قمة الناتو في ويلز: لماذا أندرس فوغ راسموسين؟
كريستوف ليمان كريستوف ليمان

قمة الناتو في ويلز: لماذا أندرس فوغ راسموسين؟

 يعقد حلف الناتو قمته لعام 2014 في ويلز بقيادة الأمين العام أندرس فوغ راسموسين في شهر سبتمبر (أيلول). القمة ستعقد على خلفية اتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا. 

بقلم: كريستوف ليمان* 

ترجمة: هزار محمود

وبلمحة موجزة عن أندرس فوغ راسموسين يتضح بأنه قد تم اختياره مع اتجاه الحلف نحو التوسع شرقاً والإبقاء على فكرة احتواء روسيا حتى مع خطورة قيام حرب أوروبية أو كونية.

ليبيا نموذجاً ودرساً!

أكد راسموسين في حديث أجراه مع الصحفيين في الـ15 من شهر آب في الدانمارك بأن الحلف سيركز تأهبه للتعامل مع كامل التهديدات، حيث قال: «سوف نتبنى خطة عمل استعدادية لنكون أسرع وأكثر تأهباً»، وأضاف بأن قادة الناتو خططوا لتقوية شركاء الحلف ومؤسساتهم. كما نوه راسموسين أن نجاح الناتو سيعتمد على استثمار كل الحلفاء بشكل كاف في مجالات الأمن والدفاع، وخاصة فيما يتوافر من خلال المناخ الأمني الجديد المتشكل من جراء الممارسات «غير الشرعية» التي تقوم بها روسيا في أوكرانيا.

«إن الأمن مثله مثل الضمان المالي: لكي تحصل على أفضل ضمان عليك أن تدفع أقساطاً. إننا نواجه اليوم وضعا أمنياً جديداً، وقد ارتفعت التكلفة». هذا ما قاله  فوغ راسموسين، الدانماركي الأصل ممتدحاً الدانمارك لاستعدادها المتوافر دائماً للمشاركة مضيفاً أن «العمليات في أفغانستان، وكوسوفو وليبيا هي أمثلة للدفاع المشترك  لحلف شمال الأطلسي». وهو تصريح  يحبس الأنفاس،  نظراً لأن قمة الناتو الـ 25 في شيكاغو عام 2012  توصلت إلى نتيجة مفادها أن عمليات الناتو في ليبيا في 2011 كانت «درساً وأنموذجاً لأشكال التدخل في المستقبل»!. 

بوتين له رأي آخر

هذا التحليل لدور الناتو في ليبيا، يقف على نقيض حاد مع كيفية تدارك الأمر من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وآخرين كثر من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث أكد بوتين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الدانماركي «لارس لوكي راسموسين» في كوبناهاغن  بأن الناتو قد تجاوز صلاحياته من خلال قرار مجلس الأمن (1973) عام 2011  في ليبيا.. كان الجو المهيمن ما بين بوتين ولارس لوكي راسموسين متوتراً بشكل واضح. إضافة  إلى ذلك التوتر كان هناك احتمالية توفر معلومات لدى بوتين الذي يملك ماضياً في المخابرات السوفييتية حول تورط لارس لوكا راسموسين بتهيئة الملايين من أجل «المجاهدين» وغيرها من إبداعات الولايات المتحدة وحلف الناتو في أفغانستان خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.

شخص آخر من المحتمل أن يعلن قائلاً: «لا للسرعة» لتصريح الأمين العام للناتو راسموسين   بخصوص سياسة الحلف حول تكاليف الضمان، وهو السفير الروسي لدى الحلف الناتو، «فيتالي غروتشكو». وذلك بعد فشل مفاوضات الاتحاد الأوروبي وروسيا بخصوص حزمة الطاقة الثالثة في الاتحاد الأوروبي في اجتماع في بروكسيل في 2013 على حد قول غروتشكو: «أحدهم هنا في بروكسيل قال الكلمة الفصل، حيث أن امتلاكك للمطرقة لا يعني أن تعتقد بأن كل مشكلة طارئة هي مجرد مسمار. نحن نرى بأن العالم لديه فرصة كبيرة للترابط في تعاون ضمن مجال الطاقة ولضمان أمن الطاقة من دون الاستعانة بالمنظمات السياسية العسكرية كوسائل لتحقيق ذلك».

من فورنر إلى راسموسين

إنّ تعيين راسموسين أميناً عاماً لحلف شمال الأطلسي يساعد على التنبؤ بمخططات الحلف الطويلة الأمد، وأبرز مثال على ذلك: في العام 1987 عين الناتو وزير الدفاع الألماني السابق مانفريد فورنر، الأمر الذي تبعه توحيد الألمانيتين في العام 1990. كما تم تفكيك الاتحاد السوفيتي في26 من شهر كانون الأول من العام 1991. لقد كان تعيين  فورنر، والعلاقة بين الألمانيتين، والعلاقات  الألمانية– التشيكوسلوفاكية، وخاصة الروسية الألمانية عوامل أساسية لهذه التطورات. توفي فورنر جراء إصابته بسرطان الأمعاء في سن التاسعة والخمسين عام 1994. وقد عرف عنه تكتمه بما يتعلق بالنوايا التوسعية لحلف الناتو نحو الشرق.

ينبغي للدانمارك ولفوغ راسموسين أن يلعبوا أدواراً محورية بربط جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في منطقة البلطيق، لاتيفيا واستونيا وليتوانيا بالاتحاد الأوروبي وبالناتو. لقد شغل أندرس فوغ راسموسين منصب رئيس وزراء دانماركي ما بين الـ 27 من شهر تشرين الثاني عام 2001 و الخامس من نيسان 2009. وكانت الروابط القوية على مدى قرون بين دول البلطيق والدانمارك محور تركيزه خلال توليه لمنصبه. ضمن مناخ أحداث 11/ 9 السابقة، والحرب الكونية على الإرهاب، جاء فوغ راسموسين ليبرهن بأنه كان راغباً بربط القوات الدانماركية بحرب غير شرعية في العراق. وعلاوة على ذلك رفضت المحاكم الدانماركية مطالب المدعين الذين أرادوا مقاضاة فوغ راسموسين على هذه الأسس، زاعمة بأنها حجج لا تصمد أمام المحكمة.

أمر عظيم أن تكون إلى جانب الرابح!

لقد كان من اليسير التنبؤ بالولاء الدانماركي تجاه الناتو نسبياً، وأيضا لأسباب تاريخية. إن الدانماركيين جميعاً مدركون تماماً لحقيقة أن الدانمارك حصلت على «جولة بالمجان» عندما هزمت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. الأرشيفات التاريخية تظهر بأن وزير الخارجية الدانماركي بيتر مونش عقد لقاء سرياً في ذلك الحين مع قائد القوات الخاصة الألمانية النازية هاينريش هيلمر في روستوك. اللقاء جرى في الأسابيع السابقة لـ«الاجتياح الألماني». كان لمونش ابن معروف بكونه شاذاً جنسياً، وكان من الممكن للشاب أن يتعرض لخطر السجن أو أسوأ من ذلك إذا ما وقع بين يدي المدعي العام الألماني. بعض التسجيلات التي كان من الممكن أن تثبت أن مونش قد تعرض للابتزاز قد تم حرقها جزئياً، والباقي بقي مخزناً بسرية إلى اليوم. خاضت القوات الدانماركية مقاومة رمزية فقط عندما باشرت الفرق الألمانية عملية  «فيزروبونغ» واحتلت الدانمارك والنروج لـ«تأمين حيادهما» وفقاً للدعاية النازية.

تم إطلاق العلم الدانماركي خلال احتفالية يوم النصر للعام 2014، ليس من أجل الدولة وإنما بسبب الجهود التي بذلها البحارة الدانماركيون خلال الحرب. ذكر المؤرخ الدانماركي نيلز أولسن أن أولئك الدانماركيين الذين يعرفون حقيقة الأمر ينظرون إليها كـ«سوء فهم ممتع»، على الأرجح لأنه من العظيم أن تكون إلى جانب الفريق الرابح.

إن تعيين فوغ راسموسين كان إشارة واضحة لتوسعات الناتو نحو الشرق في خرق للمعايير التي تم الاتفاق عليها قبل توحيد الألمانيتين، والذي ينص على عدم وجود قوات لحلف الناتو في أي جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق أو أي من الدول الأعضاء في معاهدة وارسو.

أموال روكفلر مقابل إجماع أوروبي

ستعقد قمة ويلز 2014 على خلفية الخطر غير المسبوق لحرب مفتوحة بين الناتو وروسيا أو منظمة معاهدة الأمن الجماعي. شدد فوغ راسموسين على أن تكاليف الضمان قد ارتفعت. لقد تجاهل كون أعضاء الناتو الأساسيين وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة إضافة  إلى الولاء المطلق تقريباً من قبل الدانمارك، هو ما صنع الحروب في ليبيا وسورية منذ 2007، والحرب في العراق منذ 2000 أو ما قبل، والحرب في أوكرانيا منذ 2012. لقد كان فوغ راسموسين و الدانمارك الخيار المثالي «لأنه من العظيم أن تكون  إلى جانب الفريق الرابح».

إن منصب فوغ راسموسين كأمين عام للناتو والصراع الحالي في أوكرانيا كلها أمور قد أثارت تساؤلات جوهرية:

من المستفيد من سياسة الاستحواذ المرضية المدعومة بمال روكفلر وصناعها من أمثال زيبغنيو بريجنسكي؟ يناقش مستشار إدارة أوباما في كتابه الأخير «رؤية استراتيجية» ضرورة احتواء روسيا بوتين وعزلها، وكيفية لعب تركيا لدور بارز لمصلحة الناتو في الشرق الأوسط. ويؤكد المراقبون بأن بريجنسكي مهووس بتقسيم روسيا إلى جمهوريات مستقلة ومن ثم ربط موسكو بالقارة الأوروبية تحت هيمنة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

من المستفيد من وضع العصي في الدواليب فيما يخص العلاقات الروسية مع القارة الأوروبية، والحرب الاستفزازية العظيمة الثالثة الأوروبية من خلال عدم خلق تقارب وبشكل تخريبي في متطلبات أمن الطاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي ؟

هل ستصل هذه السياسة المولعة بالقتال القائمة ضد أي إجماع أوروبي، والمنقادة من قبل واشنطن ولندن إلى لحظة اكتفاء لمنع أسوأ حالة سيناريو؟ إن مقدمة فوغ راسموسين في قمة الناتو في ويلز تطلب الحرب بدلا عن السلام . ستكون هذه القمة واحدة من أكثر القمم التي عقدها الحلف محورية منذ تأسيسه في 1949.

*د.كريستوف ليمان مستشار وسياسي مستقل في الصراع وحل الصراع ومؤسس ورئيس تحرير للمجلة الكترونية «نظرة شرقية جديد»

عن موقع: nsnbc.me