تنظيم قوى العمّال خطوة لا بدّ منها

تنظيم قوى العمّال خطوة لا بدّ منها

إيجاد الحل لقضية تدنّي الأجور والرواتب، وتطبيق اتفاقيات منظمة العمل الدولية الخاصة بالحريات النقابية، والاعتراف بحق الاضراب، وضمان استقلالية النقابات، لن تكون باستجداء الحكومة أو حتى بالحوار أو من خلال تعديل القوانين، كما تروّج وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

فالدستور عام 2012 نصّ على ضمان استقلالية النقابات وعلى حقّ الإضراب، ومع ذلك ضربت الحكومة بالدستور عرض الحائط، وسارت على منوال الدستور السابق. وجميع الأساليب السابقة من حوار واجتماعات تمت تجربتها خلال العقود الماضية، ولم تفضِ إلى نتيجة سوى المزيد من التعدّي الحكومي على حقوق العمّال قانونياً، عبر القانون رقم 17 لعام 2010، واقتصادياً من خلال تجميد الأجور، وتنظيمياً ونقابياً من خلال السيطرة على نقابات العمال ومنعها من التعبير عن مصالح أعضائها، ومنعها من إجراء انتخاباتٍ حرّة ونزيهة تضمن إيصال ممثّلين حقيقيين عن العمال.

العمل اليومي المملّ

الحلّ فقط بالتفاف العمّال بعضهم حول بعض، ولمّ شملهم وخوض معركة النضال. أولاً، من خلال تجميع أنفسهم في أماكن العمل، وداخل المعامل والمنشآت، ثمّ ترميم منزلهم من الداخل، عبر تنظيف منظّماتهم النقابية من الضعف الذي فرضته العقود السابقة والترهّل الذي أصابها نتيجة تطبيق المادة الثامنة من الدستور السابق سيّئة الصيت، والتي ما زالت تفعل فعلها نتيجةً لقانون العطالة من جهة والتضييق على الحرّيات من جهة أخرى.

الحوار والنقاش ضروريّان

فأولاً، لا بدّ للعمال من إيصال قادة نقابيين حقيقيين ليكونوا ممثّلين عنهم وليس عليهم. وهذا يتطلّب تنظيمَ صفوف العمال في أماكن العمل كافّة، وتوعيتهم للمطالبة بحقوقهم المشروعة، وخوض الانتخابات النقابية مع كل سلبياتها الحالية، لأنها تكشف القناع عن البعض ممن يتربّص بالعمّال من داخل صفوفهم، وتشكّل فرصةً لفرز وإبراز القادة الحقيقيين ومواجهة تعسُّف أرباب العمل إزاء أدنى المطالب وحتى أكبرها. ومن خلال أحاديث العمّال بعضهم لبعض، والمناقشات التي تجري فيما بينهم، يتلمّسون الحلول لمشكلاتهم. وهذا يتوضّح من خلال العديد من الإضرابات التي تجري في بعض المعامل رغم كلّ ما يتعرّض له العمال من تسريحٍ أو عقوبات أو تهديدات أمنية من قبل ربّ العمل.
بالتأكيد في الظرف الحالي الذي تعيشه البلاد لن يستطيع العمال العمل بحرّية، خاصةً أنّ المهام المفروضة عليهم كبيرةٌ جداً، ولا تتناسب وقواهم في الوقت الحالي. ولكن مع انطلاقة الحلّ السياسي للأزمة السورية، والذي لا مَهرب منه، سيجد العُمّال أنفُسَهُم في مواجهة عدوٍّ منظَّم جدّاً متحكِّم بمعيشتهم، ويجب عليهم أنْ يكونوا منظَّمين ضمن الحدّ الأدنى الذي يمكّنهم من لعب دورٍ حقيقي وفاعل في منظماتهم النقابية، والعمل على استردادها وتحريرها ممّن يهيمن عليها.

النقابات في خطر

فالنقابات رغم ما يعتري عملها في الوقت الحالي، وتحوُّلها إلى عبءٍ على العمّال وأداةٍ بيد المتحكِّمين بها، إلّا أنّها يجب أنْ تبقى المظلّةَ التي تجمع العمال، ومنبراً للدّفاع عن مصالحهم. ومن خلال ترتيب بيتها من الداخل يمكن لها أنْ تلعب دوراً مهمّاً في بداية الحل، وفي مرحلةٍ ما بعد الحل السياسي، لأنّها تعبّر عن مصالح الأغلبية المنهوبة في مواجهة قوى رأس المال والفساد التي باتت متحكّمة بكامل مفاصل الاقتصاد والخدمات الأساسية من كهرباء ومحروقات وطاقة.
هدف قوى الفساد اليوم، وقبل الوصول إلى مرحلة الحلّ السياسي، هو أنْ تحاول جاهدةً تمييعَ عمل نقابات العمال وتحويلها إلى مجرد جمعيات خيرية ومجالس، مهمّتها عقد الاجتماعات فقط والتنظير على الطبقة العاملة، ليصل العمال إلى الانفضاض مِن حولها تمهيداً لتصفيتها نهائياً وتدميرها من الداخل. وبهذا يكونون قد جرّدوا العمّال من فرصة تجميع قواهم مرةً أخرى عبر ضرب المظلّة التي تجمعهم. فالمعركة داخل التنظيم النقابي للمحافظة عليه لا تقلّ أهميةً عن مواجهة قوى الفساد، وإنّ تعزيز مكانة النقابات ضرورةٌ لكلّ العمال.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158