العنجهية الأوروبية والبدائل الروسية
بقلم: فينيان كانينغهام* بقلم: فينيان كانينغهام*

العنجهية الأوروبية والبدائل الروسية

إن التطهير العرقي للمواطنين الأوكرانيين من أصول روسية من قبل نظام كييف الذي تدعمه بروكسل، وأزمة اللاجئين على الحدود الروسية، والعقوبات الاقتصادية المبنية على تهم لا أساس لها، كل ذلك، يضر المجتمع الروسي- والآن ثبت أن عصابة النازيين الجدد، التي استولت على السلطة في كييف بدعم من الاستخبارات المركزية الأمريكية، مذنبة في السرقة المتكررة لصادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى الاتحاد الأوروبي.

نأتي أولاً على مسألة الصادرات الطبيعية. فقد ردت روسيا أخيراً، على أسلوب قطاع الطرق الفاسد الذي يتبعه النظام الأوكراني، وذلك بالإشارة إلى أنها ستقوم بقطع كامل إمدادات الغاز التي تمر عبر أوكرانيا (والتي تشكل نحو 40% إلى 50% من إمدادات الاتحاد الأوروبي). وتأتي هذه الخطوة التي بعثت الذعر لدى مسؤولي بروكسل من قبل شركة «غازبروم» التي تعود ملكيتها للدولة الروسية. في هذا الصدد، لا شك أن وسائل الإعلام الغربية المطيعة ستجمع على أن «بوتين ما هو إلا خبيث ماكر»، وستعزو البرد الذي ستعانيه العائلات عبر أوروبا إلى «عبقرية الشر» في «العقل السوفياتي المدبر».

وضع حد لعمليات السطو

الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم، أليكسي ميلير، ذكّر وسائل الإعلام الدولية، مؤخراً، أن روسيا كانت مورداً موثوقاً للغاز الطبيعي إلى أوروبا على مدى العقود الأربعة الماضية، حتى خلال الحرب الباردة العدوانية التي خاضها الغرب. أضف إلى ذلك، أن هدف روسيا من قطع الغاز ليس إنهاء التجارة مع أوروبا، بل إنها تخطط لتوجيه إمدادات الغاز المستقبلية للاتحاد الأوروبي عبر تركيا. وكما أشار ميلير، يعود الأمر للاتحاد الأوروبي لإنشاء البنية التحتية اللازمة الآن لأخذ إمدادات الغاز من الحدود التركية إلى اليونان وما يليها.

هدف روسيا، ببساطة، هو وضع حد لنظام كييف الذي يقوم بسرقة صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا. كم يجب أن يكون السبب معقولاً أكثر من ذلك؟ يمكننا أن نتصور كيف يمكن أن ترد بريطانيا لو أن اسكوتلندا قررت مثلاً أن تمنع إمدادات نفط بحر الشمال من العبور عبر أراضيها. أو كيف أن فرنسا ستستجيب إذا تمت سرقة صادراتها من النبيذ في الطريق من قبل طرف ثالث. أو إذا تدخلت المكسيك خلسة في صادرات الولايات المتحدة إلى بقية دول أمريكا الجنوبية.

لدى روسيا الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية مصالحها الاقتصادية الحيوية. سيوفر خط أنابيب بديل، عبر تركيا، منحنياً جنوبياً مجانياً لطريق «نورد ستريم الروسي» لإمدادات الغاز عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا. وبالتالي، يعد اتهام روسيا بقطع إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي أمراً مثيراً للسخرية. ما تقوم به روسيا هو مجرد منع التدخل غير الشرعي في صادراتها من قبل طرف ثالث.

باعتراف الجميع، ينطوي ذلك على مشكلة إمدادات حرجة في هذا الشتاء بالنسبة للاتحاد الأوروبي حتى يتم تنفيذ الطريق التركي. ولكن هذه ليست مشكلة روسيا، إنها مشكلة بروكسل، لأنها منعت مشروع المجرى الجنوبي، وبسبب تساهلها مع نظام كييف، رغم كل جرائمه.

النفاق والقرصنة.. والمعايير المزدوجة

إن ادعاءات الاتحاد الأوروبي بأن روسيا تضر بسمعتها كموّرد للطاقة هي ادعاءات جوفاء. حيث أن روسيا قد وجدت سوقاً بديلاً جاهزاً لصادراتها من الغاز مع الصين، عندما وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، اتفاقية مسجلة بقيمة 400 مليار دولار العام الماضي. ومن المتوقع أن تلقي السوق الآسيوية لموارد الطاقة المذهلة الروسية بظلالها على سوق الاتحاد الاوروبي. زد على ذلك أنه سيجري تمويل الشراكة بين موسكو وبكين بالروبل والين، مما سيخفف من اعتماد روسيا والصين على الدولار الأمريكي واليورو.

يبدو أن غرور الأوروبيين ارتفع لدرجة إلقاء محاضرة في أخلاق التجارة على موسكو، بينما فرضوا حظراً غير مبرر عليها بسبب اتهامات لا أساس لها بالتدخل في أوكرانيا. وتتدخل نخبة الأوروبيين وحلفائهم في واشنطن بشكل منهجي في أوكرانيا بهدف إثارة الحرب العدوانية في المناطق الشرقية، حيث قتل ما يقرب 5000 شخص خلال العام الماضي، ووصل عدد اللاجئين إلى حوالي مليون. وهذا ما يؤكد أنه إذا تم الالتزام بالقانون الدولي والأخلاق، فيجب معاقبة كل من بروكسل وواشنطن، إذا لم تلاحَقا قانونياً بسبب الجريمة التي اقترفتاها عندما أطلقتا نظام كييف.

يظهر نفاق أوروبا ونمط التفكير المزدوج من خلال إلغاء فرنسا لاتفاقيتها مع روسيا لتوريد سفينتين حربيتين. حيث دفعت روسيا سلفاً لفرنسا أكثر من مليار دولار لتسليم مركبتي ميسترال، ومع ذلك لم تحترم فرنسا العقد. ولا يمكن وصف سلوك فرنسا بكلمات أكثر تهذيباً، إلا بالقول أنها عملية «قرصنة» ترعاها الدولة الفرنسية. وليس خافياً أن واشنطن كانت وراء دفع الحكومة الفرنسية لإلغاء عقد «ميسترال» الروسي بوقاحة، مما جعل الإضرار بـ«سمعة» فرنسا أشد وقعاً. ليست المسألة، فقط، أن فرنسا لم تعد موثوقة كشريك تجاري دولي، بل كانت سيادتها «المستقلة» عرضة للبلطجة الأمريكية كذلك. فكيف يمكن لأي كان أن يثق باحترام الحكومة الفرنسية للعقود التي تبرمها في ظل هذا الخنوع لواشنطن؟

ومن المثير للدهشة كيف يجري تزوير تاريخ أوروبا بسرعة مضطردة، من قبل بلدان كانت تعاني من فظائع الحرب العالمية الثانية، ولكن، هل يجب أن نتفاجأ لذلك؟ أنقذت روسيا أوروبا من الفاشية وتستمر بإنقاذ أوروبا من البرد والتجمد كل شتاء، باستخدام إمداداتها للغاز الطبيعي. ومع ذلك، هل عليها أن تتحمل محاولات الاستفزاز من قبل «النخبة الأوروبية» الجاحدة؟ في الواقع، تستطيع روسيا أن تأخذ خيراتها إلى أي مكان آخر في العالم.

*خبير ايرلندي في الشؤون الدولية

المصدر Strategic Culture

آخر تعديل على السبت, 07 شباط/فبراير 2015 18:00