الذهب : العودة إلى عالم المال
يشهد النظام الاقتصادي العالمي اليوم تغيّراتٍ خطيرة، بالتزامن مع تحول مجموعة كبيرة من الأحداث المتعلقة بالذهب لتصبح جزءاً طبيعياً من الحياة المعاصرة
الذهب باعتباره مالاً خاصاً
إن عملية انتقال الذهب من لائحة «السلع»، إلى لائحة «عالم الأموال» قد بدأت للتو. وفي هذا السياق، فقد قرر الملياردير الشهير دونالد ترامب أن يعتمد الذهب عوضاً عن الدولار في سداد حصته من الدفعات المالية المترتبة على أصحاب ومالكي الأسهم.
وتعدّ المدفوعات التي تتم بالذهب بمثابة الجزء المظلم من علاقات السوق، لا سيما في تلك الدول التي ما تزال ترفض فرض ضرائب على ذهبها، ولهذا السبب فقد قامت تلك الحملات الداعية لإلغاء هذا النوع من الضرائب. ففي أوروبا مثلاً: فقد بدأت ضريبة (القيمة المُضافة) تصبح شيئاً من الماضي، وخصوصاً عندما يتعلق الموضوع بما يُعرف بـ«مستوطنات الذهب» !!
هذا وقد دفعت هذه العوامل شركة «فالكامبي» السويسرية إلى إصدار بطاقة ذهبية مصنوعة من 50 غراماً من الذهب وسمّتها (بطاقة كومبيبار الذهبية). وتتمتع هذه البطاقة بخاصية مميزة بحيث أنها قابلة للكسر لقطع عديدة يبلغ وزن الواحدة منها غراماً واحداً، لكي يُصار إلى استخدامها في شراء الحاجيات اليومية البسيطة والصغيرة.
ومن الجدير بالذكر أن قيمة غرام واحد من الذهب تعادل تقريباً قيمة أونصةٍ من الفضة (31 غراماً تقريباً)، أو ما يعادل 34 دولاراً. لذا، فإن هذه القطعة التي تزن غراماً واحداً يمكن النظر إليها باعتبارها وسيلةٌ مريحة ومناسبة لشراء المنتجات بالتجزئة (بالمفرّق). ووفقاً للشركة المذكورة، فسيجري طرح (بطاقة كومبيبار الذهبية) للاستخدام خلال العام الجاري.
خطط لمنح «الأموال الذهبية» الشرعية
يدرك العديد من رجالات الدولة أن أيام – أو سنوات – النظام المالي العالمي المستند على الدولار باتت معدودة فبمجرد ارتباط جميع الأنظمة المالية بالعملة الأمريكية، فهذا يعني أن الوقت قد حان للتحضير لإجراء تغييرات في المستقبل وعلى سبيل المثال، فإن عدة خططٍ مختلفة لكيفية تداول النقود الداخلية (داخل الولايات المتحدة) استناداً لمعيار الذهب، تجري دراستها حالياً.
ولقد سمعنا خلال السنوات القليلة الماضية عن خطط يجري إعدادها لإنشاء (دينار ذهبي) في البلدان الإسلامية، و(اليوان الذهبي) في الصين، و(الفرنك الذهبي) في سويسرا. إضافةً إلى أن عدداً من قادة الدول المختلفة كانوا قد تحدثوا عن إعادة الذهب إلى الدورة المالية الداخلية في بلدانهم. وقد لقيت هذه الخطوة تأييداً في كل من : السويد، النروج، جنوب إفريقيا، كوريا الجنوبية، إيران، تايوان، زيمبابوي، إضافةً لبعض دول أميركا اللاتينية.
وفي هذا الصدد، فإن سويسرا تعد أكثر الدول قرباً من الاستخدام والإنتاج العملي «للأموال الذهبية». حيث أنها كانت آخر دولة في العالم تفصل ما بين عملتها الورقية والذهب في عام 2000. فقد أعلنت سويسرا في حينها فك ارتباط عملتها بالذهب الأمر الذي جعلها – العملة – مشابهة للعملات الأخرى كالدولار الأميركي والجنيه الاسترليني البريطاني والمارك الألماني والين الياباني وغيرها. أما الآن، فإن النقاشات الدائرة في سويسرا تنحصر في إصدار الفرنكات بصيغة (عملة نظيرة ومماثلة) إلى جانب الفرنكات الورقية لكي تسد حاجة البلاد.
وفي حال تم هذا الأمر، فسينشئ سعر للصرف بين كل من الفرنكات الذهبية والورقية. ووفقاً للعاملين على هذا المشروع – مشروع الفرنك الذهبي – فإن إنتاج كل فرنك ذهبي سيكلّف (5) فرنكات سويسرية حالية، أي ما يعادل (5.3) دولار أميركي.
أما فيما يتعلق بموضوع (الين الذهبي)، والذي جرى التركيز عليه إعلامياً بشكل كبير خلال الفترة الماضية وإلى الآن، فإنه ورغم أنه ليس موجوداً بعد، إلا أن هنالك عدة مؤئرات تدعم الاعتقاد السائد بأن الصين الآن في طريقها لإنتاجه.
13 ولاية تصوّت لمصلحة العملة الذهبية
على الرغم من عدم وجود خطط لإصدار عملة ذهبية على مستوى الاتحاد الفيدرالي الأميركي، إلا أن هناك نداءات منفصلة تدعو للعودة إلى الذهب عبر اعتماده كمعيار أو مقياس للعملة، وهي الطريقة التي كانت تجري عليها الأمور في الولايات المتحدة الأمريكية حتى استلام فرانكلين ديلانو روزفلت لزمام الحكم وعلى سبيل المثال، فقد أعلن رون بول - الناقد الشهير للنظام الاحتياطي الفيدرالي - عن تأييده لهذه الفكرة أكثر من مرة، حيث يريد رون بول أن يضع «لجاماً ذهبياً» على طباعة العملة الورقية، بمعنى آخر، فإن بول يقترح أن يتم ربط إصدار الدولار بنسبة محددة من الاحتياطي الذهبي للولايات المتحدة (والذي يبلغ 8.133.5 طن من الذهب حسب إحصائية شهر آذار 2013). إلا أن بول لم يحدد فيما إذا كانت الخطة تتضمن عملية تبادل حر بين الأوراق النقدية من جهة والذهب من جهة ثانية، أي العملة الورقية مقابل الذهب وهو ما كان سائداً في الفترة التي سبقت العام 1933.
على أرض الواقع
إن حركة «السيادة المالية» في أميركا تسير اليوم على قدمٍ وساق خصوصاً على مستوى الولايات.
وتعدّ ولاية يوتا الأمريكية بمثابة القائد في هذا الصدد. حيث قامت حكومة هذه الولاية بتبني وفرض قانون يتيح استخدام العملة المعدنية الذهبية والفضية كعملة مشروعة وقانونية. كما أن القانون المالي في يوتا اعترف بكل من السبائك الذهبية والسبائك الفضية بوصفها عملة قابلة للاستخدام والتداول داخل حدود الولاية.
وهذا ليس كل شيء، حيث أنها - الولاية - قامت أيضاً باستثناء مبيعات القطع النقدية من عائدات عاصمة الولاية إضافة لاستثنائها من ضرائب البيع. فكما ينص القانون الجديد : «تدعى العملة النقدية الذهبية بالنسر الذهبي الأميركي، ويبدأ وزنها من 0.1 أونصة وفئاتها (5 – 50 دولاراً).» وبالنسبة للعملة النقدية الفضية: «تدعى العملة النقدية الفضية» بالنسر الفضي الأميركي ويبلغ وزنها 1 أونصة وهي من فئة (1 دولار) ويُكمل القانون نصه: «يقبل كل من نوعي العملة النقدية لشراء أي نوع من أنواع البضائع أو الخدمات وفقاً للسعر الحقيقي للمعادن الثمينة (ذهب - فضة)».
وفي اللحظة التي أصبح فيها هذا القانون سارياً، كانت النسبة التبادلية بين كل من الذهب والفضة من جهة والعملة الورقية من جهة أخرى تبلغ : (1.5 دولار) لأونصة الذهب، (38 دولار) لأونصة الفضة.
هذا وقد قامت الولاية قبيل إقرار القانون المالي المذكور بإجراء مهم ومبتكر، حيث أنشأت مخزناً للذهب والفضة لكي تجنّب المواطنين استخدام العملة النقدية المعدنية التي أقرت مباشرةً بما سيسببه هذا الأمر من مشقةً وعناءً كبيرين عليهم وعبر هذه العملية، بات بالإمكان حفظ القطع النقدية بنوعيها هناك، وإتاحة التصرف بها من أصحابها عبر بطاقةٍ ائتمانية تماماً كما لو أنهم يمتلكون حسابات مصرفية بالدولار العادي. ومن الجدير بالذكر أن قيمة هذه العملة النقدية يتم تحديدها على أساس أسعار المعدن بالدولار الأميركي ووفقاً لـ (مؤشر لندن اليومي).
وبالانتقال إلى ولايات أخرى، فقد كانت كل من ولايتي ميسوري وساوث كارولاينا في عام 2012 الأقرب من اتخاذ إجراءات مشابهة لتلك التي قامت بها ولاية يوتا من إصدار تشريعات وإنشاء مخزن للسبائك الذهبية والسبائك الفضية.
أما الولايات التي تعتبر إجراء مناقصات قانونية لكل من السبائك الذهبية والسبائك الفضية أمراَ مشروعاً فهي:
مونتانا، كولورادو، آيداهو، إنديانا، نيوهامشر، جورجيا، واشنطن، مينوسوتا، تينيسي، فرجينيا.
ومعظم هذه الولايات المذكورة هنا تتوقع بأن يتم استخدام العملات التي تصدر عن دار السك الأمريكية أو حتى التي تأتي من خارجها.
وتنوي هذه الولايات أن تسير على الخطا التي سارتها ولاية يوتا عبر بناء مستودعات ومخازن لحفظ الودائع النقدية بهدف الحصول على قياس دقيق للنسبة المئوية من المعادن الثمينة التي تحتويها العملة المعدنية، ولملائمة قيمة المعدن مع معدل أسعار السوق العالمية.
يدعو رون بول - مؤسس حزب الشاي الأميركي* - إلى المنافسة الحرة في قانون العملة الصادر عام 2011، وتتجسد هذه المنافسة بالسماح للولايات المختلفة بتقديم وإصدار عملاتها والسعي لإنهاء كل أنواع الضرائب المفروضة على القطع النقدية والسبائك الذهبية والفضية من الحكومات الفيدرالية والمحلية وحكومات الولايات، كما أنه يدعو لتشكيل لجنة تُعنى بإيجاد الوسائل والطرق لإعادة العمل بالقياس أو المعيار الذهبي.
هوامش :
*حزب الشاي الأميركي : تيار سياسي أميركي يدعو إلى التقيّد الصارم بالدستور الأميركي ويسعى لتخفيض كل من الضرائب والإنفاق الحكومي.
عن موقع دراسات العولمة : (Globalresearch.ca)