عندما يكون ربُّ العمل متغطرساً...
دعاء دادو دعاء دادو

عندما يكون ربُّ العمل متغطرساً...

الباحثون عن فرص عملٍ في ازدياد مستمرّ، وخاصةً بين فئة الشباب، بسبب الأزمة الاقتصادية الحادّة التي تعصف باقتصادنا الوطني منذ سنوات ما قبل الأزمة. وهي مستمرّة بتصاعدٍ وتسارع كلّما اشتدّ النهبُ والفساد الكبيران المدعومان بسياساتٍ حكومية تجعل تأثيرهما كبيراً على حياة 90% من الشعب السوري، فقراً وتهميشاً وجوعاً وقلّةً في فرص العمل. حيث الأخيرة تجعلُ المنافسةَ بين طالبي العمل على أشدُّها، ولا يهمُّ حجمُ التنازلات التي يمكن أنْ يقدّمها العمالُ لأرباب العمل ما دامت النتيجة الحصولَ على فرصة عمل، حيث يتيح قانون العمل رقم 17 لأرباب العمل فرضَ شروطهم وتحديدَ مطالبهم من العمال الراغبين بالعمل على أساس مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين».
لا شكّ أنّ مُرادَ كل باحث عن فرصة عمل، وخاصةً الفئة الشابّة، في ظل الأزمة الاقتصادية القاسية المفروضة بالإجبار، أنْ يحصل على بيئةِ عملٍ مريحةٍ نوعاً ما، حتى ولو واجهته فيها بعضُ الصعوبات والمشاكل.

فمن الطبيعي أنْ تتواجد بعض الصعوبات في أيّ بيئةِ عمل، ولكنْ عندما تتجاوز الصعوباتُ بعض الخطوط الحمر تصبح بيئة العمل خارجةً عن الحدود الطبيعية، وتفقد جزءاً من الراحة النسبية التي يَنشُدها العمال.

غطرسة أرباب العمل

الوضع الاقتصادي المزري والمنحدر بسرعة نحو الهاوية الذي وصلت إليه البلاد اليوم بسبب طمع وجشع أصحاب النفوس الضعيفة والمستَغِلّين للأزمات الاقتصادية وما تخلّفه من آثارٍ جانبية، كحاجةِ الأفراد المسحوقين لدخولهم لسوق العمل بقطاعه الخاص، بمهنه المختلفة لكون أجورِه أعلى من أجور القطاع العام، خاصةً أصحابَ المهن العريقة (ذوي الأسماء الكبيرة المعروفة في البلاد من أصحاب المهن التاريخية) والمهيمنة على السوق السائدة، والتي استغلّتْ هذه الأزمة وجعلتْ منها سُلَّماً سَهلاً يصعد عليه أبناؤهم، وكقول أحد الأبناء «خلقان وبتمّي جرّة دهب».
فمهنة (البغجاتي أي الحلواني) التي شملت كافةَ أنحاء مدينة دمشق اليوم باسمها العريق - ظهرتْ بـ(زيٍّ جديد) على قياس التوسُّع الحاصل في هذه المهنة، وهي بحاجة لمزيد من العمّال للعمل في هذه المهنة المتشعّبة والمتنوّعة.
وأحد مظاهر غطرسة (الزيِّ الجديد) كما نقله لنا أحدُ العاملين، هو اتّباع ربِّ العمل لمبدأ (فرّقْ تَسُدْ) بين العمال لضمان السيطرة المطلوبة على سير العمل، واتّخاذ ربّ العمل مِن الفتنةِ قطعةَ حلوى يرمي بها إلى فم أكثر العماّل حاجةً، ليخلقَ جوّاً ممزوجاً بالمشاحنات والكره والفوضى بين العمال، مستعيناً بكل عبقريّته السامّة في زعزعة الثقة بينهم تحت مسمى (مكافأة)، لسدّ ثغرات قليلة من تكاليف المعيشة الباهظة.
عدا عن ذلك، فإنّ الأجور المعطاة تُعتَبَر من الأجور التي لا بأس بها مقارنةً مع أجور القطاع الخاصّ بشكل عام، إلّا أنّ الجهد المبذول من العمال لا يتناسب بتاتاً مع الأجور المعطاة لهم، خاصةً في أوقات الأعياد والمناسبات التي تحتاج لبذل جهدٍ مضاعَف من العمال والبقاء لفترات أطول قد تجاوزت في بعض الأحيان ولبعض العمال الـ 12 ساعة عمل دون رحمة أو شفقة، وبمكافأة كـ«حبة تحت اللسان» في نهاية يومهم الشاقّ.
إضافةً لذلك، فإنّ أجور العمل المسائي خالفتْ العرفَ في قانون العمل، لأنّها تساوتْ مع أجور العمل الصباحي. ومع كلّ هذا وذاك، فإنّ الطاعةَ العمياء هي القانون الوحيد الذي يجب الالتزام به، ليضمن العامل بقاءه وعدم تسريحه الإجباريّ بأيّ شكلٍ من الأشكال المتَّبعة المترافقة بالإهانة، ولو كانت هذه الطاعة بأمورٍ لا تتناسب مع أخلاق ومبادئ المهنة كأيّ عاملٍ آخر في قطاعٍ خاصٍّ مماثل.
فيمكن لأيّ عامل أنْ يكون الطّفلَ الوديع، وقد تُغفَر أخطاؤه كلّها لمجرد أنه أطاع نرجسيةَ (الزيِّ الجديد) متجاوزاً لتحقيق رغباته حدودَ الإنسانية والأخلاق بين العمال، ليتطاول على عامل آخر ويشتمه بالألفاظ النابية ويضربه لينال شرف محبّة ربّ العمل الذي أخذ يقهقه ضاحكاً بخبث، باخّاً سُمَّ نظراته الممزوجة بتقلّب مزاجه كالأفعى المنتصرة على فريستها حين تمّ طرده من العمل.

مستثمرون ولكن!!

حال (الزيِّ الجديد) كحال أيّ رأسماليٍّ يريد توسيع رقعة عمله وزيادة نفوذه وعددَ شركائه بأيِّ شكلٍ من أشكال الترغيب، ومدّ يد العون لهم مستقوياً باستناد سلّمه على حائطٍ متين، أساسُه جرّة الذهب المخلوقة أصولاً في فمه، والتي يتمكّن من خلالها من فرض شروطه على من يريد الدخول معه في دهاليز الشراكة المهنيّة. علاوةً على ذلك، فإنّ حُبّ (الزيِّ الجديد) لجني الكثير والكثير من الأموال وتعبئة جيوبه لم تسمح له بوضع ثقته بأيِّ مستثمِرٍ حتى وإنْ كان هناك عقدُ استثمارٍ بينهم يضمن حقَّه من الطرف الآخر (المستثمِر).
فلذلك لجأ لأساليبَ ملتوية لا أخلاقية متجاوزاً صلاحياته متّبعاً أسلوبَه الفظّ الذي قام باتّباعه بين عمّاله، محاولاً نشر الفتن وجذب عمّالِ المستثمِرين لديه ولصفّه - بإغراءاته الوضيعة تحت مسمى (المكافأة شهرية) - حيث تتناسب هذه المكافأة حسب قوله طرداً مع تجاوب بعضهم مع الألاعيب التي تكون سائدةً بين أطراف الشركة الواحدة ليحوز بالنهاية على الحصّةِ الأكبر من الأرباح والعددِ الأكبر من العمّال الذين استدرجهم لصفّه تحت ضغط حاجتهم، وكما يقول المثل «فخّار يكسّر بعضه» بين الشركاء.
لقد انعكست هذه الأساليبُ الوضيعة سَلباً بتشويه الاسم العريق الذي أخذ وقتاً طويلاً وعمراً مديداً من الآباء وربما الأجداد، حتى تكوَّن الاسمُ المهنيّ لصناعة الحلواني أو «البغجاتي».
وأخيراً وليس آخراً، هذه الأساليب المتّبعة هي أساليب شاذّة عن العرف في بيئة العمل، وبالتأكيد فإنها لا تمثّل الشريحةَ الكبرى من القطاع الخاصّ، إلا أنها لم توجد إلّا لدى رأسماليين ضعافِ النفوس - منعدمي المبادئ والأخلاق، عبَدَة القِرش، المتكبرين أصحاب كلمة «أنا فلان ابن فلان»...
وفي النهاية لم تعدْ لقمة عيش العامل الذي يعيش في هذه البيئة مغمَّسةً بالدّم فقط، بل أصبحت غارقة بذُلّه وإهانته، متشرّبةً باستعباده واستغلاله من قبل كبار أرباب العمل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158