موظفو الاتصالات «لحّقونا قبل ما يسرحونا»
أسبوعان فقط وتنتهي الإجازة المأجورة - ومدتها شهران - التي منحتها الشركة السورية للاتصالات لمئات الموظفين لديها بقرار منفصل رقم 584/1 بتاريخ 1-9-2025. فبدل أن تلتزم الشركة بقرار الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية رقم 2533/ص القاضي بإنهاء جميع الإجازات المأجورة في الجهات العامة وعودة العاملين إلى عملهم، أصدرت قراراً خاصاً بها مددت بموجبه الإجازة لمدة شهرين مع إخطار بإنهاء عملهم فور انتهاء الإجازة المأجورة الممددة، بحجة عدم الحاجة لهم، ومستندة على المادة رقم 87 من نظام العمل والعاملين بالشركة، مغفِلَةً عمداً بنود العقد الموقع بين الشركة والعاملين الذي يستند للمادة 88 منه وليس 87 - والفرق بينهما جوهري وسنتناوله لاحقاً. وما إن ينتهي الشهر الحالي حتى يتم إنهاء عمل أكثر من ألف موظف من السورية للاتصالات وتصفية حقوقهم بجرّة قلم، بعد أن خدموا لسنوات طويلة قطاعهم الخدمي الهام، لينضموا لقوائم المفصولين دون أي اعتبار لخبراتهم وتضحياتهم و«شقا أيامهم» ولقمة عيشهم.
كتاب تظلُّم عاجل
ما إنْ بدأ الشهر الحالي حتى ووجد موظفو الاتصالات - الممددة إجازاتهم لمدة شهرين - أنفسهم في سباق مع الزمن، فسارعوا لرفع وتيرة المناشدات والمراجعات ومخاطبة الاتحادات والوزارات والجهات الإعلامية. كيف لا وهم يشعرون بأن «السكين أصبحت على رقبتهم» وفق تعبير بعضهم؟ وآخر تلك الكتب طلب تظلُّم موجَّه من الموظفين إلى الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، يوضحون به مظلوميتهم ودرجة إجحاف القرار الذي أصدرته الشركة بحقهم. ملخص ما جاء فيه:
نتقدم إليكم نحن مجموعة من العاملين في الشركة السورية للاتصالات الذين تم إعطاؤنا إجازة لمدة شهرين وإخطارنا بانتهاء عملنا فور انتهاء الإجازة المذكورة، وبموجب قرار صادر عن إدارة الشركة رقم 584/1 بتاريخ 1-9-2025. نوجه إليكم هذا التظلُّم العاجل راجين التدخل لإنصافنا وإيقاف الإجراءات المخالفة بحقنا، وذلك بالاستناد إلى المعطيات التالية:
أوَّلها: مخالفة صريحة لقرار الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية الذي نص على إعادة جميع العاملين في الجهات الحكومية المشمولين بالإجازات المأجورة إلى وظائفهم، إلا أن الإدارة تجاهلت ذلك وأصدرت قراراً بإنهاء عقودنا فور انتهاء الشهرين دون مسوِّغ قانوني، مع العلم أن عقودنا غير محددة المدة وتعد بمثابة عقود دائمة.
وثانيها: أن هذا القرار مخالف لبنود العقود الموقعة بين الشركة والموظفين المرتكزة على المادة 88 من نظام العمل والعاملين، والتي حصرت حالات إنهاء العقود بالمخالفات الجسيمة، وهو ما لم ينطبق علينا مطلقاً. وللعلم فإنه لم يرد بالنظام مبرر إنهاء عقد تحت بند «عدم حاجة الشركة» الذي استندت عليه الإدارة بإخطارنا، والعقد شريعة المتعاقدين.
وثالثها: أن إنهاء العقود تم بحجة عدم الحاجة لنا رغم إصدار الشركة لبيان بتاريخ 5-9-2025 أوضحت فيه الظروف التشغيلية، وهو بمثابة اعتراف بعدم وجود سبب قانوني يبرر القرار، حيث لم يرد هذا المبرر في العقود أو اللوائح الناظمة.
أما رابعها: فأكد كتاب التظلم بأن القرار يفرغ الشركة من كوادرها الخبيرة من الكفاءات وحاملي الشهادات الجامعية والمتوسطة، كان لها جهداً واضحاً في بناء الشركة طوال أعوام وأعوام.
بدل الإنصاف... استغلال قانوني
من خلال مراجعة نظام العمل والعاملين الخاص بالشركة السورية للاتصالات والعقود الموقعة بين الشركة والعاملين، تبين بأن العقود ارتكزت على مواد من نظام العمل والعاملين. فجاء بالمادة رقم 12 فقرة (أ): «يحق للفريق الأول (أي الشركة) إنهاء هذا العقد من دون إخطار أو مكافأة أو تعويض في حال ثبوت ارتكاب الفريق الثاني مخالفة من المخالفات المحددة في المادة 88 من نظام العمل والعاملين في الشركة». وتنص هذه المادة 88 على ما يلي: «يحق للشركة إنهاء عقد العمل سواء أكان محدد المدة أم غير محدد المدة أو لإنجاز عمل معين دون إخطار أو مكافأة أو تعويض» في حالات ذكرها النظام وتصنف ضمن الأخطاء الجسيمة.
في حين جاء بالمادة ذاتها 12 فقرة (ب): «يحق للفريق الثاني (الموظف) إنهاء عقد العمل بشرط إخطار الشركة قبل شهرين وفق المادة 87 من نظام العمل والعاملين في الشركة». وتنص المادة 87 على ما يلي: «يجوز لكل من الشركة والعامل إنهاء عقد العمل غير محدد المدة بإرادته المنفردة، ويسمى تسريحاً إذا كان من قبل الشركة، ويسمى استقالة إذا كان من قبل العامل، بشرط إخطار الطرف الآخر قبل الإنهاء بشهرين».
وإذا دققنا بكلا المادتين والعقود الموقعة، نجد بأن نظام العمل والعاملين أعطى كامل الحق للشركة بإنهاء عقود موظفيها دون شرط، بل إن الشروط الواردة تخص إخطار العامل وتعويضه أو حرمانه منهما. أي أن نظام العمل والعاملين بالشركة بحد ذاته ظالم ومجحف ولا يحمي الموظفين من التسريح وإنهاء العقود، وهذا قمة الغبن. فالشركة مستحدثة وكانت فيما سبق مؤسسة تابعة ويخضع عمالها لقانون العاملين الأساسي 50 الذي يحميهم من التسريح والفصل. وعليه، فإن إدارة الشركة اليوم، بدل أن تنصفهم وتصحح مسار العدالة وتنقذهم مما وقعوا به من مظلومية عندما خسروا أمانهم الوظيفي، تقوم باستغلال ذلك الظلم الحقوقي الكارثي ضدهم وتجعلها مسوغاً قانونياً لإنهاء عقودهم ودفعهم للمجهول.
«إذا سرحتونا شو بدنا نشتغل؟»
إن ما يطلبه عمال وموظفو الاتصالات اليوم من الجهات الحكومية والحقوقية ومن منظمتهم النقابية ليس إلا صرخة وجع صادرة عن مظلومية ممتدة من الماضي إلى الحاضر، وهو ليس مطلب رجاء بل مطلب حق. وليس من العدل ولا الحكمة أن تضع إدارة الشركة نفسها بموقع رب العمل الذي لا ينظر إلا لمصلحته ومكاسبه - هذا إن كان في الأمر مكسب له - بل عليها النظر من دورها كجهة حكومية تقدم الرعاية الاجتماعية. فهؤلاء أبناء الشركة وأولادها الذين لم يتخلوا عن عملهم وواجبهم بأصعب الظروف وأسوئها، وبأقل الأجور وأدناها. وأغلبيتهم من خريجي المعهد المتوسط الذي لم يدرسوا به إلا لأنه يتيح التوظيف المباشر. وإذا ما تم تسريحهم دون مسوغات «جسيمة» فماذا سيعملون؟ هل يفتحون مقاسم خاصة بهم؟ أم دكان اتصالات تقنية؟ لقد قضوا سنوات عمرهم في المؤسسة التي أصبحت شركة، واكتسبوا الخبرة والمهارة، ولا يعتقد بإمكانية حصولهم على عمل آخر إلا غافل أو بليد.
إن التعاطي مع ملف المفصولين ومن في حكمهم ما زال بعيداً كل البعد عن الدور الحقيقي للحكومة. ومن الضرورة اليوم التراجع عن كل تلك القرارات التي أوجعت المتضررين المعتاشين على أجورهم وأثقلت عليهم وأثخنتهم بجراح. فلا تكونوا أنتم والفقر والقهر عليهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247