خارج السيطرة..  البنوك المركزية في فوضى المرحلة
بقلم: جاك راسموس بقلم: جاك راسموس

خارج السيطرة.. البنوك المركزية في فوضى المرحلة

في 16/12/2015، رفع البنك المركزي الأمريكي، ومجلس الاحتياطي الفدرالي، أسعار الفائدة على المدى القصير. وقد أنهت هذه الخطوة أكثر من سبع سنوات أبقى فيها مجلس الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة عند حدود الصفر.

ترجمة وإعداد: رنا مقداد

 

 تأتي هذه الخطوة لتثير الكثير من التساؤلات الجدية حول الاقتصاد العالمي خلال عام 2016، وهو الاقتصاد الذي تباطأ بشكل ملحوظ منذ عام 2014. وما هو شبه مؤكد حتى الآن، أن التباطؤ العالمي سيتواصل خلال 2016، نظراً لارتفاع أسعار النفط العالمية، واستمرار الاقتصاد الأوروبي بالنمو المتباطئ، ودخول اليابان في ركود بعد آخر، والزعزعة في اقتصادات الأسواق الناشئة.. إلخ.

إن رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة إنما يعني أن الاقتصاد الأمريكي، الذي لا يتمتع بالأصل بصحة جيدة، قد يتباطأ بشكل أكبر خلال عام 2016 أيضاً، على عكس ما تحاول وسائل الإعلام الأمريكية و«خبراؤها الاقتصاديون» ادعاءه. وما تتجاهله الصحافة الأمريكية بشكل مريب، هو حقيقة أنه في السنوات الأربع الماضية على التوالي، كل ثلاثة أشهر شتوية تحديداً، انهار الاقتصاد الأمريكي إلى ما يقرب من الصفر، أو حتى إلى النسب السلبية أحياناً في الناتج المحلي الإجمالي. فهل من الممكن أن يجري ذلك مرة أخرى- مرة خامسة- من كانون الثاني إلى آذار 2016، نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة؟ هذا محتمل جداً..!

خفض بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى ما يقرب من الصفر في عامي 2008- 2009، وكانت الذريعة في حينه أن تخفيض أسعار الفائدة مطلوب ولازم لتحقيق الانتعاش الاقتصادي. ورغم ذلك، لم تجد دراسات الاحتياطي الفدرالي الأخيرة حرجاً في القول صراحة أن تأثير انخفاض المعدلات في تلك الفترة كان محدوداً جداً على الاقتصاد الحقيقي للولايات المتحدة.

هل الاقتصاد الأمريكي على حافة هاوية؟

منذ عام 2008، لم ينمُ الاقتصاد الحقيقي في الولايات المتحدة بأكثر من نصف إلى ثلثي المعدل العادي. الوظائف لائقة الأجور في مجال التصنيع لا تزال حتى اليوم أقل بمليون موظف مقارنة بمستويات عام 2007. ولا يزال وسطي الأجور لغير المدراء التنفيذيين أقل مما كان عليه عام 2007، بينما تتراكم الديون الجديدة للأسر بهدف دفع الارتفاع الذي أصاب التكاليف الطبية والإيجارات والسيارات والتعليم.. إلخ. مبيعات التجزئة تتباطأ. نشاط البناء ليس سوى ثلثي ما كان عليه في 2007، أما التصنيع، فهو نحو الانكماش من جديد. وأدى انتهاء طفرة الغاز والنفط الصناعية التي امتدت بين 2012- 2014 (والتي كانت مصدراً رئيسياً للنمو) إلى التسريح العام والشامل للعمال بنسبة تقدر بمئات الآلاف تحدث الآن في مجالات التعدين والتصنيع والنقل. وهذا ما يجعلنا نتنبأ بمزيد من الاضطرابات الاجتماعية، وما سيتلوها من حركات اجتماعية قد تكون منظمة بقوة، للنهوض والوقوف في وجه هذا النهب الاقتصادي.

إن رفع أسعار الفائدة بـ0.25% لن يجلب أي شيء إيجابي للسيناريو الكارثي للاقتصاد الأمريكي، إنما لن يكون لها سوى تأثير سلبي على مزيد من الاتجاهات الضعيفة بالفعل. والسؤال الوحيد: كم هو سلبي هذا الرفع؟

هذا الرفع الذي أجراه مجلس الاحتياطي الفدرالي من شأنه أن يرفع قيمة الدولار، وهو ما سيزيد من أسعار الفائدة في الولايات المتحدة على المدى الطويل، الأسعار التي ارتفعت بالفعل بأكثر من 1% خلال العام الماضي. وهو ما سيؤدي إلى تباطؤ التصنيع في الولايات المتحدة وبالتالي التصدير، أي الانكماش في الاقتصاد الأمريكي مرة أخرى. وسيتحول البناء في الولايات المتحدة من النمو المتواضع إلى الانكماش، وسينخفض الدخل الحقيقي للأجور بشكل أكبر في عام 2016.

البنوك المركزية في أوروبا واليابان

أغرقت البنوك المركزية في أوروبا واليابان اقتصاداتها في حقن الأموال الآتية من سياسات «التيسير الكمي» منذ عام 2013، وبما أن سياسات الاحتياطي الفدرالي الأمريكي لم تكن متوافقة مع خططهم، انخفضت قيمة عملاتها في الوقت الراهن. وإذا ما استطاعت البنوك المركزية الأوروبية واليابانية أن تمتص رفع أسعار الفائدة من مجلس الاحتياطي الفدرالي، فإنها ستنتظر بضعة أشهر، قبل أن تتجه لإضافة المزيد من «التيسير الكمي»، الذي سيخفض مرة أخرى قيمة العملات خلال عام 2016.

وتخفيض العملتين الأوروبية واليابانية من شأنه أن يزيد من حدة حرب العملات العالمية التي بدأت بالفعل، والتي ينتج عنها قتال عنيف على كعكة الاقتصاد العالمية، من خلال المحاولات المحمومة للاستحواذ على صادرات الآخرين.

تثري البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان الشركات والمستثمرين الماليين بعشرات التريليونات من الدولارات منذ عام 2008، من خلال معدلات الصفر وسياسات «التيسير الكمي»، في حين تترك وراءها بقية قطاعات الاقتصاد تكافح بلا جدوى. هذه السياسات فشلت فشلاً ذريعاً (إلا بالنسبة للأثرياء) على مدار السنوات السبع الماضية. وهي الآن على وشك الفشل مرة أخرى، مع مزيد من النتائج الكارثية. بعبارة أخرى، تلوث البنوك المركزية الأمريكية واليابانية والأوروبية الاقتصاد العالمي مرة جديدة.

البنك المركزي الصيني

متوقِعاً ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، واستجابة لتخفيض القيمة التي يحركها «التيسير الكمي» في اليابان وأوروبا، خفض «بنك الشعب الصيني»- البنك المركزي في الصين- عملته «اليوان»، بنحو 4% في شهر آب من عام 2015. وهذا كان الحد الأدنى الممكن، بالنظر إلى أن الصين لديها سياسة ربط اليوان بالدولار الأمريكي منذ الأزمة الاقتصادية في عام 2008. وقد اتفقت الصين مع صندوق النقد الدولي خلال الأسبوعين الماضيين أن يصبح اليوان عملة تداول عالمية، وهذا يعني أن اليوان سيصبح منزوعاً عن الدولار. مما سيغير من معادلات التأثر بارتفاع الدولار ومعدلات الاحتياطي الفدرالي.

ومع مزيد من انخفاض قيمة اليوان، وهو ما لا مفر منه حالياً، فإن الصين لديها الفرصة أيضاً للانضمام الكامل في جبهة حرب العملات العالمية. إلا أنه ومع انخفاض قيمة اليوان، فإن الصين ستجد الفرصة لاستعادة بعض صادراتها التي خسرتها سابقاً. لكن انخفاض اليوان سيؤدي بالاقتصادات الآسيوية الأخرى إلى تخفيض قيمة عملاتها أيضاً. وهذا يعني أن اليابان سوف توسع «التيسير الكمي» مرة أخرى في عام 2016، استجابة لعملة اليوان والعملات الآسيوية الأخرى. وبالتالي، فإن ارتفاع معدلات الاحتياطي الفدرالي قد يضع في الحسبان مزيداً من التباطؤ في الاقتصاد الأمريكي أيضاً..