للحديث عن الانقسام الداخلي في بعض الأحزاب، يتطرق الكثيرون إلى الأسباب الذاتية في جانبها الشخصي الإجرائي، وعلى أهمية هذا الجانب الذي يشكل في معظم أبعاده تجليات الظاهرة وليس سبباً بحد ذاته.
حسين ابراهيم حسين ابراهيم

للحديث عن الانقسام الداخلي في بعض الأحزاب، يتطرق الكثيرون إلى الأسباب الذاتية في جانبها الشخصي الإجرائي، وعلى أهمية هذا الجانب الذي يشكل في معظم أبعاده تجليات الظاهرة وليس سبباً بحد ذاته.

للحديث عن الانقسام الداخلي في بعض الأحزاب، يتطرق الكثيرون إلى الأسباب الذاتية في جانبها الشخصي الإجرائي، وعلى أهمية هذا الجانب الذي يشكل في معظم أبعاده تجليات الظاهرة وليس سبباً بحد ذاته. 

فثمة أسباب أكثر تأثيراً وحسماً، وهي مجمل الأسباب الفكرية والسياسية، ومنها المتعلقة بنظرية بناء الحزب والأهداف المطروحة، والأدوات النضالية، وكذلك الرؤية المستقبلية القادرة على تحليل الواقع الموضوعي في حركيته، والقدرة على استشفاف المستقبل من خلال امتلاك الأدوات المعرفية التي من شأنها تفسير الظواهر تفسيراً علمياً والتحكم بها بغية تغييرها باتجاه الأهداف المنشودة بصورة غير قسرية، انطلاقاً من الضرورة التي تشكل  الحاجة الموضوعية للحامل الاجتماعي للحركة المعنية.

فحين يغيب الهدف الاستراتيجي وتتشكل حوله حالة هلامية ضبابية ويغلف بشعارات عاطفية -تحت السياسية- أو سياسية –فوق واقعية–، ويعطل دور الفكر تسليماً بنصوص جاهزة وإسقاطها في سياقات غير مدروسة، دون أن يكون للفكر دور في تطبيقها بصورة خلاقة أو إعادة إنتاجها على ضوء الواقع الجديد،  فتتحول التكتيكات اليومية إلى مهام أساسية وتبرز التناقضات الثانوية كتناقضات رئيسية، وبالتالي يتحول الحزب إلى هدف بحد ذاته يحقق من خلاله مكاسب ضيقة لهذا أو ذاك.

إن الانقسام بصورة عامة، هو نتيجة لأسباب تتعلق بتراجع الحركة المأزومة في اللحظة التاريخية التي تفقد فيها القدرة على إيجاد المخارج المؤدية إلى مسارها النضالي الميداني وبالتالي ينسد الأفق أمامها لتلجأ إلى المزيد من التخبط والتيه والانفعالات مركونة إلى ماضيها، مكتفية به ومنغلقة عليه ومدافعة عنه، باعتبار أن هذا التاريخ مشرّف بعجره وبجره، وبما في هذا الماضي من  انتصارات أو إخفاقات، وبالتالي تغيب الحركة عن دورها، وتفقد نفوذها الاعتباري  أو المادي الملموس في الميادين المختلفة، هذه الخاصية التي ينبغي أن تتمتع بها أو تسعى إليها كل حركة جادة.

الحركة لا تعرف السكون، ومن لا يتقدم يتراجع بالضرورة لأن الحياة تتغير باستمرار، فلابد من التجديد المستمر للرؤية وتعميقها وشحذها بحيث تكون نفّاذة إلى عمق الظاهرة وما بعدها، ولابد من صياغة المهام والتوجهات بصورة متسقة زمكانياً دون انزياح، ومراجعة الأهداف الإستراتيجية وتدقيقها عبر قراءة نقدية مستمرة  مستندة على الأسس العلمية، والاستفادة من التقنيات الحديثة لتطوير الآليات الضرورية التي لابد لها أن ترتقي بالتناسب مع التطور العام. وكل ذلك يتطلب الحرية ورفع مقص الرقيب داخل الحركة قبل خارجها، عن الرأي ليعبر عن ذاته، ليتبلور ويتفاعل من خلال إيجاد وسط كيميائي فكري نشط. إن الناس حين يجتمعون في أطر سياسية إنما يسعون إلى تحقيق أهدافهم ومصالحهم الآنية والمستقبلية في آجال زمنية غير مفتوحة إلى اللانهاية، وإذا كان الانقسام كظاهرة نتاج مرحلة التراجع، فإن مرحلة انفتاح الأفق ستنتج بدورها نقيض الانقسام أي الوحدة، وأعتقد في ظروف اليوم، أي ظروف عودة الجماهير إلى الشارع، لايختلف اثنان حول الحاجة إلى تلك القوة الفاعلة التي تستطيع التقاط اللحظة التاريخية والتحكم بمسار العمليات الاجتماعية لمصلحة المقهورين وبما يتوافق مع مصالحهم، ولكن الإشكالية تبرز في أن الكثير من قيادات الحركة الشيوعية واليسارية والقوى الوطنية الأخرى ما زالت تتعاطى مع ظاهرة الانقسام بعقلية ومفاهيم مرحلة التراجع.