عمالة الأطفال والنساء: بين مطرقة القوانين ورحى أرباب العمل!

عمالة الأطفال والنساء: بين مطرقة القوانين ورحى أرباب العمل!

يعتمد القطاع الخاص في معظمه على تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وعلى العنصر النسائي في المعامل وفي المشاغل الصغيرة المنتشرة بكثرة في الأرياف وأطراف المدن الرئيسية، وقانون العمل رقم 17 قد أجاز تشغيل الأطفال من سن الـ 15 عاماً، وفق شروط محددة، أشار إليها بالمواد المتعلقة بتشغيل الأطفال.

الاعتماد على هذا النوع من العمالة له أسبابه الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت بأعداد كبيرة من الأطفال والنساء للقبول بالعمل، وفق شروط المشغلين، ووفق العقد شريعة المتعاقدين.
من وجهة نظر أرباب العمل، التي مقياسها الأساسي تحقيق أعلى نسبة من الأرباح بأقل كلفة، وحتى يتحقق ذلك لا بد من أن تكون الأجور المدفوعة للعمال أقل من الحد الأدنى للأجور، ولا يلتزِم أرباب العمل بتسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية، أي إن هؤلاء العمال غير خاضعين لقوانين العمل المعمول بها، والتي تُلزم أرباب العمل بتأمين حقوق العمال، ولكن ذلك لا يحدث، ومبرر العاملات والأطفال في العمل، هو الوضع المعيشي المزري الذي وصل إليه شعبنا بغالبيته العظمى.
إن معاناة العمال في هذه المنشآت كبيرة، وتبدأ من ساعات العمل التي تتجاوز الـ12 ساعة عمل باليوم، ولا تنتهي بالتحرشات التي تتعرض لها العاملات، مستغلين حاجتهنّ للعمل، نتيجة الأوضاع المعيشية المتدنية وارتفاع الأسعار، وصولاً إلى شروط العمل القاسية في الورشات والأقبية، حيث الرطوبة العالية والتهوية السيئة، ما يتسبب بإصابة العمال بالأمراض الصدرية والروماتيزم وغيرها من الأمراض، التي تحتاج إلى علاج متواصل وبتكاليف باهظة، لا يعترف رب العمل بمسؤوليته عنها باعتباره متحرراً من مسؤولياته تجاه العمال، ولا أحد يلزمه بتطبيق القوانين التي توجب تقديم الرعاية الصحية للعمال المرضى، والأسوأ من ذلك، عند إصابة العامل إصابة عمل تكون أحياناً مؤثرة، وتسبب إعاقة للعامل المصاب، فيكون مصيره في هذه الحالة التسريح مقابل بعض التعويض، إن كان رب العمل (قلبه لله) كما يقولون، وفي الغالب لا يدفع رب العمل أية تعويضات تذكر، فتكون خسارة العامل كبيرة، فلا هو قادر على العمل مرة أخرى، ولا يوجد ما يعيله وأطفاله في مثل هذه الظروف الصعبة.
فمن المسؤول عن حماية العمال وتأمين حقوقهم المنهوبة؟ وزارة العمل أم النقابات؟ أم كلاهما؟
في المؤتمرات المنعقدة في جنيف لمنظمة العمل الدولية، والتي تتم بحضور مندوبين عن النقابات والحكومات وأرباب العمل، يكون البند الرئيسي الذي يجرى حوله نقاش موسع ومطول، هو عمالة الأطفال، وما يتعرضون له من مخاطر جسدية ونفسية نتيجة الإجهاد الحاصل بسبب العمالة المبكرة، وفي بلادنا يسود مثل هذا النوع من العمل، حيث كثر في الآونة الأخيرة التسرب من المدارس، وخروج الأطفال إلى العمل تحت ضغط الظروف المعيشية لأهالي الأطفال، بحيث أصبحوا هم من يعيلون عائلاتهم، أو يساهمون بقسط أساسي في ذلك، ما يحملهم أعباء كثيرة في هذه السن المبكرة، ويعرضهم لمخاطر اجتماعية وأخلاقية هم في غنى عنها، لو تم تأمين الرعاية الاجتماعية والصحية الكافية لهم، والتي تقيهم شر العمل المبكر.
إن النقابات تتحمل قسطاً هاماً من المسؤولية في حماية الأطفال من العمل المبكر في المعامل والورش، من خلال النضال العام الذي من المفترض أن تخوضه الحركة النقابية في رفع الحد الأدنى للأجور، وتأمين أجور عادلة للعمال، وفق سلم متحرك مع الأسعار المشتعلة مع كل هبّة في سعر الدولار.
تأمين حقوق العمال والدفاع عنها، وزيادة الأجور الحقيقية، والعمل على الحد من ظاهرة الفقر والبطالة التي تتعاظم يوماً بعد يوم، نتيجةً للسياسات الحكومية التي زادت ذوي الدخل المحدود فقراً، وزادت الأغنياء غنىً، هذا بعض ما جاء في التقارير النقابية، أو في مداخلات النقابيين في اجتماعاتهم الكثيرة أمام الحكومة أو منفردين، ولا ندري إن كانوا متمسكين بقولهم هذا، ومدافعين عن قضايا العمال، أم أن كلام النهار يمحوه الليل، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1149