البرازيل.. بين إرث الرأسمالية الثقيل و«أزمة القيادة الثورية»
ترجمة : نبيل حوج ترجمة : نبيل حوج

البرازيل.. بين إرث الرأسمالية الثقيل و«أزمة القيادة الثورية»

شهدت المدن البرازيلية في الآونة الأخيرة الكثير من الاحتجاجات الشعبية، والتي تعد الأولى من نوعها وحجمها بعد سقوط الديكتاتورية العسكرية في عام 1985، والتي كشفت قبل كل شيء عن الأزمة التي تعاني منها الطليعة الثورية للطبقة العاملة.

البحث عن الدعم الحكومي
انطلقت الشرارة الأولى لهذه الاحتجاجات بعد زيادة أجور الحافلات، والتي تم التراجع عنها عدة مرات بغية امتصاص قوة فعل تلك الاضطرابات الاجتماعية، ومع ذلك شهد أكثر من مكان تظاهرات كبيرة كشوارع ريو دي جانيرو، وساو باولو، والعديد من المدن الأخرى، والتي طالبت بزيادة الدعم الحكومي للقطاع التعليمي والرعاية الصحية بدلاً من صرف المليارات على ملاعب كأس العالم.
وقد جوبه المتظاهرون في العديد من الأماكن بالقمع سواء بالغاز المسيل للدموع أو الرصاص المطاطي، وهنا لا يمكن تفسير جوهر هذا الحراك الشعبي من ناحية هذا الفعل بحد ذاته، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار التناقضات الجوهرية العميقة في بنية هذه المجتمعات، والتي تحوي في طياتها تبعات الإرث الثقيل للأزمة الرأسمالية العالمية.
أزمة الرأسماليات الصاعدة
البرازيل كما في تركيا، شهدت العديد من النجاحات الاقتصادية، ومع ذلك لم تثمر (المعجزة البرازيلية) بأية نتائج هامة. والتي أثبتت بأنها لم تكن قادرة على إزالة تبعات النظم السابقة والتخلف الاقتصادي فيما يتعلق بالبنية التحتية الاجتماعية الأساسية، فبرامج المساعدة الاجتماعية المحدودة أدت لانخفاض معدل الفقر، وتكونت الطبقة الوسطى ولكنها لم تستطع تحقيق عدالة اجتماعية.
ومن جهة أخرى فقد تراجع معدل النمو بمقدار 0.9% في عام 2012، و0.6% في الربع الأول من عام 2013، ووصل تراجع  الإنتاج الصناعي  بنسبة 0.3%، والذي ترافق مع تسريح العمال وتجميد التشغيل وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي ووقوع أغلبية السكان تحت نير الديون وارتفاع معدلات التضخم  إلى 6.5% حسب الأرقام الرسمية مع ازدياد أسعار المواد الأساسية.
وبسبب توافد الأعداد الكبيرة من خريجي الجامعات في العقد الماضي إلى سوق العمل والذين اضطروا  لترك وظائفهم بسبب عدم توافر فرص عمل مناسبة، والتي أدت  إلى زيادة  نسبة البطالة، وهذا ما يفسر أن النسبة العظمى من المتظاهرين من هذه الفئات.
حزب العمال وانحرافات يمينية!
تم استغلال هذا الحراك السلمي العفوي من بعض قوى اليمين المتطرف، حيث قامت مجموعات من البلطجية بمهاجمة بعض المتظاهرين اليساريين وأعضاء النقابات المشاركين بالتظاهرات وفق حملة منظمة وبالتنسيق مع قوات الشرطة وربما بعض العسكريين. وقد عملت القوى اليمينية على تغيير الاتجاه السياسي للاحتجاجات المطالبة بالمساواة والعدالة الاجتماعية مرددين شعارات (لا للأحزاب)، في حين أن الغالبية العظمى للمتظاهرين لا يعلمون بما يجري في الغرف المظلمة، والحقيقة أن البلطجية الفاشية تعمل على تأمين قنوات مناسبة لتبقى بعيدة عن المحاسبة..
لقد عاش المتظاهرون حياتهم المجتمعية في ظروف النضوج السياسي من خلال حكم حزب العمال، بدءاً من حكم لولا داس يلفا إلى خليفته رئيسة البلاد ديلما روسيف التي تولت السلطة خلفاً له. حيث تأسس حزب العمال في عام 1980 في أعقاب الإضرابات الجماهيرية العارمة التي عصفت بالبلاد أثناء حكم الديكتاتورية العسكرية، وعمل الحزب من بدايته لإخراج الحركة من تحت سيطرة البرجوازية. وحاولت بعض الأوساط اليسارية إيهام الجماهير بأن هذا التشكيل الجديد من الممكن أن يكون وسيلة لإقامة الاشتراكية في البرازيل، ففازت في انتخابات البلديات والمدن وتمثلت في مراكز قيادية هامة، وأصبحت سياساتها تتجه نحو اليمين والتي أصبحت أفضل غطاء لمنع حدوث تمرد في صفوف الشعب.
وكانت الجريمة السياسية التي قامت بها بعض العناصر اليسارية التحريفية ومعظمهم ذوي التوجه القومي لتغطية أعمالهم تحت شعارات اشتراكية مع الدعم الكبير لقوى اليمين الرأسمالي، العمل على إخضاع النضال الاجتماعي لمصلحة الشركات الاحتكارية، فعملت على تشجيع النقابات العمالية المتوقفة عن العمل منذ عقود والتي لم تكن ترى فيها الجماهير وسيلة للتغيير الاجتماعي فهي كانت غائبة عن الحركة الاحتجاجية الحالية. وقد سمح هذا الفضاء السياسي لقوى اليمين بالتوغل جهاراً في صفوف الحركة الشعبية، واستغلال الغضب الشعبي ضد الفساد السياسي لجهاز الدولة التي أورثته من خلال عقود الديكتاتوريات الحاكمة.
كما هو الحال في تركيا ودول أخرى، ستتوسع حدود التفاعل الجماهيري مع هذه الاحتجاجات وتأخذ مداها، وستفرض مهام سياسية جديدة على الطبقة العاملة من أجل إيجاد بناها الثورية الطليعية معتمدة على البرامج الاشتراكية، في ظل أزمة البرجوازية الرأسمالية. وهذا الأمر لا يعني إعفاء حزب العمال والنقابات والمجموعات اليسارية من النقد البناء وهو ضروري من أجل تسليح الطبقة العاملة البرازيلية بوعي سياسي وثوري مناسب للمرحلة الحالية وإقامة نوع من الاستقلالية السياسية وقطع التبعية مع النخب الاقتصادية القائمة.