العقوبات ضد روسيا وعزلة الغرب
توني كارتالوتشي توني كارتالوتشي

العقوبات ضد روسيا وعزلة الغرب

أعلن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، فرض عقوبات أكثر تشدداً ضد روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، متذرعاً بإسقاط الطائرة الماليزية م هـ 17.

ترجمة وإعداد : جيهان الذياب

يأتي ذلك بعد العقوبات السابقة التي فرضت قبل إسقاط الطائرة، والتي فشلت في حشد الدعم عبر أوروبا، تاركة التدابير السياسية والاقتصادية الأمريكية عاجزة. وفي أعقاب العقوبات الأمريكية، قلل النقاد والسياسيون واللوبيات في الشركات من رغبة أوروبا في استمرار الأعمال مع  روسيا. مدعين أن العقوبات الاقتصادية من جهة أمريكا، وحدها، ستضر فقط الشركات الأمريكية، وتترك فراغاً يمكن أن تملأه الشركات الأوروبية بكل سرور.

«م هـ17» الدافع الملائم

غيرت «مصادفة» سقوط الطائرة الحسابات الجيوسياسية بشكل مفاجئ. واستخدم الرئيس باراك أوباما هذه المأساة، رغم اعترافه بأن التحقيقات ما تزال جارية، ليسوغ، ليس فقط، الضغط الذي مارسه على أوروبا ليفرض في النهاية عقوبات أشد ضد روسيا، بل يستخدمها كوسيلة أيضاً ليسوق القرار للعامة المستهدفين بالدعاية الإعلامية المضادة لروسيا، والتي لا أساس لها.
من الواضح أن حادثة الطائرة تم استغلالها، وخصوصاً أن التحقيقات مازالت قائمة ولم تعلن أي نتيجة أو حتى نتائج أولية للتحقيقات. والحقيقة الظاهرة، أن الغرب يفضح نفسه كانتهازي وقح يستغل مصائب البشر ليغذي طموحاته الجيوسياسية. ولكن أعمال واشنطن ولندن وبروكسل تثير أيضا شكوكاً جديةً حول دورها المحتمل في إسقاط الطائرة. وريثما تتوارد الأدلة فإن حافز الغرب لإسقاط الطائرة وإلقاء اللوم على روسيا ظهر جلياً.
ورغم ملاءمة مأساة الطائرة واستغلال الغرب لها كذريعة فإن هذه المحاولة الأخيرة لإطلاق العقوبات غير المجدية تشير إلى يأس متزايد لدى كل من واشنطن ولندن وبروكسل، وليس فقط في المبادرة المتجددة في أوكرانيا أو ضد روسيا ككل.

عقوبات غير نافعة

لم تنفع العقوبات مرات عديدة ضد أمم أصغر وأضعف اقتصادياً من روسيا، ولن تنفع ضد روسيا أيضاً. في الحقيقة، ستدفع هذه العقوبات موسكو، بدلاً عن ذلك، لتبني روابط أقوى في أماكن أخرى، بالإضافة إلى أنها ستصبح أقوى داخلياً. ولن تأتي هذه العقوبات بنتيجة لسنوات قادمة، حتى لو كان لها نتائج في الماضي. ففي البداية كانت أوروبا مترددة في اتخاذ عقوبات ضد موسكو، وذلك ليس بسبب أي تقارب لها مع موسكو، بل لأنها كانت ستعاني اقتصادياً من نتائج تنفيذها. وقد طمأن المفكرون الحاذقون الغربيون أن ألم العقوبات سيكون مشتركاً، هذا الألم الذي تسببه العقوبات على من وافق على تنفيذها.
استخدمت هذه المأساة سياسياً، بدون خجل، للي ذراع أوروبا ككل للموافقة على التدابير التي اتخذت، والتي من شأنها أن تبدأ على الفور بالتأثير على الأمم الأوروبية المعتمدة على العلاقات الاقتصادية طويلة الأمد مع روسيا والعلاقات التي لا يمكن استبدالها بسهولة.
وبالمثل، لم تذكر اليابان سوى رغبة لـ«التعاون مع «الشركاء السبعة» (G7) فأصدرت عقوبات جديدة ضد روسيا. وكون اليابان أيضاً دولة لا تستطيع أن تقدم توقعات محددة عن اقتصادها المتداعي.
صرحت وكالة «إيتار تاس» للأنباء في مقالة عنوانها: «اليابان تستعد  لتنفيذ عقوبات جديدة ضد روسيا»: تستعد الحكومة اليابانية لتنفيذ عقوبات جديدة ضد روسيا، حيث قال سكرتير الخزانة العامة الياباني يوشيهايدي سوغا في مؤتمر صحفي: «نحن نحضر للقيام بإجراءات إضافية، تتضمن تجميد حسابات مصرفية. وننوي القيام بإجراءات مناسبة مع التأكيد على التعاون مع شركائنا في قمة السبعة (G7)».
وردت روسيا بالإشارة إلى عدم قدرة اليابان على وضع سياسة خارجية مستقلة من تلقاء نفسها، وبدلاً من متابعة مراسيم التدمير الذاتي التي تمليها عليها واشنطن. في الواقع، مايقوم به الغرب هو عزل نفسه عن العالم المتنامي ذي الأقطاب المتعددة ،الذي يرفض البقاء محايداً، لمصلحة نظام عالمي متراجع ذي قطب واحد يتمحور حول وولستريت ولندن.
وفي حين أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان تشكل اقتصادات هائلة، فإن التكنولوجيا والتطور في الأماكن الأخرى أدى لقيام اقتصادات ناشئة متنامية لديها القدرة على طمسها كلها. ففي الصين وحدها، كانت روسيا تتطلع للقيام بمخاطرة اقتصادية بتطوير علاقاتها مع الدولة المتنامية اقتصاديا.
ورغم محاولات عرقلة العلاقات الروسية الصينية المتنامية من خلال الإرهاب والعبث السياسي المدمر، فإن العقوبات ضد روسيا واستمرار عداء الغرب لـ«محور آسيا» سيؤديان فقط إلى دفع هاتين القوتين الناشئتين لتتقربا من بعضهما.

أسطورة التدمير الذاتي لأوكرانيا

إضافة إلى استخدام حادثة الطائرة الماليزية كذريعة لفرض عقوبات جديدة، ادعى أوباما أن من حق أوكرانيا تقرير مصيرها وبالتالي لا يمكن السكوت عن التدخل الروسي  في أوكرانيا. وهذا يخالف حقيقة وواقع الصراع الحالي في أوكرانيا.
تم تثبيت النظام الحالي الذي يحتل كييف من قبل حلف شمال الأطلسي لخدمة مصالح الاتحاد الأوروبي، مع السناتور الأمريكي جون ماكين صاحب «المنح الوطنية لدعم الديمقراطية» التابع للمعهد الجمهوري الدولي (IRI)، اللذين مولا الجبهات المتعددة التي قادت ودعمت غوغاء «اليورومايديين»  2013-2014، والقيام حرفياً بتقديمهم خلال الاحتجاجات لدعم حزب «سفوبودا» النازي الجديد في كييف.
ما تعنيه الولايات المتحدة هنا: أنها لن تسمح بتدخل روسيا في خطط الناتو، وذلك بتخريب وإسقاط واستبدال الأنظمة السياسية على طول الحدود الروسية مع وكلاء الناتو العدوانيين .وهذا مشابه للسيناريو الذي حدث على طول الحدود الروسية، عندما قام نازيو أدولف هتلر بالمثل عندما شنوا حملة إقليمية لعدوان عسكري سري شامل مستهدفا موسكو بذاتها.

التسرع في الحرب؟؟!

تزداد الاستفزازات ضد روسيا كما يتوجه الخطاب لمحاولة تسويق نوع من مواجهة أكبر بين الناتو وروسيا . ولسوء حظ الغرب، العقوبات «بالصدفة» هي مصائب هائلة ومروعة، وقد وضعت ليتم الاستفادة منها.ولكن الغرب لا يستطيع حتى أن يحاول توجيه مواطنيه المحترمين لدعم مواجهة عسكرية مع روسيا المسلحة نووياً، فقط، تبدو العقوبات سيئة أو أسوأ أو الأكثر سوءاً بين الخيارات المتاحة.
يخشى المحللون أن تنامي اليأس من قبل الغرب، الذي لا يستطيع أن يتقدم للأمام ولا أن يتراجع، سيجعله يلجأ إلى استخدام تكتيكات يائسة ومدمرة باضطراد (على نحو متزايد) لكي يغير المد الأوكراني وضد روسيا والنظام المتنامي متعدد الأقطاب الذي تقدمه. ولكن، بعد فشل العقوبات وما يبدو أنه هجوم مزيف تماماً، ما الذي بقي غير الحرب؟
على كل حال، تعتبر الحرب  احتمالاً غير مقبول بالنسبة للغرب، ذلك أن المتوقع  بشكل أكبر هو أن هذا الرأي ليس مرجحاً أن يكون مطروحاً على الطاولة، وهو احتمال يمكن أن ينجح في البداية، ولكنه سيأتي بنتائج عكسية في النهاية، تماماً كما حدث في غزو هتلر للاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية.
ولكن لولا المال والدماء التي أريقت لتنفيذ المصالح الخاصة في هذه المواجهة مع روسيا، فما الذي يخسره الغرب بالمحاولة؟ ستكمل روسيا التصرف بذكاء وصبر وفطنة لتدع الغرب ذا النوايا المريضة يدمر نفسه بنفسه. ولا يهم كم سيبدو الغرب ضعيفاً أو يائساً في كليته خلال ما يبدو أنه تدهور لا رجعة فيه، والخطأ الوحيد الذي يمكن حدوثه هو الاستخفاف بما يمكن أن تقوم به كل من واشنطن ولندن وبروكسل في خضم موتهم (نهايتهم). من مسارح الحدود الخارجية المتاخمة لروسيا إلى المصالح عبر الشرق الأوسط وشمال افريقية، ومن ضمنها سورية، يتطلب ذلك اليقظة التامة للحماية من الحقد الانتقامي لنظام عالمي بالٍ وبائد ومتهالك.

*توني كارتالوتشي: باحث وكاتب جيوسياسي في مجلة «نيو استرن اوتلوك».