من جديد «ضبوا الشناتي»
عادت مقولة «ضبوا الشناتي» لتكون على لسان عمال القطاع الخاص بعد شهر من أفول الظاهرة مؤقتاً. فآلاف الشباب «الطافشين» الذين نووا على السفر، كانوا قد ألغوا هذه الفكرة بعد سقوط السلطة، وفركوا كفوفهم وتجهّزوا واعِدين أنفسَهم بانفراجاتٍ كبرى، برغيد العيش والاستقرار، وما هي إلّا أسابيع قليلة حتى عادت مشاريع السفر لتكون الشُّغل الشاغل، والحديث الأكثر تداولاً، في مجتمع زادت فيه البطالة لدرجاتٍ غير مسبوقة، دون أيّ وضوح لأفقٍ أو مستقبلٍ يجعل من الانتظار أحدَ الحلول.
آلاف المنشآت والمعامل والورش توقّفت بشكلٍ كامل أو جزئي، أضف عليها توقفات كبيرة في القطاع الخدمي والمهني، والذي أدى لخسارة مئات الألوف من العاملين لعملهم وانقطاع أرزاقهم، مما جعلهم بأزمة تضاف لأزمتهم السابقة، ويبحثون عن حلول حتى وإن كانت مؤقتة؛ فبعضهم توجّه للعمل كسائقي سيارات الأجرة والميكرو باص بيوميّة لا تكاد تكفي مصروفاً شخصياً، في حين توجه البعض للعمل على بسطات تعود ملكيتها لحيتانها، المليئين برأس المال القادر على التمويل ودفع التكاليف، ورضي البعض ببسطة صغيرة للدخان أو الخبز أو غير ذلك، مما يقدرون على تمويلها به ببضع آلاف من الليرات، أمّا المهنيون والحرفيون في قطاع الموبيليا والمعادن والبناء فكانت خيارتهم أصعب، نظراً للسكتة القلبية التي أصابت قطاعاتهم، وأصابت العاملين بها، وهؤلاء تحديداً الأكثر رغبة بالسفر، بحثاً عن فرصة تؤمّن الحد الأدنى من معيشة عائلاتهم التي تعيش تحت الحرمان المديد.
ضباب وفوضى وغياب الحلول
ضبابية المشهد لما ستذهب إليه الأمور في البلاد وخاصة من الناحية الاقتصادية شكّل العامل الأساس بالعودة لطروحات السفر، كونه شكل خياراً وحيداً في الوقت الراهن رغم كل التصريحات الإعلامية التي تخرج من المسؤولين، أو حتى رجال الأعمال الذين يظهرون على مواقع التواصل الاجتماعي معلنين رغبتهم بالاستثمار وفتح المشاريع العملاقة، سواء كانت صناعية أو تجارية أو عقارية أو خدمية، ولكن ذلك ليس له تأثير على قرار الراغبين بالسفر، كونهم يقرؤون الواقع بشكل موضوعي، ويعلمون من خلال يومياتهم حجم الضبابية وانعدام الأفق، فجملة القرارات الحكومية الخاصة بالتسريح والفصل بالقطاع العام وكمية البضائع المستوردة التي أغرقت الأسواق وأفقدت المنتج المحلي نقاط قوته، إضافة لقرار عشرات الصناعيين بالتوقف لدراسة الوضع والكلف الجديدة، وآلية المنافسة وغيرها، تؤكد على فوضى المشهد وانعدام الرؤى القادمة، ولن يكفي هؤلاء المعطلين عن أعمالهم شعارات وتصريحات ووعود.
صمود بأمعاء خاوية
نسمع بشكل مستمر عن اجتماعات حكومية مع الصناعيين والتجار والفاعليات الاقتصادية الوازنة في البلاد، ونرى كذلك ندوات وتقارير إعلامية عربية وغربية تتحدّث عن الشأن الاقتصادي السوري، دون أن نعلم بطريقة أو بأخرى ما هو النهج المراد السير به، رغم وجود قاسم مشترك أكبر بين كل ذلك؛ وهو التركيز على السوق الحرّ والخصخصة، والذي يتناقض مع الحديث في الوقت نفسه عن حماية الصناعة والزراعة والمنتج السوري، وكذلك تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الخام. وهذه «الخلطة العجيبة» من المقولات مجتمعةً تحتاج لبرمجة، لعلَّنا نفهم من الأمر شيئاً، فتلك عناوين تبقى عناوين بالنسبة للعمّال، وتحتاج لمن يحوّلها إلى برامج محدّدة وواضحة، هذا إذا كان ذلك أصلاً من اختصاص الحكومة الحالية ودورها، وتتناسب مع قدراتها وصلاحياتها. وبانتظار تطور سياسي محتمل قادم ينقلنا لمرحلة جديدة تخطط وتُمَنهِج، لا بد من إجراءات إسعافية مؤقتة تحافظ على الحد الأدنى من دوران الاقتصاد المحلي من جهة، وعلى الكوادر البشرية العاملة من جهة أخرى، فأيّ تفريط قادم بالعمال لا يمكن تعويضه لاحقاً، وستضاف لخسائر سابقة تساوي ثروات بلاد بأكملها، فهل من الصعب على المسؤولين إيجاد حلول مؤقتة كهذه توقف التدهور المستمر للاقتصاد وقواه المجتمعية؟ وهل يراهن أحد على صمود هؤلاء بأمعاء خاوية؟ وإلى متى؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1215