الشكوك حول مقتنيات الذهب الرسمية الأمريكية
فالنتاين كاتسنوف فالنتاين كاتسنوف

الشكوك حول مقتنيات الذهب الرسمية الأمريكية

يتكلم الجميع عن تدقيق للحسابات في احتياطي الذهب في الولايات المتحدة الأمريكية. ويشكل وجود أو إمكانية غياب المعدن الأصفر في أقبية المستودعات الأمريكية مصدر قلق ما بالنسبة للولايات المتحدة ومن وراءها. فعلى سبيل المثال،  يطالب عضو الكونغرس الأمريكي، رون باول، ومنذ سنوات عدة بتدقيق كامل لاحتياطي الذهب الرسمي، الذي يشكل الميزانية لوزارة الخزينة منذ عام 1934 ولكن الأمر معقد للغاية...

  1-التحفظات المتعلقة باحتياطي الذهب الرسمي للولايات المتحدة

إن معظم احتياطي الذهب الرسمي يتم تخزينه في قبو (فروت كونكس) والذي تم بناؤه بطريقة خاصة قبل الحرب العالمية الثانية.  وقد تم تجميع الذهب بمقدار 2000  دولار للأونصة بشرائه من الأفراد والشركات عبر الولايات المتحدة وفقاً لمرسوم صدر من الرئيس فرانكلين روزفلت. ويأتي معظم الذهب من البنوك المنضوية تحت نظام الاحتياطي الفيدرالي، وقد تلقوا ما يسمى «شهادات الذهب» التي أعلن عنها في بيان الميزانية. البعض يسمي ذلك استحواذاً قسرياً للمعدن، إلا أنه كان في الحقيقة مصادرة للذهب، ومع اكتمال العملية فإن سعر الذهب كان قد عُدل إلى 3500 دولار. لم يكن هناك من ضوابط منتظمة على الذهب الأمريكي منذ بدايات الخمسينات، بل كان هناك فقط بعض التدقيقات العشوائية.

بعد إغلاق (نافذة الذهب) في بدايات فترة السبعينيات (عبرتعطيل قابلية تحويل الذهب إلى الدولار) تم اتخاذ القرار بتدقيق الاحتياطي. جرت بعض المراجعات العشوائية ما بين عامي 1974 و1986 وتم تعطيلها بعد الضغط الذي مارسه المفتش العام لوزارة المالية.

وقد تزايدت الشكوك حول توافر احتياط الذهب الأمريكي في الولايات المتحدة ودول أخرى خلال السنوات الـ10–15 الماضية:

أ- ذهب الخزينة الأمريكية يبقى ثابتاً مكانه، لكن وبما أنه خاضع لتحولات متنوعة (بمعنى أنه أساسي كوسيلة ملازمة) فإنه حالياً لا ينتمي إلى الخزينة.

ب- إن الذهب في سندات الخزينة الرسمية لم يعد في المستودعات (ليس بشكل كامل كما تم إدراجه في مساءلات وزارة المالية) لقد تم تحريكه بعد عمليات البيع والتأجير والإقراض.

ج- يوجد هناك بالفعل ألواح من الذهب في الاحتياطات والتي تساهم بالكميات التي يتم إحصاؤها من وزارة المالية إلا أنها جميعاً أو جزء منها عبارة عن ألواح ذهب مشوبة وقد تم استبدال الألواح الأصلية بأخرى مصنوعة من «التنغستن» في محاولة لإخفاء عملية النقل غير الشرعية للذهب.

د- لم يعد الذهب في الاحتياطي الرسمي يعتبر جزءاً من الخزينة، لقد تم إعادته إلى البنوك (والتي أخذ منها في ثلاثينيات القرن الماضي)

ولقد استعادت الحكومة الأمريكية مثل هذه الكميات الضخمة من البنوك الأعضاء في البنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث أن الخزينة أرغمت على إعادة الدفع بالذهب.

إن العديد من منتقدي نظام الاحتياطي الفيدرالي يلحظون أن الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزينة الأمريكية هما وسائل للتواصل، وأن احتياطي الذهب الرسمي تعود ملكيته رسمياً إلى الحكومة، وهما في الواقع تحت سيطرة أصحاب البنوك.

2- مطالبات مجلس الكونغرس ببيانات في حسابات الذهب

إن الذين باشروا بإجراءات بيانات التدقيق لاحتياطي الذهب الأمريكي، يقومون بالعمل على جبهتين: فهم يطالبون بتدقيق في الاحتياط الفيدرالي وفي الخزينة الأمريكية. ولقد كان هناك هجمات عدة على البنك الاحتياطي الفيدرالي في أعقاب الموجة الأولى من الأزمة المالية. حيث دعم مجلس النواب الأمريكي في منتصف 2012 مسودة مشروع قانون بتدقيق شامل للاحتياطي الفيدرالي، إلا أن القرار لم يتم تمريره حيث أن المجمع المصرفي اعترض بشدة على التدقيق الذي كان له الكثير من المؤيدين في مجلس الشيوخ. وثمة احتمال لتسرب معلومات سرية تتعلق بتنسيقهم مع الخزينة بخصوص استخدام غير شرعي لاحتياط الذهب، بما فيها حصة سرية من الاحتياطي الفيدرالي بمقدار 16 مليار دولار للمصارف الرئيسية الأمريكية والأجنبية خلال الأزمة المالية الأخيرة.

ووفقا لبعض منتقدي الاحتياط الفيدرالي فإن حكام المال في الولايات المتحدة ساندوا أية إمكانية للتصرف، متجاهلين أي تكتم في ممارساتهم غير المشروعة. وهنا نورد مثالاً جيداً: في عامي 2004 و2005 حددت مساءلات الخزينة احتياطي الذهب بما قيمته 10.924 مليار دولار. إلا أن بيان الميزانية المدمجة للاحتياطي الفيدرالي تسجل شهادات الذهب خاصتها بما تعادل قيمته 11.036 مليار دولار. وإن تناقض كهذا غير مقبول، إذ إن القيمة الصافية المستحقة لاحتياطي الذهب يجب أن تتطابق مع حجم شهادات الذهب، هذه المفارقة المتزايدة بـ112 مليون دولار هي انتهاك لميثاق احتياط الذهب. وعلى الرغم من أن حكام المال قد قاموا بتخزين ميزانية 2006 (وقد أدركوا خسارتهم) يبقى هناك شعور بأن المصرفيين منشغلون بملاحقة صفقات الذهب غير الشرعية.

حاول رون باول أن يستكشف الغموض الذي يحيط بالاحتياطي الفيدرالي من خلال مساءلة المنظمة واستجواب ممثلي نظام الاحتياطي الفيدرالي، وبدقة أكثر فقد تم استدعاء المستشار العام للنظام (سكوت ألفاريز) من الكونغرس، ووجهت إليه أسئلة عديدة بما يتعلق بالذهب، وقد أقسم ألفاريز بأنه في عام 1933 لم تكن بنوك نظام الاحتياطي الفيدرالي تملك أونصة واحدة من الذهب. وطرح رون باول تساؤلاً يخص (شهادات الذهب): هل القسائم التي صورت في البنوك تعطي السلطة بطلب وتلقي الذهب من الخزينة؟ لم يتمكن ألفاريز من الإجابة بطريقة جلية قائلاً ببساطة «شهادات الذهب» هي وثائق محاسبة وجزء من بيان ميزانية المصرف.

مثل هذه المساءلات والاستجوابات لم تودِ إلى أية معلومات لتبديد الشكوك حول وضع الذهب، حاول رون باول تزويد بعض مدققي الحسابات بمنافذ للوصول إلى احتياطي الذهب في الخزينة- فروت كونكس وغيرها من المخازن- جزء من ذهب الخزينة قد تم تخزينه في مرافق أخرى، ويست بوينت، دنفر (مركز صك العملات الأمريكي) وفي أقبية بنوك نظام الاحتياطي الفيدرالي المتنوعة. ويشار إلى هذا الذهب بوصفه «ذهب الخزينة الآخر». ففي قضية أخرى مثيرة للاهتمام هو الذهب المخزن في بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك. ووفقاً لبعض المصادر، هذا هو المكان حيث يوجد معظم «ذهب الخزينة الآخر» وبينما تم تدقيق الذهب في فروت كونكس بشكل جزئي في الماضي فإن الذهب في بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك لم ينظر إليه أبداً. إحدى الاضطرابات التي حدثت في العام الماضي كانت قرار المسؤولين الأمريكيين إجراء تدقيق في سراديب الذهب تلك.

أحجية مانهاتن الذهبية

إن حجم أقبية بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك هي بحجم تلك في فروت كونكس وهي تتركز في مانهاتن على عمق طوابق عدة. وفيما يتعلق بكشف المعلومات والعلنية فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك مليء بمعادن من اثني عشرة دولة تزن حوالي 216 مليون أونصة، وهذا يمثل 22% من احتياطي الذهب الرسمي في العالم، وكذلك يتكدس الذهب في الخزينة والذي تم تدقيقه. الجميع كان متلهفاً لرؤية نتائج الحسابات وقامت وسائل الإعلام بتسريب المعلومات التي أنجزتها هذه التدقيقات في أيلول 2012. مضى الشهر كاملاً وحافظت الخزينة على صمتها ولم ينشر أي تصريح ليصبح الصمت نذير شؤم..! وصب الألمان الزيت على النار بمطالبتهم باستعادة ذهبهم الذي كان قد خزن في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، فيما نشرت وزارة المالية بياناً في شهر كانون الثاني 2013 بما يتعلق بالتدقيق الحسابي عنونته على الشكل التالي:

تقرير البيانات: تم إنجاز برنامج وزارة الخزينة لاحتياط الذهب الأمريكي من البنك الاحتياطي الفيدرالي في 30 أيلول 2012، ومكتب المفتش العام، وزارة الخزينة، واشنطن دي سي. 4 كانون الثاني 2013

وبدأ المختصون على الفور بالتدقيق في الوثيقة، وأهم النقاط التي وجدوها

1- التقرير بأكمله يتألف من 14 صفحة

2- من ضمن هذه الصفحات هناك 13 صفحة تقدم معلومات ليس لها أي ارتباط على الإطلاق بالحسابات الفعلية: صفحة الغلاف وعليها صورة  قائمة المحتويات، صفحات تعدد التشريعات الناظمة لإجراءات التدقيق وتقدم شرحاً خاصاً عن وزارة المالية الأمريكية.

3- تم تقديم النتائج الفعلية لتدقيق الحسابات في صفحة واحدة.

أولاً: يبدو أن التدقيق الفعلي قد استغرق يوماً واحداً فقط  في  13أيلول 2012

ثانياً: لقد تم إعلامنا بأن 99.98 % من (ذهب الخزينة الآخر) قد تم تخزينه في أقبية البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.

ثالثاً: حجم الذهب المخزن في المرفق المذكور يقدر بالأونصة (بوزن يعادل 466.57 طن) القيمة الصافية لعام 1973 (568 مليار دولار) وتقدم القيمة المؤقتة23.892  مليار دولار تصنيف 30 أيلول 2012  باعتباره تدقيقاً لبيانات احتياط الذهب الرسمي للولايات المتحدة). وهو أمر صعب نوعاً ما في أفضل التقديرات، وهناك ما يكفي من الأدلة التي تدعم هذا البيان منها ما يلي:

لم يكن هناك مدققو حسابات مستقلون، بل كانت وزارة المالية هي التي تقوم بالتدقيق بنفسها.

لم يكن هناك تدقيق بأي توثيق مدعوم. فالذهب الذي تم تدقيق بياناته كان بالإمكان رهنه أو حتى إعادة رهنه كذلك.

ضمن السعي للتأكيد ينبغي إجراء تدقيق شامل بأن أقبية البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تحتوي على99.98% من (ذهب الخزينة الآخر)

إن ما يطلق عليه تدقيقاً للحسابات كان من الممكن تقييده ببعض الشهادات من البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وغيرها من الأقبية، بما فيها احتياطي الذهب المخزن.

حتى لو أن الموظفين الحكوميين من وزارة المالية الأمريكية لم يكتفوا في تدقيقهم الحسابي يوم 30 أيلول 2012 بالشهادات، وقاموا فعلاً بالنزول إلى أقبية مانهاتن وتأملوا بريق ما يسمى ألواح الذهب، فلم يكن باستطاعتهم إلا القيام بتزوير الذهب المطلي بالتنغستن، وبقيامهم بذلك   فقد حددوا قيمة الذهب على آلاتهم الحاسبة اعتماداً على الأسعار الحالية. وحالياً يقوم المجتمع المالي بإلصاق تلك الانحرافات الغريبة بكلمة (تدقيق الحسابات).

قامت وكالات الأنباء الأمريكية بتصوير التنقيب عن ألواح الذهب في سراديب البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لزيادة ثقة العامة. وتم الإشارة إلى عدد الألواح المستخرجة والتأكيد على أن نوعية بعض تلك الألواح قد بدت متفوقة على المعايير المطلوبة. وكنتيجة لذلك فإن (عملية التدقيق) جعلت بالإمكان تأكيد العدد وتوضيح أن احتياطي الذهب الأمريكي كان يفوق المتوقع بالعديد من الأونصات. شخصياً أعتقد أن مثل هذه المعلومات من الممكن أن يتم اعتبارها مجرد تلفيقات صحفية، حيث أن التقرير الرسمي من وزارة المالية الأمريكية لم يقدم حتى مجرد تلميح بأنه كان هناك شيء من التحقق المادي من الذهب.

لقد قيم  مختصون بسوق الذهب التقرير بمصطلحات مشابهة. قال جيمس تورك أخصائي الذهب الشهير مايلي: «لا أريد استخدام مصطلح تدقيق الحسابات لأنه يبتعد عن معنى التدقيق فعلياً... لم يقوموا بتدقيق بيانات الذهب.. كل ما تفحصوه كان (جدول الخزينة). بذلك ومرة أخرى فإن الأمر بشكل أساسي هو مجرد اطلاع على أوراق أو سجلات مخزنة والقول: «نعم، هذه السجلات المخزنة تؤكد أن كل ذلك الذهب موجود هناك». جاء في ما أوجزه جيمس تورك: «يؤسفني حقاً القول وعلى الرغم من قناعتي بأنها كانت أنباءً مثيرة للاهتمام، إلا أنها في الواقع مجرد ترهات بالكامل. أعتقد أنه تم نشرها من وسائل الإعلام الرئيسية فقط لخداع الناس (والدول) للاعتقاد بأن ذلك الذهب هو حقاً موجود هناك».

أفضل أن أشير إلى ملاحظة، بأنه ومنذ ما يسمى التدقيق، إلى نشر التقرير، مرت ثلاثة أشهر تقريباً، ومثل تلك الاستراحة الطويلة كانت على الأرجح بسبب حقيقة أن خزينة الولايات المتحدة ومسؤولي نظام الاحتياطي الفيدرالي كان عليهم أن يتوصلوا إلى إجماع، وكذلك إلى تنسيق في كيفية تقديم هذا البيان إلى العامة ظاهرياً. وبعد جدالات مطولة توافقوا على الصيغة التالية: «من الأفضل الالتزام بالصمت بدلاً من الإدلاء بما هو زائد» إن وصف (تدقيق بيانات الذهب) هو مثال آخر على ما يقوم به المصرفيون من استخفاف بالعامة. وإن استهزاءهم هو مفارقة فاقعة بمستوى عال من الغطرسة.

• نقلاً عن موقع   globalresearch.ca