كسينيا زاباتشيفا    إعداد: رنا مقداد كسينيا زاباتشيفا    إعداد: رنا مقداد

مناقشات حول التكامل بين «الأوروبي» و«الأوراسي»

يناقش الخبراء الروس والأوروبيون فكرة دمج الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهي الفكرة التي كان قد طرحها سابقاً رئيس جمهورية كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، خلال منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي.

 

في يوم 17 حزيران، أي في اليوم الثاني من المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبورغ، تقدم رئيس كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، بفكرة مبادرة جديدة تنطوي على التكامل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. «تكامل التكاملات» هذا، سيجلب روسيا لتصبح أقرب إلى شركائها الأوروبيين والأوراسيين، لكن ما هو المدى العملي لمثل هذه المبادرة؟

 

 يعتقد يفغيني فينوكروف، مدير مركز الدراسات التكاملية في بنك التنمية الأوراسي (مجلس التنمية الاقتصادية) أن التفاوض على مثل هذا الاتفاق قد يستغرق 5-6 سنوات. وقال في دورة نادي فالداي على هامش المنتدى، أن هناك مالا يقل عن 20 من المناطق التي قد تكون فيها مصالح الكتلتين متطابقة، من تجارة السلع والخدمات إلى نظام التأشيرة الحرة وتحرير الوصول إلى الأسواق المالية.

كيف يمكن أن يكون مثل هذا الاقتراح قابلاً للتطبيق في المستقبل؟ وما هي الشروط المسبقة التي  يجب أن تتوافر لبناء أساس لمفاوضات مثمرة؟ تمّ التواصل مع أربعة خبراء روس وأوروبيين لمعرفة آرائهم.

نموذج عن الأكاديميين

 الرسميين الأوروبيين

كريستوفر بيساريدس، أستاذ الاقتصاد والحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 2010 يقول: إنها فكرة ممتازة إذا كان من الممكن القيام بها، ولكني لا أعتقد أنها قابلة للتطبيق في الوقت الحاضر، بسبب المشاكل الكثيرة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا وبسبب الاقتصادات الآسيوية الأخرى، ونظراً للمستويات المختلفة من التنمية الاقتصادية. وأنا لا أعتقد أنها ستنضج سياسياً في المرحلة المقبلة.

ويتابع بيساريدس: الطريق للمضي قدماً يتم عن طريق منظمة التجارة العالمية (WTO) ومن خلال تشكيل تكتلات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، والشراكة عبر المحيط الهادئ، والتجارة والشراكة الاستثمارية عبر الأطلسي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وعندما تنضج تلك الكتل وتعمل بشكل جيد، يتم الجمع بينها، وعندها يتم الانتقال إلى مفاوضات الخطوة التالية.

أحد الشروط المسبقة لهذا هو أن تلتزم جميع السلطات السياسية والعسكرية جميعها بضبط النفس. كان الكثيرون من الناس يعتقدون أنه بمجرد أن تم تفكيك الاتحاد السوفيتي بتلك الطريقة التي حدثت فإن الناتو سيقلص أنشطته ووجوده في دوله الأعضاء، ويركز بدلاً من ذلك على الاتحادات الاقتصادية وعلى دمج اقتصادات أوروبا الشرقية مع الدول الأوروبية الغربية الأكثر تقدماً، بحيث لا تجلب معها تحالفات عسكرية تنطوي على بعض الخطر في المستقبل. كان هناك الكثير من التفاؤل حول السلام على المدى الطويل والتعاون عام 1990 ولكن الأمور تجري الآن إلى حد كبير عكس ذلك.

هذه الصورة من موسكو

أوليغ بوكليميشيف أستاذ مشارك في علم الاقتصاد بجامعة موسكو الحكومية يؤكد أن: فكرة دمج الاتحاد الاقتصادي الأوارسي والاتحاد الأوروبي أمر طبيعي تماماً. بغض النظر عن المساحة الواسعة التي يغطيها الاتحاد الأوراسي على الخريطة، فهو أصغر بكثير من الاتحاد الأوروبي من حيث الحجم الاقتصادي. على أساس تعادل القوة الشرائية فإن الاتحاد الأوروبي أكبر بثلاث مرات من الاتحاد الأوراسي. ومن حيث الحجم الاسمي، فإنه أكبر بعشر مرات تقريباً. وبالتالي، فإنه من أجل القدرة على المنافسة عالمياً، لا يزال الاتحاد الأوراسي بحاجة إلى إقامة علاقات المنفعة المتبادلة مع الشركاء الاقتصاديين الأكبر وكتلهم الاقتصادية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو الآن في مرحلة متقدمة من التكامل تغطي مجموعة واسعة من المجالات، وهي في الوقت نفسه أوسع من مثيلاتها في الاتحاد الأوراسي. من وجهة النظر هذه قد تكون هذه التجربة التراكمية مفيدة لتطوير عمليات التكامل داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ومن المرجح أن الاتحاد الأوروبي قد يجد هذا مثيراً للاهتمام وهو أن الاتفاق أسهل مع عدد من الشركاء في آن واحد على الظروف نفسها، من الاتفاق مع كل منهم على حدة.

ومع ذلك فإن تنفيذ برنامج فعال من التكامل المتبادل سيكون أكثر تحدياً. أولاً: وجود عائق خطير أمام التوصل إلى اتفاق هو الفرق في مستوى التكامل الحالي. ثانياً: سيكون من الضروري اتخاذ قرارات إستراتيجية بشأن الاتجاهات الرئيسية للتنمية المستقبلية في كل من الكتل التي تنوي التكامل. الوقت ليس مناسباً الآن لهذا ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب التي تخص  كلا الجانبين. ثالثاً: أي جدول أعمال يتطلب من الجانبين تقديم تنازلات متبادلة، والاتفاق عليها قد يتحول إلى عملية غير سهلة ومؤلمة. وأخيراً من الصعب جداً أن نتخيل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوراسي بينما لا تزال العقوبات على حالها، هذا السؤال يكمن خارج جدول الأعمال الاقتصادي في كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا، وهي العضو البارز في الاتحاد الأوراسي.

ولذلك، يمكن القول أن منطقية  فكرة التكامل سابقة لأوانها بعض الشيء. وسيكون من العقلاني أن نعود إلى تحقيقها بعد بعض الوقت في المستقبل.

المشروع الأوراسي 

أكبر من اتحاد اقتصادي

إيفان كابيتونوف، كبير الباحثين في قطاع سياسة الطاقة في معهد الاقتصاد في الأكاديمية الروسية للعلوم يقول: المبادرة المقترحة من قبل رئيس كازاخستان لدمج الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والاتحاد الأوروبي لديها إمكانات، ولكنها سابقة لأوانها. عموماً، هي ذات معنى لأسباب موضوعية، فالتعاون مع الاتحاد الأوراسي هو أكثر فائدة لأوروبا من الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي. ويرجع ذلك أولاً وقبل كل شيء إلى القرب الجغرافي وعدد من الروابط التعاونية. أما بالنسبة لروسيا، وعلى الرغم من نظام العقوبات، فهذا يمثل فرصة ومصلحة عملية هامة عندما ترتبط روسيا مع الاتحاد الأوروبي من خلال شبكة من المصالح الاقتصادية والسياسية، وكان وما يزال تطوير التعاون الإقليمي في أوروبا هدفاً للسياسة الخارجية الروسية.

لكن، وبصرف النظر عن الدوافع الجذابة التي تحدد اتجاه التقارب التي يمكن أن تستمر لفترة طويلة، هل هناك أي معنى عملي لذلك؟ بماذا وكيف يمكن أن نتكامل؟

إن تحقيق التكامل بين الاتحاد الأوراسي بشكله الحالي والاتحاد الأوروبي قد يحدث، لكن ذلك لن يدوم طويلاً. لذلك، فإن الممكن ليس مثل هذا «التكامل»، ولكن تعزيز التفاعل والمفاوضات الجادة حول مجالات النقل والبنية التحتية للطاقة، والتي من شأنها أن تسمح لحل أكثر المسائل المثيرة للقلق التي توجد بين الكتلتين الكبيرتين. أي أن المفيد اليوم هو تعزيز المشروع الأوراسي، وليس الاتحاد الاقتصادي الأوراسي فقط، حيث أن المشروع يضمن حلولاً ذات طابع جذري حتى بالنسبة إلى الدول الأوروبية التي تعاني الكثير على الصعيد الاقتصادي والسياسي.