بانتظار إصدار مشروع  قانون العمل الجديد وطرحه للنقاش العام
فرح عمار فرح عمار

بانتظار إصدار مشروع قانون العمل الجديد وطرحه للنقاش العام

أقامت وزارة التنمية الإدارية في 23 من شهر أيلول الجاري (2025) ندوة حوارية بفندق الداما روز بدمشق بعنوان «نحو تعزيز الكفاءة الحكومية – إصلاح الإدارة العامة وقانون الخدمة المدنية» بمشاركة مسؤولين حكوميين وخبراء قانونين وإداريين وأكاديميين وممثلين عن الاتحاد العام لنقابات العمال. ومن خلال عنوانها تتضح محاولة القائمين عليها لإبراز دور مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد - الذي لم يصدر بشكل رسمي بعد – في بناء إدارة عامة أكثر كفاءة وعدالة قادرة على تحسين استثمار رأس المال البشري وتقديم خدمات أفضل للمواطنين وفق ما جاء بكلمة وزير التنمية الإدارية خلال افتتاح الندوة.

وبين الوزير أنّ مشروع قانون الخدمة المدنية مطروح للنقاش ويهدف إلى معالجة التراكمات السابقة في التوظيف والترقية والتدريب وتقييم الأداء، وبأنه يستند إلى خمسة محاور أساسية ملخّصها أنّ الدخول على الخدمة المدنية سيكون عبر آليات تنافس شفّافة ومتوازنة، وإدارة الموارد بسرّية فعّالة ترتبط بالترقية على أساس الأداء لا الأقدمية فقط، وبيئة عمل حديثة تعتمد أساليب مرنة، حيثما تسمح طبيعة الوظيفة إضافة إلى الثقة والحوكمة عبر ضوابط منصفة للمسائلة وآليات تظلم شفافة بالإضافة لحقوق وواجبات متوازنة، تجعل الخدمة المدنية بيئةً متكافئة الجدارة وترفع قيمة الإنجاز.

ويمكن من خلال قراءة هذه البنود التي اعتبرتها الوزارة أساسية أن نرى أنّها شديدة العمومية ولا تشمل بنوداً أكثر أهمية، ويمكن أن تكون الأكثر أساسية، وعلى رأسها الأجور العادلة والأمان الوظيفي والحماية من الفصل التعسفي.

ندوات حوارية تحتاج للاستمرار والتعميم

خرجت الندوة بعدّة توصيات منها: تحديد ضوابط واضحة للصَّرف من الخدمة ضمن الأنظمة التنفيذية، ومراجعة المواد المتعلقة بالمحاكم العمالية، وتقليل الاستثناءات وضمان شمولية القانون لأكبر شريحة من العاملين، وعقد لقاءات دورية مع مديري التنمية الإدارية وورشات قطاعية لمواءمة الأنظمة التنفيذية مع خصوصية كل قطاع، والإسراع بإصدار قانون التنظيم المؤسسي بالتوازي مع قانون الخدمة المدنية، وضمان تكامل البيئة التشريعية، إضافة لإنجاز الأنظمة المرافقة للقانون وإصدارها بالتزامن مع نفاذه.

وبالنظر إلى مجموعة التوصيات وبغض النظر عن الرأي فيها يتوضّح لنا أهمية الإسراع بإصدار مشروع القانون وطرحه للرأي العام قبل وقت كاف من إقراره من الجهة المخوَّلة، والاستمرار بهذه النشاطات سواء كانت ندوات أو ورشات تفاعلية شرط ألّا تنحصر بالهيئات العليا بالحكومة والأكاديميين والنخب والاتحاد العام للنقابات، بل عرضه ونقاشه على أوسع نطاق عمّالي وشعبي وحقوقي، كي يشارك الجميع برأيه ويضع الملاحظات التي يراها تصبُّ في صالح القانون والعاملين، بعيداً عن الجمل الإنشائية والمصطلحات الأكاديمية التي يصعب تفسيرها. وهذا لن يتم إذا لم تشارك الطبقة العاملة بنقاشه، كونها ستتناول مواد القانون بخبرة ممارستها السابقة للقوانين ولقدرتها على التبسيط واستخلاص جوهره بسهولة ويسر، فلدى العمال ما يقولونه في هذا الشأن.

لكلِّ مقامٍ مَقال

لطالما جرى الحديث والمطالبة خلال سنوات وسنوات بضرورة تعديل قانون العاملين الأساسي 50 الحالي وقانون رقم 17 المعني بالقطاع الخاص وقانون التنظيم النقابي. وكانت تلك المطالبات تُطرح في كل اجتماع ومؤتمر عمالي ونقابي، مركِّزةً على المواد المجحفة التي نالت من العاملين طوال فترة القوانين التي ما زالت قائمة. ولم تلقَ تلك المطالبات ما يكفي من الاهتمام الحكومي والإعلامي والحقوقي، إضافة لمشكلة المحاكم العمالية وآلاف الدعاوي المعلَّقة الهاضمة لحقوق العاملين. وما زاد الطين بلّة تراجع دور النقابات وخروجها عن أيّ تأثير وازن في مجمل الملفات المتعلقة بالمصالح الطبقية العميقة للطبقة العاملة، مع حصول بعض الاستثناءات هنا أو هناك نتيجة ممانعة دؤوبة ومستمرة من بعض النقابات والأفراد والقوى.

وبما أنّ السلطة الحالية عازمة على إعادة تشكيل البيئة القانونية بما يخص قانون العمل وبحكم غياب سلطة تشريعية بالوقت الحالي تقرّه وتشرّعه فإن الوقت المتاح واسع، ويمكن الاستفادة منه لتأخذ القوانين حقَّها بالنقاش العام بعيداً عن احتكار النخب والجهات الحكومية لها، فمن حق الطبقة العاملة والقوى الممثلة لها أنْ تراه بمنظورها الطبقي الخاص بها، وهذا ما ننتظره بالأيام القادمة التي ستشهد إطلاق مشروع قانون الخدمة المدنية للنقاش العام، وعندها لكلّ مقامٍ مَقال، فالعناوين العامة والمصطلحات المبهمة وغياب الإجراءات التنفيذية يمنع إبداء رأي موضوعيٍّ بنَّاء ومفيد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245