قانون العمل غير دستوريّ وغير مُنصِف

قانون العمل غير دستوريّ وغير مُنصِف

تتجه الحكومة عبر تحويل الدعم إلى دعم نقدي إلى إلغاء الدعم تدريجياً، وهو ما يعني مزيداً من الإفقار لذوي الدخل المحدود وأصحاب الأجور. كما تترافق سياسة إلغاء الدعم مع رفعٍ مستمر لكافة الخدمات الحكومية من صحة وتعليم وكهرباء ومياه، رغم تراجع هذه الخدمات أو فقدانها في مختلف الأحوال، بينما تبقى الأجور ثابتة دون تحريكها لتعويض أصحاب الأجور عن إلغاء الدعم، مع العلم أن الدعم هو تعويض عن عجز الأجور لتأمين متطلبات المعيشة، وإلغاءه يعني أنه يجب أن يترافق مع زيادة أجور حقيقية تؤمن الحد الأدنى لمستوى المعيشة ووفق ما نصَّ عليه الدستور.

يُفترض أن تكون أهمّ أهداف قانون العمل، لكي يدفع بعلاقات الإنتاج إلى الأمام، بناء علاقات عمل متوازنة تؤمّن حقوق طرفي العلاقة، وليس أنْ يهدف قانون العمل إلى تكبيل العمال وفرض قوانين مجحفة بحقهم تدفعهم دفعاً نحو الاستغلال والخضوع لرغبات ربّ العمل دون مقاومة، واعتبار ذلك محفزاً للاستثمار! هذه هي الحال مع قوانين العمل في سورية.
فقد صدر قانون العمل رقم 17 عام 2010 وجاء ضمن سياق تعديل البنية التشريعية للقوانين بما يتناسب والسياسات الاقتصادية الليبرالية التي بدأت تتسارع في تطبيقها الحكوماتُ السورية المتعاقبة منذ عام 2005، فتم إقرارُ قانون العمل بناءً على التوجهات الحكومية وجاء باعتباره انقلاباً على قوانين العمل التي كان معمولاً بها في سورية سابقاً، وتبنّى الفلسفة التشريعية الجديدة القائمة على الحرية التعاقدية وسلطان مبدأ الإرادة في العقود بعيداً عن أي دور للدولة في التدخل بتنظيم علاقات العمل.
وقد اعتمد المشرّع على استنساخ قوانين العمل في بعض الدول الإقليمية حرفاً ونصاً، دون أي تعديل يراعي فيه طبيعة سوق العمل في سورية وحقوق العمال الأساسية، وجاء بعيداً كل البعد عن اتفاقيات منظمة العمل الدولية، خاصةً تلك المتعلقة بحق الإضراب وحرية التنظيم النقابي وحماية قوة العمل وتأمين حدٍّ أدنى للأجور والرواتب بما يضمنُ مستوى معيشةٍ لائقاً.
وجرى ذلك بالرغم من تغيير الدستور عام 2012 وإقرار دستور جديد ينص بشكل واضح وصريح على بعض أهم الحقوق العمالية، من حق الإضراب واستقلالية النقابات والمنظمات الشعبية وضرورة ربط الأجور بالأسعار وتأمين حدّ أدنى للأجور والرواتب يضمن تأمين متطلبات المعيشة. وقد أعطيت في الدستور مهلةُ ثلاث سنوات لتعديل بقية القوانين بما يتوافق وأحكامه إلّا أن الحكومة إلى الآن لم تعدّل قانون العمل رقم 17 لعام 2010 رغم مرور عشر سنوات على انتهاء المهلة الدستورية.
إنّ الآثار السيّئة لقانون العمل بدأت بالظهور قبل عام 2012 وتغيير الدستور، وعقدت عدة لقاءات نقابية وعمالية وحقوقية ووجهت انتقادات حادة للقانون، خاصةً أنه تسبّب بتسريح مئات الألوف من العمال خلال الأزمة. كما وقامت الحكومة بتعطيل بعض نصوصه المتعلقة بحقوق العمال، ومنها تعطيل المواد المتعلقة بانعقاد اللجنة الوطنية للأجور والرواتب، والتي ظلت حبراً على ورق منذ إقرار القانون، ولم تتم الدعوة لانعقادها وفق الأصول القانونية رغم كل الانخفاض الكبير والكارثي للقوة الشرائية للأجور خلال سنوات الأزمة.
هذا عدا المشاكل التي أثارها التشكيل الثلاثي للمحكمة العمالية وتحويلها لقضاء استثنائي، والتي أدت إلى تأخير الفصل بالقضايا العمالية وتراكمها سنواتٍ أمام المحكمة، وعدم افتتاح محاكم عمالية في بعض المحافظات إضافة إلى العديد من العراقيل القانونية والقضائية التي تواجه العامل أثناء فترة التقاضي.
تتحدث بعض الأوساط النقابية عن نية الحكومة تعديلَ قانون العمل، ولكن مع ذلك ومع الأخذ بعين الاعتبار الإصرار الحكومي على السير بالعقلية نفسها المنخرطة في تطبيق السياسات الليبرالية، فمن المؤكّد أنْ التعديلات الجديدة المقترحة لن تمس بجوهر القانون وستبقى مجرد تعديلات تجميلية خالية من الدسم، وبعيدة كل البعد عن إنصاف العمّال وعن حماية قوة العمل وحماية الإنتاج وبناء علاقات عمل سليمة ومتوازنة تؤمّن حقوق مختلف أطراف العلاقة الإنتاجية دون تعدٍّ على حقوق أي طرف.
ومع ذلك يجب ألّا تتجاوز الحكومة، وقبل كل شيء، نصوص الدستور الجديد لناحية الحقوق العمالية، كما عودتنا في سياساتها. وعلى المقترحات أن تراعي نصوص الدستور نصاً وروحاً وإلا سنقع مرة أخرى أمام قانون غير شرعي وغير دستوري ويفتح الباب واسعاً أمام تعطيل القضاء والمحكمة العمالية، لأنه سيتصدى لنصوص غير دستورية ويمتنع عن تطبيقها حسب صلاحياته، وسنكون أمام علاقات عمل فاشلة لن تدفع بعجلة الإنتاج إلى الأمام، بل سنكون أمام قانون يضع العراقيل والعقبات في العلاقة العمالية ويؤثر بشكل سلبي على العملية الإنتاجية كما يجري الآن مع القانون الحالي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183