قراءة أولية في مشروع قانون الخدمة المدنية (1)
طرحت وزارة التنمية الإدارية منذ أسبوعين مشروع قانون الخدمة المدنية للنقاش العام، تمهيداً لإقراره بعد تشكيل مجلس الشعب، حيث سيكون بديلاً عن قانون العاملين الأساسي بالدولة لعام 2004 ويطبق القانون على كافة الجهات العامة.
تعريفات مشروع القانون
لقد عرف مشروع القانون في المادة الأولى منه على أن الجهة العامة هي إحدى الوزارات والإدارات والهيئات العامة، أو المؤسسات والشركات والمنشآت العامة، أو إحدى البلديات والمؤسسات البلدية، ووحدات الإدارة المحلية، أو إحدى جهات القطاع العام الأخرى.
وجاء تعريف الوظيفة بأنها مجموعة من المهام والواجبات والحقوق، وما يتصل بها من صلاحيات ومسؤوليات، تحددها الجهات العامة، وتوكلها للموظف للقيام بها بمقتضى أحكام هذا القانون، أو أي صك قانوني آخر، حيث حذف المشروع عبارة (كل عمل دائم) الواردة في القانون الحالي، الذي عرف الوظيفة بأنها كل عمل دائم وردت تسميته في ملاك الجهة العامة.
وعرف مشروع القانون الجديد الموظف بأنه من يشغل إحدى الوظائف الواردة في هيكل الوظيفي للجهة العامة، أو يرتبط معها بأحد أنماط التوظيف المعتمدة وفق أحكام هذا القانون، حيث ألغيت عبارة (كل من يعين بصورة دائمة) الواردة في القانون الحالي.
وجاء أيضاً على تعريف العقد، بأنه عقد توظيف نموذجي ينظم العلاقة بين الموظف والجهة العامة، ويبين حقوق والتزامات كل طرف منهما، وجاء مشروع القانون على تعريف الأجر المقطوع، بأنه المبلغ الشهري المقطوع الذي يمنح ويستحقه الموظف مقابل أداء الوظيفة المحددة في صك تعيينه، وفق أحكام القانون وطبقاً لسلم الأجور مضافاً له العلاوات.
نطاق سريانه
يسري القانون على جميع الموظفين في الجهات العامة في الدولة، أيّاً كانت طبيعة استخدامهم ويستثنى من ذلك ما تنظمه قوانين أو نصوص خاصة.
تغيير طبيعة العمل الحكومي
تعد الخدمة المدنية في الجمهورية العربية السورية أداة تنفيذية للدولة لضمان استمرارية عمل الجهات العامة، وتقديم الخدمات بوصفها واجباً وطنياً والتزاماً اجتماعياً وإنسانياً تجاه المواطنين، وتقوم الخدمة المدنية في مشروع القانون الجديد على التعاقد كأساس للدخول والتوظيف في القطاع العام، وهو ما يعني تحولاً جوهرياً وجذرياً، وتغييراً لمفهوم الوظيفة العامة، عمّا كان سائداً قبل ذلك على حساب الموظف وحقوقه.
فقد بدأ النظام السابق بتطبيق مبدأ التعاقد بشكل محدود في عملية التوظيف، ثم بعد ذلك توسع، وأصبح إجراء المسابقات الحكومية محصوراً على أساس التعاقد، وهو السمة الغالبة، ليأتي اليوم مشروع قانون الخدمة المدنية ليجعل التعاقد هو الأساس في عملية التوظيف في القطاع العام.
مساوئ التوظيف عن التعاقد
من المتعارف عليه، أن التوظيف عن طريق التعاقد له مساوئ كثيرة، فالموظف لا يتمتع باستقرار وظيفي، وهو دائما في حالة تخوف من إنهاء عمله بقرار إداري بسيط دون أن يكتسب أي حقوق تحميه من تعسف الإدارة، ويمكن تسريحه عند انتهاء الحاجة إليه، إذا كان عقده لإنجاز عمل معين أو انتهاء مدته إذا كان محدد المدة دون التزام حكومي بتجديده، وهو ما يعني إلغاء أهم عنصر في العمل، وهو الاستقرار الاجتماعي، فالمتعاقد بعملٍ مؤقت يؤثر عليه في نظر المجتمع، كعند الزواج مثلا، أو عند أبرام المعاملات المالية، لأنه يخضع لشروط عقده، وليس للقانون. ويمكن إنهاؤه بقرار إداري بسيط، وهو ما يفتح باب الاستغلال والمحسوبيات والولاءات الشخصية على حساب الكفاءة، حيث أصبح حسب مشروع القانون وضع العامل الوظيفي تحت رحمة السلطة التقديرية للرئيس المباشر دون معايير واضحة، بينما الموظف الدائم مستقر لا يفصل إلا لأسباب قانونية واضحة، وبإجراءات تأديبية ويخضع لمجلس تأديبي، ويستفيد من العلاوات وتعويض الاختصاص وتعويض العمل، وله راتب تقاعدي عند انتهاء خدمته.
وبحسب المادة 39 التي نصت على كيفية قلب التعاقد إلى تعيين دائم، حيث استبعدت إمكانية التثبيت نهائياً عن الفئات الثالثة والرابعة والخامسة، حيث شمل الفئتين الأولى والثانية فقط، وعلى أن يتقدم الموظف بطلب تثبيت خطي بعد استيفائه شروط معينة، ولكن لم ينص القانون على معايير واضحة لإلزام الإدارة بالإجابة عن طلب التثبيت خلال مدة محددة، حيث منحت صلاحيات واسعة في قرارها.
ولم ينص القانون على طريقة محددة للإعلان عن الوظائف الحكومية، ولا عن كيفية التقدم لها، كما هو منصوص عليه في القانون الحالي.
منع حق الإضراب أو أي نوع من الاحتجاج
جاء في المادة 92 باب المحظورات، هو منع الموظف من تنظيم أو المشاركة في أي عرائض جماعية تتعلق بالشؤون الوظيفية، أو العمل، أو التوقيع عليها خارج الأطر القانونية للتظلم والإبلاغ، كما يمنع تنظيم أو المشاركة في أيّ اجتماع داخل مكان العمل يتعارض مع أحكام القوانين والأنظمة النافذة، أو ترك العمل عمداً، أو التحريض عليه بقصد الإخلال بالنظام العام، أو إيقاف سير العمل، أو الإنتاج، كما منع مشروع القانون العامل من الانتماء إلى جمعية، أو جماعة تتوخى أغراضاً غير مشروعة تهدد أمن الدولة، وهو ما يعني عمليا التضييق على الموظفين ومنعهم من الاحتجاج، أو حتى الاعتراض على شروط عملهم، ومنع عنهم صراحة حق الإضراب، وهو من الحقوق الأساسية للعمال، والتي نصت عليها اتفاقيات منظمة العمل الدولية وحقوق الإنسان.
وأهم عيب يعيب مشروع القانون، أنه يهدر حقوق الموظفين في العدالة والاستقرار الوظيفي، ويخل بالتوازن بين سلطة الدولة وحقوق الموظف، واتباع المركزية المفرطة وإطلاق يد السلطة في الجهات العامة، دون اعتماد معايير قانونية واضحة تلتزم بها السلطة التنفيذية في تسيير المرافق العامة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1248