تحالف العمال والفلاحين في الانتقال إلى الاشتراكية اليوم
في زمن تتسع فيه هيمنة الرأسمالية المالية العالمية، وتُفرض النيوليبرالية كعقيدة اقتصادية قاسية على شعوب الجنوب، يبرز سؤال التحالف الثوري بين العمال والفلاحين بوصفه إشكالية محورية في معركة التحرر. لطالما تبنّت الماركسية التقليدية رؤية لينين القائمة على «تساقط» شرائح من الفلاحين عند الانتقال من الثورة الديمقراطية إلى الاشتراكية، لكن الواقع المعاصر يفرض مراجعة جذرية لهذه الأطروحة. فالإمبريالية المعاد تشكيلها لم تتراجع بعد زوال الاستعمار المباشر، بل تحوّلت إلى وحش نيو-ليبرالي متحالف مع البرجوازية المحلية والإقطاع، يُفقر الفلاحين عبر سحب الدعم الزراعي وفتح الأبواب أمام الشركات العابرة للقارات. هنا، في خضم هذا المشهد، يصبح التحالف مع «كامل الطبقة الفلاحية» — لا شريحة منها فحسب — ضرورة حتمية. فتماسكهم المجتمعي الموروث، وتضحياتهم في مواجهة سياسات النهب، كما تجلّى في انتفاضات الهند الأخيرة، يحوّلهم إلى قوة صادمة ضد هيمنة رأس المال العالمي. إن بقاء هذا التحالف متماسكاً طوال رحلة الانتقال إلى الاشتراكية ليس خياراً تكتيكياً، بل شرطاً للنجاح ذاته.
(نُشر في 1 تموز 2025) في مجلة «المراجعة الشهرية»
إعادة تصور التحالف في عصر الإمبريالية المعاصرة
يقدم هذا المقال تحليلاً نقدياً لتطور مفهوم «تحالف العمال والفلاحين» من النظرية اللينينية الكلاسيكية إلى سياقه الحالي في مواجهة الإمبريالية النيوليبرالية. بينما أكد لينين على ضرورة هذا التحالف في المرحلة الديمقراطية من الثورة (ضد الإقطاع والاستعمار)، إلا أنه رأى ضرورة التخلي عن شرائح من الفلاحين (كالبرجوازية الريفية) في المرحلة الاشتراكية. لكن في ظل هيمنة الرأسمالية المالية العالمية وإعادة تشكيل الإمبريالية، يجادل باتنايك بأن هذا التحالف يجب أن يظل كاملاً ودائماً طوال مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية، دون استبعاد أي طبقة فلاحية، مع التركيز على التعاونية الطوعية كآلية للتحول.
الأطروحة المركزية: لماذا يجب أن يكون التحالف دائماً؟
1. فشل التحرر من الإمبريالية بعد حقبة الاستعمار:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أعادت الرأسمالية العالمية هيكلة نفسها عبر «النيوليبرالية»، متحالفة مع البرجوازية المحلية في العالم الجنوبي (مثل الهند والبرازيل).
هذه التحالفات أفقرت الفلاحين عبر:
- سحب الدعم الحكومي للزراعة.
- فتح الأسواق أمام الشركات متعددة الجنسيات.
- تفاقم أزمات الديون (مثال: انتحار 200 ألف فلاح هندي بين 1995-2015).
هنا، يصبح التحالف مع كل الفلاحين (بمن فيهم الأغنياء) ضرورة لمواجهة الإمبريالية الجديدة.
2. قوة التماسك المجتمعي لدى الفلاحين:
- على عكس أوروبا، حافظت مجتمعات الفلاحين في آسيا وإفريقيا على تماسكها رغم الاستعمار، بفضل الروابط الثقافية والاجتماعية (مثل نظام «الجاجماني» في الهند).
- هذا التماسك يُعد سلاحاً فعّالاً في النضال، كما ظهر في احتجاجات المزارعين الهنود (2020-2021) ضد قوانين الزراعة التي هدّدت بخصخصة القطاع الزراعي، حيث أجبر التضامن المجتمعي الحكومة على التراجع.
3. تفنيد مخاطر «استعادة الرأسمالية»:
يُحذّر التقليديون من أن إشراك الفلاحين الأغنياء في التحالف قد يؤدي لانبعاث الرأسمالية. لكن باتنايك يرفض هذا:
- الإنتاج السلعي للأسواق المحلية لا يُولد تلقائياً رأسمالية (مثال: الأنظمة الزراعية التقليدية).
- يمكن احتواء التمايز الطبقي عبر حقوق اقتصادية دستورية، مثل:
- الحق في العمل.
- تحديد الحد الأدنى للأجور.
- تمليك العمال التعاونيات لإدارة الآلات.
آلية الانتقال: التعاونيات الطوعية كبديل
يقترح المقال نموذجاً للتحول الاشتراكي قائماً على «التعاونيات الطوعية» بدلاً من المصادرة القسرية للأراضي:
التنفيذ العملي: يجب إقناع الفلاحين (حتى الأغنياء) بالانضمام الطوعي عبر إثبات جدوى التعاونيات في:
رفع الإنتاجية، وتوفير الحماية من أزمات السوق، وخلق مجتمعات محلية متكاملة (إنتاجاً وثقافةً).
الدروس من السياق الهندي
تحالف العمال والفلاحين (WPA): تشكلت منصات مشتركة مثل «جان إكتا جان أدهيكار أندولان» (JEJAA) تضم 200 مليون عضو (15% من السكان) لمقاومة النيوليبرالية والطائفية.
نجح التحالف في إلغاء قوانين الاستيلاء على الأراضي لصالح الشركات (2017)، ودعم إضرابات العمال (مثل إضرابات 2023).
التحديات:
استمرار هيمنة الرأسمالية عبر التحالف بين الدولة والبرجوازية المحلية، وضرورة تحويل التحالف من «مطالب فورية» (كإسقاط الديون) إلى «مطالب انتقالية» تهدم أسس العلاقات الرأسمالية.
نحو اشتراكية القرن الحادي والعشرين
يمكن التوصل إلى أن:
- التحالف الكامل وغير القابل للتجزئة بين العمال والفلاحين هو الدرع الوحيد ضد إمبريالية العولمة.
- النموذج التعاوني الطوعي هو البديل العملي للمصادرة، بشرط أن يقترن بحقوق اقتصادية تحول دون استعادة الرأسمالية .
- الدور التاريخي للفلاحين لم ينتهِ، بل تعزز بتماسكهم المجتمعي، ما يجعلهم ركيزة أي مشروع تحرري في الجنوب العالمي.
هكذا، بين تمزقات العولمة المتوحشة وصمود الفلاحين في قرى آسيا وإفريقيا، يخطّ تحالف العمال والفلاحين مساراً جديداً لاشتراكية القرن الحادي والعشرين. ليست الغاية مجرد إسقاط النيوليبرالية، بل بناء نموذج مغاير قائم على التعاونيات الطوعية التي تحوّل الأرض إلى ملكية جماعية، وتُعيد تشكيل العلاقات الإنتاجية دون مصادرة قسرية. إن الخوف من «انبعاث الرأسمالية» لو استُبقي الفلاحون الأغنياء في التحالف، يذوب أمام ضمانات الحقوق الاقتصادية الدستورية: الحق في العمل، وتحديد الأجور، وتملّك العمال لوسائل الإنتاج. هذه الضمانات ليست درعاً ضد الاستغلال فحسب، بل حاجزاً يصدّ محاولات تفتيت التضامن الطبقي. فالتجارب من الصين إلى كوبا تثبت أن الروح الجماعية، حين تقترن بالعدالة الاقتصادية، تستطيع تحويل التعاونيات إلى كوميونات حيّة تُدار ذاتياً، وتُنتج الوفرة دون التضحية بالكرامة الإنسانية. في النهاية، يصبح التحالف الكامل بين من يحرثون الأرض ومن يديرون الآلات هو الجسر الوحيد نحو مجتمع لا يُلقي بأحدٍ على قارعة الطريق. وكما يذكّرنا باتنايك: «من دون هذا التحالف، ستبقى الثورة حلماً بعيداً، أما به فيصبح المستقبل ممكناً».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1240