دوغلاس ويبر دوغلاس ويبر

لماذا يجب تصنيف أوروبا «قوة متراجعة»؟

كيف تغير تأثير الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية منذ مطلع القرن؟ انطلاقاً من هذا السؤال، يستعرض الباحث الأسترالي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة «INSEAD» الفرنسية، دوغلاس ويبر، نتائج دراسته عن قوة أوروبا في سبع مجالات سياسية، ليجد أن قوة أوربا في كل مجال، باستثناء السياسة التنظيمية، إما أنها بقيت ثابتة أو تناقصت منذ عام 2003. وفي حين يعزى بعض من هذا الانخفاض إلى المشاكل الاقتصادية المرتبطة بأزمة منطقة اليورو، إلا أن هذا الانخفاض ذاته هو أيضاً دلالة إلى الصعوبات التي يشهدها زعماء الاتحاد الأوروبي في مفاوضاتهم لإيجاد مواقف مشتركة على المستوى الأوروبي.

ترجمة: جيهان الذياب


«الولايات المتحدة الأوروبية»، «القوة العظمى الأوروبية»، «أوروبا: القوة العظمى هادئة»، «وعد أوروبا»، «لماذا ستقوم أوروبا بإدارة القرن الحادي والعشرين؟»، هذه الكتب والعناوين والمقالات في صحفٍ عكست ثقة مؤلفيها، عندما بزغ فجر القرن الـ21، بأن الاتحاد الأوروبي سيصبح قوة عالمية عظمى أو حتى القوة المهيمنة الأولى في الشؤون العالمية. في دراسة حديثة، أحاول تقييم مدى تطور الاتحاد الأوروبي كقوة عالمية، في الخمسة عشر عاماً الأولى من القرن الجديد، ومدى تحقق هذه التكهنات المتفائلة.
نقائض ومقارنة تثبت التراجع
لهذا الغرض، تعرَّف «القوة العالمية»، في حالة الاتحاد الأوروبي، على أنها: القدرة على جعل الجهات الفاعلة الأخرى تتصرف حسب ما يريده الاتحاد الأوروبي مع عدم القدرة على التصرف بخلاف ذلك. وأميِّز بين ثلاثة أنواع أساسية لمصادر الطاقة أو القدرات: القوة العسكرية التي تنطوي على استخدام أو التهديد باستخدام القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية أو المالية والتي تنطوي على إمكانية استخدام أو التهديد باستخدام العقوبات الاقتصادية والمادية سواء كانت سلبية أو إيجابية، والقوة الأيديولوجية «الناعمة».
يمكن أن تُمارَس السلطة الأيديولوجية إما مباشرة، كما هو الحال عندما يقنع أحد الأطراف طرفاً آخر بالحاجة الكبيرة للقيم التي يدعي أنه يقدمها، أو بشكل غير مباشر، بقدر ما تشكل هذه القيم «نموذجاً» تكافح الأطراف الأخرى لمحاكاته بسبب جاذبيته. فيما عدا الحالة الأخيرة، فإن ممارسة السلطة عادة ما تتطلب تعبئة ونشر واحد أو مزيج من هذه الأنواع الثلاثة المختلفة للمصادر أو القدرات.
لتقييم الاتجاهات في قوة الاتحاد الأوروبي العالمية، بالإطار المحدد آنفاً، سأحاول إيجاد التمايزات والتقاطعات بين تطورات ونتائج الصراعات الدولية في عدد من القضايا الإشكالية، حيث كان الاتحاد الأوروبي بطل الرواية فيها خلال ما يقرب الخمس والعشرين سنة الماضية. معظم القضايا الإشكالية كانت التنظيمية والبيئية (تغير المناخ)، والسياسة التجارية، و«تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان» والتعاون الإقليمي- حيث توقع دعاة أطروحة «القوة الأوروبية العظمى» وفي بعض الحالات، الاتحاد الأوروبي نفسه- أن الاتحاد الأوروبي سيلعب دوراً دولياً مركزياً ما لم يكن دوراً مهيمناً.
وهناك أيضاً قضيتان إشكاليتان ثانيتان، وهما السياسة النقدية، وسياسة الأمن والدفاع، كنتيجة لإطلاق اليورو وسياسة الأمن والدفاع الأوروبية في عام 1999، توقع العديد من المراقبين أن الاتحاد الأوروبي سيصبح قوة عالمية متصاعدة. تبين استنتاجاتي، أن الاتحاد الأوروبي عموماً تراجع بدلاً من كونه قوة صاعدة.
في هذا الاتجاه العام، تتفاوت قوة الاتحاد الأوروبي بشكل كبير في القضايا الإشكالية. ومن ضمن القضايا الإشكالية المشمولة، ارتفعت قوة الاتحاد الأوروبي فقط في السياسة التنظيمية، ويمكن إلى حد ما اعتبارها قوة مهيمنة. ويبقى الاتحاد الأوروبي لاعباً مهماً في التجارية الدولية والسياسات البيئية، مما يوحي بأن قوته على أشدها في تلك القضايا، حيث يمكن تعبئة موارده الاقتصادية والمالية، ولاسيما في سيطرته وقدرته على الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي.
كما لاحظ علماء آخرون، أن الاتحاد الأوروبي تختلف قوته بشكل ملحوظ حسب الموقع الجغرافي. فخارج حدوده، لا يمكنه استعمال «بطاقة الدخول» كأداة لفرض السلطة، بل تضعف قوته بسرعة. إذاً هو حالة إقليمية أو قارية أكثر بكثير منه قوة عالمية حقيقية.
حتى على حدود الاتحاد الأوروبي، حيث تم تحضيره ليمارس سلطته وتأثيره في معظم القضايا الإشكالية، يظهر أن قوته تنحسر. لم يعد له الأثر نفسه «التحولي» الذي حصل في غرب البلقان وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية خلال العقد الماضي قبل عام 2004 في أوروبا الوسطى. كما لم يكن الطرف الفاعل القوي في التجارة الدولية والسياسة البيئية حتى الآن في هذا القرن، كما كان في التسعينيات من القرن الماضي.
قرن «أوروبي» جديد..
إذا لم يمكن أن يقال أن الاتحاد الأوروبي في الواقع قد تدهور (رغم أنه عانى من الركود بشكل عام)، كقوة عالمية أو كسلطة نقدية عالمية، يكون السبب فقط أن ذلك لم يحصل في بداية هذا القرن.
يمكن أن يعزى تراجع قوة الاتحاد الأوروبي في المقام الأول إلى التدهور الاقتصادي النسبي، والذي أبرزته الأزمة في منطقة اليورو وزادت من تسارعه. إن تقلص حجم السوق الأوروبية المشتركة مقارنة في البلدان المتصاعدة و«الناشئة»، وخاصة «البريكس»، أضعفت القوة التفاوضية للاتحاد الأوروبي - وذلك ليس فقط في القضايا الاقتصادية والمالية.
لقد أدى التدهور الاقتصادي والأزمة إلى تضائل حجم المصادر المالية التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن ينشرها في الخارج لتعزيز أهدافه المتعلقة بذلك، تغيرات المناخ و«حقوق الإنسان» مثالاً. كما خفضت أيضا قدرة الدول الأعضاء للحفاظ على الإنفاق العسكري، وبالتالي الحد من قدرة الاتحاد الأوروبي على التعهد أو بالأحرى التهديد بمصداقية القوة العسكرية. كما جعلت من الاتحاد الأوروبي نموذجاً أقل جاذبية بالنسبة للمناطق الأخرى، وبالتالي الإضرار بـ«قوته الناعمة» أيضاً.
مع ذلك، فإن مسألة تراجع قوة الاتحاد الأوروبي ليست بسبب تضاؤل مصادر قوته المادية فحسب. فحتى الولايات المتحدة التي تمتلك سوقاً كبيرة نسبياً تتراجع، أما القوات المسلحة للدول الأعضاء تفوق القوات المسلحة لأي بلد في العالم، بغض النظر عن الولايات المتحدة. فإذا كانت قوته في انخفاض، فإن ذلك يعزى جزئياً إلى بنيته السياسية المؤسساتية والعمليات التي تعتمدها هذه البنية، والتي جعلت اعتماد وتنفيذ السياسات المشتركة مستحيلة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
في حين كان هذا أكثر وضوحاً في قضايا الأمن الدولي، فقد تجلى أيضاً في بعض المسائل الإشكالية، مثل التجارة الدولية، حيث يمتلك الاتحاد الأوروبي كفاءات قوية جداً إذا تمت مقارنتها مع الدول الأعضاء. يبدو أن التراجع الاقتصادي النسبي للاتحاد الأوروبي مثبت، حتى لو حلت أزمة منطقة اليورو في يوم من الأيام، ستعتمد قدرته على إبطاء تراجع قوته العالمية، بشكل كبير، على مدى اندماجه سياسياً.
بعد العقد الأخير، لا يمكن إلا لمراقب متفائل جداً، فقط، أن يكون على ثقة من أن الاتحاد الأوروبي سوف يكون قادراً على مواجهة هذا التحدي (الأكثر تواضعاً)، ناهيك عن الثقة بأن القرن الحالي سيتحول إلى قرن «أوروبي»!

الجدول: تقييم التغيير في قوة الاتحاد الأوروبي في المجالات رئيسية منذ عام 2003

ملاحظة:
يوضح الجدول ملخصاً لنتائج الدراسة في سبعة مجالات سياسية مختلفة. ويظهر كل تقييم كيف تغيرت قوة الاتحاد الأوروبي منذ عام 2003 حتى الوقت الحاضر في العمود على اليسار، على أساس المقارنة في إجراءات الاتحاد الأوروبي في قضايا معروضة في الأعمدة الثانية والثالثة.


عن موقع «Socialeurope.eu» بتصرف