عمال ونقابات سورية.. أين نحن؟ ما العمل؟ (4)
استمراراً لما بدأناه عبر سلسلة من المواد المتتالية لنتمكن من الوصول إلى قراءة واقع الطبقة العاملة والحركة النقابية وصلنا إلى مهمة تتلخص بالإجابة كتنظيم نقابي عن السؤال الأساسي ما العمل؟ أي ما هو دور الحركة النقابية والتنظيم النقابي بالمرحلة القادمة انطلاقاً من الواقع الحالي وحركته القادمة فمفتاح النجاح اليوم يكمن بالقدرة على رؤية الأمور بحركتها واستبقاها بخطوة على الأقل لا اللحاق بها والوقوع بالارتجال وردة الفعل والفوضى وهذا يحتاج إلى رؤية موضوعية ثورية وبرنامج عمل تتوفر بالتوازي معه أدواته الفاعلة والقادرة الملائمة والمعاصرة.
يكمن جوهر هذا البرنامج وكلمة السر فيه «عودة التنظيم النقابي لعماله لاستعادة الدور الوظيفي المناط به» ولن يعود التنظيم إلى أصحابه حتى يكون البرنامج على المستوى النظري يمثل الطبقة العاملة كي ينتزع اعتراف العمال بهذا التمثيل ويكون الإطار التنظيمي لنضالهم الطبقي المستمر، وسنبدأ أولاً بتقسيم مرحلي حيث نحتاج إلى نمطين أولهما يلائم المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد تمتد للمرحلة الآتية - حتمية الطابع - التي ستنتج نظاماً سياسياً شاملاً وجديداً تنتجه الديمقراطية الشعبية القادمة.
التصريحات والبيروقراطية ليست برنامجاً
أسوة بالبلاد دخلت الحركة النقابية وتنظيمها الرسمي مرحلة انتقالية قد تطول نسبياً ومن الطبيعي أن يكون الضياع عنوانها فتسارع الأحداث وحجم التغيرات كبيرة جداً يصعب تفسيرها بالسرعة والدقة المطلوبتين خاصة أن التنظيم النقابي لا يمتلك البنية الذاتية القادرة على رصد التغيرات أو فهمها بالقدر الكافي مما جعله ينضم إلى جموع المتابعين المكتفين بالمشاهدة دون المشاركة الفاعلة بل الاكتفاء بالدور البيروقراطي المعتاد كغيره من الهيئات الحكومية وشبه الحكومية، وهذا لا ينفي بعض النشاط الحاصل خلال الأسبوعين الأخيرين من زيارات للعديد من النقابات للتجمعات العمالية وبعض زيارات الاتحاد العام لاتحادات المحافظات والوفود العربية والدولية ورغم شح النتائج فإنها تبقى إيجابية ولكنها لن تحقق ما ينعكس على العمال لأنها تفتقد الأهداف المشتقة من البرنامج الذي لم يوضع بعد، وان كان البعض يظن أن تصريحات من هنا وهناك تعتبر برنامجاً فهو مخطئ وواهم، فمن أين نبدأ وكيف نستطيع المضي بعمل ممنهج يؤتي أكله؟ لذلك من المفترض أن نصيغ بعض الحقائق المنطقية والموضوعية وتتلخص بما يلي:
لا يستطيع أي تنظيم شعبي أو قوة سياسية أو خبير (سوبر مان) أن ينجز مهمة الرؤية والبرنامج بشكل أحادي ونهج احتكاري إقصائي.
يعتبر التنظيم النقابي والقوى السياسية الحليفة بمثابة الطليعة الواعية المعبرة عن الطبقة العاملة وأهدافها وليس بديلاً عنها.
لا يمكن للتنظيم النقابي أن يكون معبراً عن الطبقة العاملة وقائداً لها إذا لم يكن منتخباً ديمقراطياً من العمال مباشرة.
قوة التنظيم مستمدة من حقيقة تمثيله لمصالح الطبقة العاملة واستقلاله ووحدته.
الحوار الشامل أولاً
بناء على القواعد الأساسية فالخطوة الأولى بالمرحلة الانتقالية لا بد أن تكون الحوار الذي يؤمن المشاركة ويلغي التفرد والإقصاء ويوزع المسؤوليات والقرارات معاً ويضمن صوابية الرؤية بالحد المطلوب والرقابة أيضاً.
أهم أهداف الحوار تتلخص بالخروج بمخرجات توافقية قابلة للتطبيق والنضال لكونه الفعل الوحيد القادر على الوصول إلى رؤية مستمدة من الواقع بحد ذاته وليستطيع ذلك عليه أن يكون واسعاً وشاملاً يتمثل به جميع العمال بالقطاعين العام والخاص والاختصاصات والشرائح والفئات كافة، وعلى امتداد مساحة البلاد وبترشيح واختيار مباشر من الهيئات العامة في التجمعات العمالية إضافة إلى ممثلين عن التنظيم النقابي الرسمي ونشطاء الحركة النقابية ومتقاعديها وممثلين عن الأحزاب الحليفة والصديقة المعنية بالطبقة العاملة والإعلام العمالي على أن تتجاوز نسبة العمال المشاركين من خلال ترشيحات الهيئات العامة ثلثي العدد الكلي وأن يكون بعيداً عن الوصاية الحكومية والرسمية.
فرصة كبرى لاستعادة البنية والدور
إن خروج الحوار بتوصيات وقرارات ستكون بمثابة خارطة طريق تستطيع لجان المتابعة المنتخبة من تحويلها إلى برنامج عمل يناسب المرحلة الانتقالية ويوصلها في الوقت المناسب وبالجهوزية الكاملة إلى انتخابات تعيد بناء التنظيم النقابي من قاعدة الهرم حتى رأسه ديمقراطياً، مما يجعله قادراً على الانخراط في الحياة السياسية القادمة بقوة وقدرة على خوض معاركه الطبقية والحقوقية والمعيشية بندّيّة وأن يتمتع بوزن يتناسب مع تمثيله للأغلبية الطبقية من جهة، ولضراوة الاستحقاقات التي أمامه.
لا بد أن تضمن مخرجات الحوار خططاً عملية لمواجهة الصعوبات الآنية اليومية سواء المتراكمة من سياسات النظام البائد ومفاعيل الأزمة الوطنية الشاملة أو التي استجدت بعد التغيرات التي نتجت عن سقوط سلطة النظام المستبد والتي أثرت بشكل مباشر بجميع العاملين بأجر سواء بالقطاع العام أو الخاص فبالإضافة إلى الأمن الاجتماعي الذي ما زال يشهد تراجعاً مستمراً بجوانب أساسية منه وتحديداً الغذائي والصحي هناك ما يخص فقدان التنظيم لعدد كبير من منتسبيه جرّاء التسريحات والإجازات القسرية وعدم تجديد العقود أو القفز من فوق استحقاق تثبيت العمال، خاصة إذا ما تم التقيد بروح قانون التنظيم النقابي الذي يقر بطوعية الانتساب الذي كان يتم تجاوزه والتنسيب الإجباري المعمول به في القطاع العام طوال العقود الماضية، وهذا ما يجعل النقابات أمام استحقاق رفع قدرته على الاستقطاب وتقديم نفسه بمضمون وتنظيم وشكل جديد يرتقي إلى مستوى نضالات العمال وتطلعاتهم، ويمكن من خلال الحوار الوصول إلى آليات وأدوات عمل ذلك بعيداً عن شعارات معلبة مسبقاً تنتمي إلى حقبة أكل الدهر عليها وشرب، فلا سبيل لاستعادة التمثيل وتعزيز الاستقطاب وتعميق التمثيل الحقيقي للطبقة العاملة دون التعبير قولاً وفعلاً وتنظيماً وسلوكاً عن مصالح الطبقة العاملة بالكامل.
استحقاقات كبرى تحتاج إلى تنظيم قوي
إن كفاءة إدارة تنظيمنا النقابي للمرحلة الانتقالية وانفتاحه على القوى العمالية والمجتمعية والسياسية سيجعله يستفيد ومن ورائه الطبقة العاملة بأسرها من المرحلة بامتياز، ويستثمرها أعظم استثمار في بناء بنيته وبرنامجه ودوره وسيدخل الحياة السياسية القادمة من أوسع الأبواب وأفضل حال، وسيوفر على نفسه الوقت من خلال نقل تجربته الديمقراطية والنضالية في المرحلة الانتقالية وسيكون أكثر نضجاً في المراحل القادمة المليئة بالمعارك الطبقية على النهج الاقتصادي ونمط توزيع الثروة وحصة الأجور من الدخل الوطني والدستور والقوانين وغيرها الكثير من الجوانب التي تحتاج إلى عقل مدبر وعضلات مفتولة فرأس المال الساعي إلى الربح والمكاسب ليس بالخصم السهل وإن تمكن من «شد اللحاف لعندو» فلن تنال الطبقة العاملة من الحقوق والأجور والمشاركة بالقرار إلا ما يتصدق به الآخرون وحينها لن ينفع التبرير والتسويف ولا حتى الاعتراف بالعجز والفشل، فلا خيار أمام العمال والنقابات إلا البدء منذ اليوم بالعمل لما هو آتٍ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1228