الجدل حول شرعية انتخابات الاتحاد العام لنقابات العمال

الجدل حول شرعية انتخابات الاتحاد العام لنقابات العمال

شهدت الساحة النقابية السورية مؤخراً ما اعتُبر «إعادة تشكيل» الاتحاد العام لنقابات العمال، في خطوة اعتبرها الكثيرون ضرورية لتجديد قيادة النقابات بعد سنوات من التعيينات والإشكاليات الإدارية، ومع ذلك تشير تقارير متعددة إلى أن هذه العملية شابتها مخالفات جسيمة تتعلق بقانون التنظيم النقابي السوري رقم 84 وخرقاً للمعايير الدولية لحرية النقابات.

الإطار القانوني: قانون التنظيم النقابي


ينص المرسوم رقم 84 على المبادئ الآتية: أولاً- الانتخاب الديمقراطي حيث يجب انتخاب أعضاء اللجان النقابية والنقابات المهنية والاتحادات المهنية ومجلس الاتحاد العام من قبل الأعضاء أو من ممثليهم بشكل سري وحر. وثانياً- استقلالية النقابات ومنع أي جهة خارجية بما في ذلك السلطة التنفيذية من التدخل في اختيار القيادات. وثالثاً- يضمن القانون تمثيل الأعضاء حيث يحق لكل عضو الانضمام والترشح والانتخاب دون تمييز. ورابعاً- الشفافية والمساءلة حيث تنظم الانتخابات وفق لوائح واضحة ويتم الإعلان عن النتائج بشكل رسمي مع حق الطعن القانوني عند وجود مخالفات.


الواقع العملي للانتخابات الأخيرة


رغم كل هذه الأحكام القانونية كشفت تقارير إعلامية ونقابية عن مخالفات شملت اعتماد التعيين بدلاً من الانتخابات، حيث تمَّ ملء بعض المناصب القيادية عبر تكليف إداري دون إجراء انتخابات حقيقية، وتدخلت السلطة التنفيذية وجهات مرتبطة بالحكومة في اختيار أعضاء الاتحاد العام.
وغابت الشفافية حيث لم تنشر اللوائح الانتخابية، ولم ينفذ إشراف مستقل على العملية ما قلل من مصداقية النتائج. وهناك تمثيل ناقص للأعضاء حيث مُنعت بعض الفئات من الترشح أو الانتخاب مما أدى إلى تمثيل غير متوازن داخل الاتحاد العام.


لماذا تعد هذه الممارسات مخالفة قانونية وحقوقية


أولاً: خرق مبدأ الديمقراطية النقابية، حيث إنّ اعتماد التعيين بدلاً من الانتخاب يقضي على إمكانية العمال في اختيار ممثليهم بحرية ونزاهة ويحرمهم من الرقابة على من يمثل مصالحهم.
ثانياً: تفريغ مفهوم الاستقلالية، لأن تدخل جهات تنفيذية أو سياسية في اختيار قيادات النقابات يحول النقابات إلى امتداد للسلطة، مما يضعف ويشل حركتها بدلاً من أن تكون جسماً مدنياً يمثل العمال ويدافع عن مصالحهم.
ثالثاً: تعد هذه الانتخابات انتهاكاً للنظام الداخلي، فبما أن المرسوم 84 يحدد آليات انتخاب واضحة فإن تجاوز ذلك يشكل انتهاكاً للنص القانوني ذاته، وكل الترشيحات والتعيينات خارج إطار الانتخابات قانوناً غير شرعية.
وهذا يخلق تأثيراً سلبياً على ثقة العمال بالاتحاد العام، إذا رأت القاعدة أن القيادات إذا لم تُنتخب انتخاباً فقد ترفض شرعيتها، وهذا يضر بوظيفة النقابات كممثل لمصالح العمال.
وبما أن المرسوم التشريعي رقم 84 يؤسس على الانتخابات التمثيلية في كل مستوى نقابي، فإن أي تعيين بدلاً من الانتخاب هو إخلال بالنص القانوني، ويضعف من استقلالية ونزاهة العمل النقابي. وإذا كان الهدف كما يقال إعادة تنظيم أو ملء شواغر في فترة انتقالية، فلماذا لا تنفذ انتخابات شفافة. إنّ عدم الالتزام بهذا يضع إعادة التشكيل في إطار إدارة إدارية للنقابات وليس تمثيلاً حقيقياً، وهذا يتنافى مع مبادئ القانون نفسه.


التناقض مع المعايير الدولية


تتعارض الانتخابات الأخيرة مع الاتفاقية رقم 87 و98 التي تضمن حرية الانضمام والتنظيم والنقابات المستقلة والحق في انتخابات حرة ونزيهة، وتفيد بأنّ أيّ تدخل إداري أو سياسي يقوّض هذه الحقوق ويحول النقابات إلى أدوات سياسية، وهو ما حصل في الانتخابات الأخيرة وفق تقارير.
وتظهر الانتخابات الأخيرة للاتحاد العام لنقابات العمال انتهاكات واضحة لقانون التنظيم النقابي، وتعارضاً مع المعايير الدولية لحرية النقابات.
ولتعزيز شرعية النقابات يجب إجراء انتخابات حقيقية وديمقراطية لجميع المناصب القيادية وضمان استقلال النقابات عن أي جهة سياسية أو تنفيذية، ونشر لوائح انتخابية واضحة والإشراف على العملية بشكل مستقل، وفتح آليات طعن قانونية فعالة لجميع الأعضاء، وضمان تمثيل عادل لكل الأعضاء في جميع المستويات النقابية.
إنّ الالتزام بهذه الإجراءات لا يعيد فقط الشرعية إلى الاتحاد العام، بل ويعزز حقوق العمال والمهنيين ويضع النقابات في مسار ديمقراطي يحمي استقلالها وفعاليتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1255