المفهوم الاجتماعي للحرية
نص الدستور السوري الصادر عام 2012 على العديد من حقوق المواطنة والحريات العامة وخص الطبقة العاملة بالعديد من الحقوق، كما أعترف لهم بحق الإضراب السلمي، كما أكد على ضرورة بناء الاقتصاد الوطني على مبادئ العدالة الاجتماعية وربط الأجور بالأسعار وتأمين فرص عمل للشباب وحماية قوة العمل، ورغم نص الدستور على هذه المبادئ إلا أنها ظلت حبراً على ورق ولم يلمس المواطن على أرض الواقع تطبيق أي من هذه الحقوق لتتحول هذه المبادئ إلى مجرد نصوص مكتوبة، وهذا ما يميز عادة الدساتير التي تنتهج دولها السياسات الليبرالية الاقتصادية، حيث تتعمد تقديم نفسها وكأنها تعمل لصالح الشعب ومن أجله، لكن في الحقيقة هي تعمل لمصلحة قلة قليلة متحكمة برقاب الشعب ولقمتهم ولو كان ذلك خلافاً لأية قوانين وطنية فتوصيات صندوق النقد والبنك الدولي أهم من الدساتير بالنسبة لبعض الأنظمة.
الليبرالية والحريات العامة
الأسس التي تقوم عليها الحرية الفردية والتي اشتق منها مبدأ الليبرالية الاقتصادية أدت إلى انقلاب العلاقات بين الأفراد وضمن المجتمع إلى علاقات قائمة على القسر والإذعان، لا على الاختيار الحر والتوافق الرضائي وهو الأمر الذي دفع أحد الفقهاء إلى القول إن الحرية بالمفهوم الفردي المطلق من شأنها تسليم رخصة صيد لحفنة من القراصنة ليصطادوا الأفراد الضعفاء الذين يقعون ضمن شباكهم.
الحرية الجوفاء
انتقد العديد من فقهاء القانونين الحرية بمعناها الفردي على أساس اعتبار الحرية نظرية جوفاء فتساءلوا عن قيمتها الفعلية لمعدم لا يملك شيئاً وطالبوا بتحويل الحريات بالمعنى الفردي إلى حريات حقيقية وملموسة ذلك لأن الحرية تحتاج إلى كثير من الخدمات الإيجابية التي يجب أن تقوم بها الدولة حتى لا تبقى الحرية وقفاً على حفنة من المواطنين دون سواد المجتمع، ومن ثَمّ الأمر يتطلب أن توضع بين أيدي المواطن الخدمات الأولية اللازمة لحريته وكرامته وتساءلوا عن جدوى أن يحمي القانون الحق بالحياة حين لا يلقى المواطن الرعاية الصحية التي تدفع عنه غوائل المرض ولا يجد الحماية من مخاطر العري والسكن غير الصحي وما الجدوى في أن ينص الدستور على حرية العمل إذا تُرك المواطنون فريسة للبطالة والتشرد.
إن هذا المفهوم الاجتماعي الجديد للحرية قد أدى إلى توسع دور الدولة وتدخلها في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كما أدى إلى تزايد دور التشريع في العلاقات بين الأفراد على حساب الأداة الإرادية (العقد) وهو ما دفع بعض الفقهاء إلى قول (إنه بين الأقوياء والضعفاء، الحرية هي التي تستعبد والقانون يحرر).
وحتى تطبيق مبدأ الحرية التعاقدية ومبدأ سلطان الإرادة الذي يطبق على عقود العمل حيث سحبت الحكومة يدها من إقامة توازن في علاقة العمل حيث من المفترض أن تتدخل بقواعد آمرة تنصف الطرف الأضعف في العلاقة التعاقدية حيث ادّعت أن للعامل الحرية المطلقة في تحديد شروط عمله ولكن في الحقيقة تركت العامل وهو الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية فريسة لرب العمل الذي يفرض عليه شروطه لأنه هو الطرف الأقوى، حتى تحولت عقود العمل من عقود رضائية إلى عقود إذعان إما أن يقبلها العامل بما فيها، أو يبقى عاطلاً عن العمل
الاقتصاد يحدد الحقوق
من هنا يتبين أن نصوص الدستور لا قيمة لها على أرض الواقع إذا انتهجت سياسة اقتصادية تحابي الأغنياء على حساب الفقراء، فتحولت نصوص الدستور إلى كلام لا طائل منه سوى خداع المواطن، وهذا ما يجب تجنبه في الدستور القادم فالنص على الحرية وكرامة المواطن لا لزوم له أذا لم تتوفر للمواطن الحاجيات المادية التي تمكنه من الاستفادة من نصوص الدستور على أرض الواقع، فالسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومات السورية المتعاقبة جرّدت الدستور من محتواه وحولته إلى مجرد شعارات ترفعها بوجه المواطن كلما طالب هذا الأخير بحقوقه، ومهما كان الدستور القادم جيداً لن تكون له أية قيمة إذا استمرت الليبرالية الاقتصادية كنهج اقتصادي في بلادنا، فلا معنى لأي حرية ولا ديمقراطية ولا كرامة ولا مواطنة من دون عدالة اجتماعية.
القوى السياسية والليبرالية
أغلب القوى السياسية تحاول إظهار مبادئ الحرية والديمقراطية في برامجها وتخفي برامجها الاقتصادية معتبرة أن معركتها معركة حريات وديمقراطية فقط دونما إيضاح أو إفصاح عن برامجها الاقتصادية وعن خططها لإعادة الإعمار، حتى أنها لم توجه أي من قوى المعارضة أي معارضة لبرامج الحكومة الاقتصادية فهل هذا يعني موافقة ضمنية منهم على برنامج الحكومة الاقتصادي؟؟ والذي أفقر 90% من الشعب السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1124