العمّال سيستعيدون نقاباتهم

العمّال سيستعيدون نقاباتهم

ربّما لا يخالفنا أحدٌ الرأيَ أنّ النقابات خلال حياة السلطة الفارَّة كانت عاجزةً عن إنجاز أيٍّ من المهام اليوميّة أو الاستراتيجية، في ظل التردّي المزري للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، نتيجة السياسات الليبرالية التي انتهجتها السلطة الفارّة بشكلٍ واضح وصريح، وأنتجت المزيد من قوى النهب والفساد من بداية هذا القرن. وهذا العجز لم يكن وليد هذه المرحلة الاقتصادية والسياسية فحسب، بل هي مَسيرةٌ من التراجعات الطّويلة السابقة منذ سبعينيّات القرن الماضي، حتى أصبحت أصناماً يُقدَّمُ لها الطاعةُ والولاء، حتى صار رفع الصوت أو الغمز باتجاه السلطة التنفيذية قد يجلب المُساءلة في أحسن الأحوال.

النقابات العمالية هي التي تَجمَع العمّال باختلاف انتماءاتهم ومهنهم دون تمييز، من أجل الدفاع عن مصالحهم وتحقيق مطالبهم وحماية مكاسبهم، ومن أجل أن تكون الأجور كافية لمعيشتهم هم وأسرهم، والتعبير عن إرادتهم وتحسين شروط وظروف العمل. حيث وُجِدَت النقاباتُ نتيجة نضالات العمّال من خلال معاركهم ضد المستغلّين من أجل تحسين ظروف وشروط العمل، والحدّ من أساليب وطرق النهب والاستغلال التي تمارَس على العاملين.
وقد عانى التنظيم النقابي من قصور في سياساته وبرنامجه الكفاحي نحو حقوق الطبقة العاملة، كما ذكرنا آنفاً بسبب وجود قيادة سياسيّة منفردة ومتحكّمة في النقابات، ونتيجة ضعف الأدوات والوسائل المختلفة التي فقدتها خلال العقود السابقة، فساهمت في انخفاض الروح المعنوية للطبقة العاملة، وانخفاض مستوى الوعي الجماعي لديها، كما تم إضعاف ذلك التنظيم النقابي لدرجة أن قيادة هذا التنظيم تخلّتْ عن مسؤولياتها كافّة إزاء مَن تمثّلهم، وسقطت مع سقوط السلطة التنفيذية، كما تتساقط أوراق الخريف.
ولهذا ينبغي أنّ تعي الطبقة العاملة، وهي تعي ذلك، أهمية العودة لإنتاج قاعدتها الأساسية من ممثّليها عبر انتخابات حقيقية ونزيهة، واختيار العمّال لممثّليهم بشكل ديمقراطيّ حقيقيّ دون وصاية من أحد. فإنّ مصلحتها تكمن في استعادة العمل النقابي المستند إلى برنامج يعبّر عن مصالح الطبقة العاملة أوّلاً، واستعادة مكانتها في الحياة اليومية للعاملين بأجر أيّاً كان موقعهم. فدور النقابات الأساسي هو الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وحماية حقوقها، ويعتبر هذا المحدَّدَ لبرامجها وأهدافها. فالمرحلة المقبلة من حياة البلاد تتطلب إنتاج تنظيم نقابي يكون لديه ذلك البرنامج الذي يعتمد بشكل أساسي على مصلحة الطبقة العاملة في حماية حقوقها كافّة، وبالأخص الأجر العادل الذي يعتمد أساساً له مستوى تكاليف المعيشة، وأنْ يتسلّح بأدوات نضالية حقيقية مختلفة وبعيدة كل البعد عن تلك الأساليب التي أضعفته، حيث لديه فرصة مهمة اليوم، لمواجهة منظومة السياسات الليبرالية مواجهةً شاملة، لأن هذه السياسات الاقتصادية هي التي أنهكت المجتمع ككلّ، وأصابتْ كلَّ بيتٍ وعائلة من المنتِجين والمُفقَرين، ممّا انعكس ذلك على صحّتها وتعليمها ومستقبل أولادها، وعلى قوتها اليومي ومعيشتها. وينبغي على التنظيم النقابي القَطْعُ مع أيِّ شكلٍ من أشكال المُهادنة مع أيِّ نظامٍ قادم في قضايا وحقوق العاملين بأجر، وحرّية النقابات في تنظيم نفسها، واختيار قيادتها دون وصاية من أيّ جهة كانت في السلطة التنفيذية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211