تغييب العامل الاقتصادي عمداً
لطالما كان العامل الاقتصادي هو الأساس في تقدم البلدان وازدهارها وهو محرك الشعوب لأنه يتصل بأبسط تفاصيل حياتهم ومعيشتهم، ومن هنا تلجأ الدول الاستعمارية للعقوبات الاقتصادية كسلاح لتدمير الشعوب، لمعرفتها بأهمية الاقتصاد في تقدم الشعوب وتراجعها، ومن دون تغيير اقتصادي جذري لم يكتب التاريخ لأي حركة أو حراك شعبي النجاح، وأقرب التجارب هو ما حصل في البلدان العربية، مثل: مصر وتونس والسودان، حيث بقيت السياسات الاقتصادية نفسها وأوصلت هذه البلدان إلى أزمات لاحقة أشد خطورة.
تجارب سابقة مازلنا نعاني من أثارها
الليبرالية الاقتصادية التي طبقت في سورية منذ عام 2005 كانت العامل الأهم في تفجر الأوضاع عام 2011 حيث ارتفعت نسب الفقر والبطالة، وانخفض الناتج المحلي الحقيقي (على عكس الحسابات المضخمة الليبرالية) وانحصرت الثروة في أيد قلة قليلة، ولكن ومن خلال التدخل الخارجي والقمع الكبير الذي تعرض له الحراك الشعبي، انحرف الحراك عن مساره، وركبت موجته جهات تحمل مشاريع خارجية معادية، ولأن الحراك الشعبي لا بد أن يتجدد حتى ينجز المهمة الأساسية التي دفعته للخروج، فها هي وبعد عقدٍ من الحرب والتدخلات الخارجية واستمرار السياسات الاقتصادية نفسها، بدأت ملامح موجة جديدة، كان للعامل الاقتصادي -من خلال إجراءات رفع الدعم، وارتفاع أسعار المحروقات- أثر كبير في انطلاقتها.
ولكن كالعادة، هناك جهات عديدة تحاول ركوب الموجة الجديدة من الحركة الشعبية حيث تنشر آلاف المقالات والتحليلات وعلى مختلف وسائل الإعلام المحلية والخارجية من صحف ومجلات وتلفاز وراديو، وعبر ملايين الفيديوهات والبث المباشر الذي يبث يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي، وجميعهم مؤيدون أم معارضون للحراك هدفهم ليس فقط ركوب الموجة.. بل وحجب مطالبها الأساسية، وتمييع الأسباب الحقيقية وراء انطلاقتها من جديد، وجميعهم مصرون على تبرئة العامل الاقتصادي، ويقومون بالتغطية عليه، مرة عن طريق طرح شعاراتهم البالية، أو عبر بث سمومهم الطائفية، أو من خلال الحديث عن فيدرالية.. ومن خلال طرح ما يعتبرونه حلولاً من نمط «إدارة ذاتية» وما شابه، أو محاولات تشويه الحراك وإظهاره بأنه ستار لمؤامرة ما تحاك ضد الوطن، كما يروج البعض في الداخل.
التلاعب بعقول الناس
بعض الشخصيات التي تدعي حرصها على الحراك، تخرج لتروج لأفكارها من خلال إيهام الجماهير بأنها تملك معلومات خاصة بهم، وصلتها مع جهات داخلية، ومعلومات من قوى دولية، عن حقيقة الوضع في مناطق التظاهر، وما يرسم لها، وهم أنفسهم لم يتكلموا كلمة واحدة، ولم تصلهم أي معلومة بخصوص الإضرابات التي حصلت وتحصل في المعامل والمنشآت، ولم يتطرقوا لها، ولا للحديث عنها، وعن أسبابها، ولم يتحدثوا يوماً عن مستوى الأجور والرواتب، وعن السياسات الليبرالية التي أفقرت السوريين، وعن سياسات رفع الدعم، وخصخصة القطاع العام، وهم إن تحدثوا عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية، يتحدثون من باب الشماتة، مرجعين- كما أشباههم في النظام- تردي الأوضاع الاقتصادية للعقوبات الدولية، والحصار فقط من باب التأييد لها، معتبرين كل من بقي في الداخل من الشعب هم من المؤيدين، طبعاً هذا ليس غريباً عنهم في تصنيفهم للسوريين على هذه الأسس الرديئة والسخيفة، نظراً لحصر عقولهم بتصنيف مؤيد معارض/ شبيح ومندس، فمن يصنف شعبه هكذا من الطبيعي ألّا يسأل عن معيشتهم وحياتهم وكرامتهم، بل جل ما يهمه ويسعى إليه، هو أن يسقط شهداء، ويعود حمام الدم مرة أخرى إلى الساحات، عسى أن تتحقق أمنياته البائدة بتدخل خارجي على غرار السيناريو العراقي والليبي، رغم أن الزمن مضى، والتوازنات الدولية تغيرت، إلا أن عقولهم لم تستوعب بعد هذه التغييرات، وما زالت تعيش في فضائها السياسي القديم، حيث أمريكا هي الرب المخلص للشعوب عبر صواريخها التي تسقط على رؤوس المدنيين.
معاناة واحدة
الرد على هؤلاء يأتي تباعاً من كل المناطق السورية، سواء من السويداء أو درعا أو مؤخراً الجزيرة السورية التي خرج فيها المواطنون احتجاجاً على رفع أسعار المحروقات، لتؤكد الوقائع أن الفقر والغلاء وتردي الأوضاع المعيشية يجمع بين السوريين في جميع مناطق النفوذ، وجميعهم يعانون من الإجراءات الاقتصادية المتشابهة لكل الجهات المسيطرة، وأنه لا يمكن الفصل بين السياسي والاقتصادي، فالأحوال المعيشية والعامل الاقتصادي الضاغط هو الذي يدفع المواطن للاعتراض، ومن خلال التعبير عن أوجاعه، يعبر عن الأمراض التي أصابت وطنه فكرامة المواطن من كرامة الوطن وسلامته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1141