المؤتمرات النقابية إلى أين؟

المؤتمرات النقابية إلى أين؟

العمل هو أساس الحياة وجوهرها، والعمال هم إحدى الركائز الأساسية لاستمرار الحياة في المجتمعات وتقدمها. مع صدور هذا العدد، تكون قد انطلقت المؤتمرات السنوية المعتادة للنقابات العمالية في اتحاد عمال دمشق، التي تناقش فيها تقاريرها المقدمة أمام هذه المؤتمرات، ومن المفترض أن تكون قد شملت هموم ومشاكل الطبقة العاملة، على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والنقابية، وفي مجال تقديم الخدمات الاجتماعية، وفي التشريعات.. من قوانين عمل نافذة وغيرها من القوانين، كقانون التأمينات الاجتماعية، وقانون التنظيم النقابي، وقضايا مهنية تتعلق بكل مهنة، إن كانت شاقة أو خطرة، والأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية، والتي يتجاهلها أرباب العمل، سواء في الدولة أو في القطاع الخاص. أما القضايا الاقتصادية والمعيشية، فهي تبدأ بالقضية الأساسية للعمال، والتي ترتبط بحياة ومعيشة العمال ومستقبلهم ومستقبل أسرهم، ألا وهي الأجور.

أما نجاح هذه المؤتمرات من عدمه، فهو مرتبط بمدى تحقيقه لمصالح ومطالب العمال المختلفة، وفي المقدمة منها الأجور، التي يجب أن تؤمن مستوى معيشياً للعامل، يحقق فيه كرامته. وهذه إحدى أهم مبررات وجود النقابات التي ظهرت على أساسها، بما فيها توعية العمال بحقوقهم. إذاً، المؤتمرات العمالية السنوية- ونحن على أعتاب بداية دورة جديدة للاتحاد العام لنقابات العمال- هي محطات مراجعة وتقويم لما أنجزته النقابات، ووقفة مع الذات في هذه المرحلة الحرجة، لمعالجة السلبيات والنواقص لتلافيها، وتحتاج الحركة النقابية إلى بذل المزيد من العمل الدؤوب والمثابرة والمتابعة اليومية الميدانية لجميع قضايا العمل والعمال.
وعلى النقابات تمثيل العمال تمثيلاً حقيقياً، في الدفاع عنهم، وعن العمل، لحل كافة القضايا التي تواجههم في مكان العمل، والعمل على حلها، باعتبار أن النقابات العمالية هي صوت وممثل العمال، ويجب أن تقوم بكافة أشكال الضغط على أرباب العمل، سواء الدولة أو غيرها، بكل الأدوات النضالية، من أجل تحصيل حقوق العمال، بما فيها حقّ الإضراب. واليوم، عبر هذه المؤتمرات، هل ستظهر قوة النقابات الرادعة لقوى النهب والفساد، ولهذه السياسات الاقتصادية التي تمضي فيها الحكومة، الضاربة عرض الحائط بمصالح أكثر من 90% من الشعب السوري. واتخاذ ذلك الموقف الذي لا لبس فيه اتجاه قضايا وحقوق الطبقة العاملة المتعلقة بالأجور والرواتب، والمشاكل في بيئة العمل، من الأمن الصناعي والسلامة والصحة المهنية، والحق بالرعاية الصحية، والتأمين الصحي، والحماية الاجتماعية، بتشميل كافة العمال بمظلة التأمينات الاجتماعية، وخاصة عمال القطاع الخاص، وتحسين ظروف وشروط العمل، بما يتوافق مع معايير العمل اللائق. إن تحقيق التوازن في علاقات العمل بين العمال وأرباب العمل، يتطلب من النقابات تبديل تلك الأساليب والأشكال المتبعة التي تعتمد في جوهرها على إيداع المذكرات والكتب والانتظار، ثم الانتظار الذي ما زال سيد الموقف لدى النقابات. إن أشكال الكفاح وأدواته معروفة لدى العمال والنقابيين المناضلين، وهي تساهم في تطور المجتمع ورفع وعي الطبقة العاملة، ويعزز قوة الحركة النقابية، ويطور قدرتها على التأثير في النضال الذي يلبي مصالح وقضايا العمال، بما يؤمن كرامتهم في العمل. حيث ما زالت لديها الفرصة. فهل تستطيع فعل ذلك؟ وهي تستطيع إذا امتلكت الإرادة واستقلالية قرارها. في هذه المؤتمرات لكل نقابة لها مطالبها وأولوياتها، وهي الأقدر على التعبير عنها، حيث كل مهنة لها توصيفها وهمومها ومشاكلها، وتختلف عن المهن الأخرى، حسب طبيعة عملها والمخاطر التي تحيط بهذا العمل، ولها مطالبها ومسؤوليتها الخاصة بهذا الخصوص، وهذا يحتاج لخطط تضعها النقابات لاستمرار التواصل مع القواعد العمالية في أماكن عملها، لتوسيع قاعدتها وزيادة عدد أعضاء المنتسبين إليها، وبالأخص منهم، عمال القطاع الخاص الذين أصبحوا أكثر عدداً بعد تدمير قطاع الدولة. وهذه الخصوصية تلتقي مع الهدف العام وكفاح الحركة النقابية العام، فالعمل النقابي يقوم على مجموعة تلك المطالب والمصالح والحقوق لهؤلاء العمال في هذه المهن المتنوعة. إن استمرار الصمت اتجاه هذا الواقع الذي وصلت إليه الطبقة العاملة، وتبرير السياسات والإجراءات التي تمارسها الحكومة، له آثار وتداعيات وانعكاسات تشكل خطراً حقيقياً على استقرار المجتمع وأمنه الاجتماعي والاقتصادي، ويهدد مستقبل البلاد.
ويبقى السؤال قائما:
هل ستستطيع النقابات العمالية أن تطور أدوات عملها النقابي؟ وهل مطالبة الجهات المعنية من خلال الكتب والمذكرات كافية لوحدها أن تحقق ما يريده العاملون بأجر، وتعطي النقابات القدرة والفعل؟ لا أعتقد ذلك، فنحن بحاجة وضرورة ملحة إلى ترجمة ميدانية وإلى أفعال. العمل النقابي العمالي لا يعرف إلّا العمل والنضال والكفاح.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158