمجاهدين الخطاب، الذي قاتل في أفغانستان. بعد بضعة أشهر من عودة باساييف إلى غروزني في مطلع العام 1995، جرت دعوة الخطاب لتأسيس جيشٍ في الشيشان لتدريب المقاتلين المجاهدين. وفق هيئة الإذاعة البريطانية، جرى التخطيط لرحلة الخطاب إلى الشيشان «بفضل دعم منظمة الإغاثة الإسلامية التي يقع مقرها في المملكة العربية السعودية والتي أرسلت أموالاً إلى الشيشان. كانت منظمة الإغاثة الإسلامية تموّل من مساجد وهبات أفرادٍ أثرياء [متشاركين مع أوساط الأعمال السعوديين]».
الخلاصة
منذ عهد الحرب الباردة، دعمت واشنطن أسامة بن لادن، مع وضعه في الآن ذاته على قائمة «الأشخاص المطلوبين للـFBI».
في حين أنّ المجاهدين متورطون في التمردات المسلحة لصالح الولايات المتحدة في البلقان والاتحاد السوفييتي الأسبق، أوكلت إلى الـFBI مهمة إيصال الولايات المتحدة إلى شن حربٍ على الإرهاب. من الواضح أنّنا لسنا هنا أمام نشاطاتٍ متناقضة فحسب، بل أمام سياسةٍ تجاه المواطنين يتكشف كذبها. فمنذ الحرب السوفييتية الأفغانية، تدعم الـCIA الإرهاب الدولي عبر عملياتها السرية.
من دواعي السخرية المريرة أنّ الجهاد الإسلامي نفسه، الذي تقدمه إدارة بوش بوصفه «تهديداً على أمريكا» مسؤولاً عن الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمية والبنتاغون يمثّل أداةً رئيسية لعمليات واشنطن العسكرية الاستراتيجية في البلقان والاتحاد السوفييتي الأسبق.
غداة الهجمات الإرهابية في نيويورك وواشنطن، ينبغي كشف حقيقة الروابط بين الحكومة الأمريكية والإرهاب الدولي للرأي العام بهدف منع إدارة بوش وشركائها في حلف الناتو من المضي في مغامرةٍ عسكرية تهدد مستقبل البشرية.
*ميشيل شوسودوفسكي: أستاذ الاقتصاد في جامعة أوتاوا بكندا، وباحثٌ في مركز أبحاث العولمة. مؤلف أكثر الكتب مبيعاً على المستوى الدولي: «عولمة الفقر»، الذي نشر بإحدى عشرة لغة.