خطورة هذه الأجور على المجتمع
الأجر بالنسبة للعامل ليس مجرد أجر على تعبه وعمله فقط، فهذه النظرة الاقتصادية قاصرة جداً عن تعريف آخر، فالآجر يعتبر بالنسبة للعامل محور حياته واستقرارها وأمانها وعلى أساسه يتحدد مستقبله وشيخوخته أيضاً، والأجر يتحكم بعاداته وتصرفاته وأخلاقه، لأن الوضع المادي لأي إنسان هو الذي يحدد حياته وسلوكه وعلاقاته، لذا غالبية دول العالم حددت الحد الأدنى للأجر بحيث يستطيع أن يؤمن للعامل مستوىً لائقاً من المعيشة، وهذا لم يكن سوى ثمرة نضال أممي للعمال ومنظماتهم في مختلف دول العالم الرأسمالية والتي اضطرت لتأمين عن بعض الحقوق الطبيعية للعمال تحت ضغط انتشار الأفكار الاشتراكية في القرن الماضي.
فالتحرر الاقتصادي هو البوابة للتخلص من التبعية أياً كان شكلها أبوية أو أسرية، فمن خلال الأجر يستطيع العامل أن يبني حياته ويتخذ قراراته الخاصة ويكوّن أسرته الخاصة به ويمتلك مسكناً مستقلاً، وربما من الأهم في فرص العمل أنها يجب أن تؤمن الطمأنينة والاستقرار للعامل ليبدأ ويمارس حياته الطبيعية من دون خوف.
وكلّما زاد أجر العامل زاد استهلاكه من بضائع ومواد غذائية وأساسية وزادت مساحة الراحة له حيث يسمح له راتبه بالتنزه والسياحة وبالتالي تدور عجلة الإنتاج بمختلف قطاعاتها لتغطي مستويات الاستهلاك.
واجتماعياً يؤمن الأجر المحترم كرامة الإنسان في مجتمعه وفي محيطه دون أن يشعر بالنقص والخجل من غيره وبالتالي تتعزز ثقته بنفسه ويتحول إلى عنصر فاعل في المجتمع يستطيع تتبع مشكلاته والاهتمام بالشأن العام وممارسة حياته الطبيعية، عدا أنه يستطيع من خلال أجره المحترم وضمن 8 ساعات عمل يومية فقط تربية أبنائه والتفرغ لهم وتربيتهم تربية صحية دون أن يكون مضطراً للعمل ليلاً ونهاراً لتأمين لقمتهم دون أن يستطيع متابعة أمورهم أو حتى رؤيتهم مما يشكل هوة بينه وبين أبنائه.
كما أن حصول العامل على أجره كاملاً بشكل يؤمن احتياجاته الأساسية وغيرها يشكل حاجزاً بوجه انتشار الفساد والمحسوبيات، خاصة في المؤسسات الحكومية التي تقدم خدمات مجانية للمواطنين بشكل يحفظ وجه مؤسسات الدولة وموظفيها ويفرض احترامها على المجتمع.
ومن يجمد الأجور عند حدّ لا يؤمن سوى 1% من احتياجات المواطن الأساسية، يهدف من وراء هذه السياسة المقصودة تدمير المجتمع من الداخل وتفجيره من خلال ضرب أهم مقومات بناء المجتمع وهو الاقتصاد حيث تتوقف عجلة الإنتاج وتضرب العملية الإنتاجية في صميمها من خلال خفض معدلات الاستهلاك، وبالتالي تتكدس البضائع ويصبح العمل الإنتاجي بمختلف أنواعه ضرباً من الجنون وتنخفض الأجور أكثر تبعاً لذلك وتنحصر الثروة بيد السماسرة والتجار والمستوردين ويغرق المجتمع في أمراض خطيرة لا علاج لها من انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة انعدام الأمن الغذائي خاصة عند الأطفال وينخفض معدل الولادات ويزداد معدل الوفيات.
ويفقد المواطن الأمل والطمأنينة في بلاده ويعزف الشباب عن الزواج لارتفاع تكاليفه وعدم تحمل تكاليف الحياة وتزداد العنوسة تبعاً لذلك وينفتح الباب أمام الشباب للتهور وإفراغ طاقتهم في طرق ملتوية وتنتشر جرائم القتل والسرقة والدعارة والمتاجرة بالأشخاص والنصب والاحتيال وتصبح مؤسسات الدولة عاجزة عن القيام بمهامها ويغرق الجميع في الجحيم وتصبح محاولات الإنقاذ جميعها غير ذات جدوى، ويغيب صوت العقلاء ويكثر المنجمون والمشعوذون وتصبح الهجرة هي الحل الوحيد للنجاة من هذه المحرقة وهذا للأسف ما يحصل في بلادنا نتيجة للسياسات الليبرالية التي طبقت في البلاد منذ عام 2005 والتي مازالت مستمرة في تدمير المجتمع رغم كل ما تعرضت له البلاد من مخاطر هددت وجودها خلال اثني عشر عاماً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1126