وعي العمال سبق تنظيمهم النقابي
أديب خالد أديب خالد

وعي العمال سبق تنظيمهم النقابي

رغم أن غالبية الطبقة العاملة لا تعلم أن حق الإضراب أصبح منصوصاً عليه بشكل واضح وصريح في الدستور السوري لعام 2012 ولم يمرّ عليهم، وذلك يعود إلى عدة أسباب أهمها تغييب الثقافة العمالية وعدم توعية العمال بحقوقهم وهذه يتحمل مسؤولياتها الاتحاد العام لنقابات العمال الذي لا يقدم العون المطلوب للعمال ولو من باب التوعية بحقوقهم القانونية والدستورية.

ولكن الواقع الملموس والتجربة كانا خير معلم للعمال، فهؤلاء باتوا ينفّذون إضرابات في مختلف مواقع عملهم وباتت مطالبهم تتطور شيئاً فشيئاً مع تعقد أحوالهم المعيشية وهم بذلك سبقوا تنظيمهم النقابي بخطوات كبيرة إلى الأمام فيما بقي هو يراوح مكانه ومازال مكبلاً بنص المادة الثامنة من الدستور السابق، ومغيّب عن مهمته الأساسية في الدفاع العمال رغم كل ما تعرضت له الطبقة العاملة من ظلم واضطهاد منذ تطبيق السياسات الليبرالية عام 2005 وحتى الآن، ومع ذلك ما زال يرفع القائمون على النقابات شعار نحن والحكومة شركاء، ذلك الشعار الذي تجاوزه العمال وباتوا يطالبون بحقوقهم وبأنفسهم، وأثبتوا أنهم ليسوا بحاجة لا لنصوص قانونية ولا اعتراف رسمي لهم بحق الإضراب وليسوا بحاجة لمن يدافع ويتكلم نيابة عنهم.
إضرابات عديده تجري اليوم وفي مختلف مواقع العمل ولا يهم إن كانت صغيرة أم كبيرة المهم أن فكرة الإضراب دفاعاً عن الحقوق باتت حاضرة في الوعي العام للعمال، ولكن للأسف لا يتم تسليط الضوء عليها، بل يجري العكس من ذلك من خلال تغييبها والتعتيم عليها إعلامياً كي لا تصبح ظاهرة تعكّر صفو المجتمع الذي يسوده السلام والوئام كما تحب الحكومة أن تراه وتروّج له، ولكن وحدة المعاناة بين جميع العمال وفي مختلف القطاعات جعلت الإضرابات تنتشر في كل مكان رغم محاولات البعض التغطية عليها أو تعتيم عليها.
ومن اللافت للنظر أنه خلال الفترة الماضية حصل إضراب في منطقة صناعية طالب العمال خلاله ربط أجورهم بمستوى ارتفاع الأسعار، وهو تماماً كما نص عليه الدستور حيث نص على ربط الأجور بالأسعار، ولكن العجيب أن هؤلاء العمال لم يطلعوا على الدستور ولم يقرأوا مواده بل التجربة العملية قادتهم إلى رفع هذا المطلب المحق وهذا يدل على ارتفاع نسبة الوعي لدى الطبقة العاملة وأنهم قادرون ومن خلال ملامستهم للواقع على صياغة شعاراتهم الخاصة بهم.
وإذا لم تستطع النقابات ملاقاة هذا الوعي فإنها ستكون أول ضحية له من خلال انفضاض العمال من حولها وتحولها إلى نقابات عجوز لا حول لها ولا قوة، بل ستتحول وقتها إلى عبءٍ على العمال، فإذا كان القائمون على النقابات تهمهم فعلاً هذه المؤسسة ومستقبلها، فعليهم تحمل مسؤولياتهم وملاقاة مطالب العمال وسماع صوتهم والدفاع عن مصالحهم بكل الطرق الممكنة، وليس هناك من عذر لهم في التراجع عن القيام بمهامهم فمن لا يقف مع العمال في محنتهم فما فائدته بعد ذلك إذاً؟ خاصة إذا كانت البيئة القانونية والدستورية في صفهم، فحينها لا عذر لهم.
إن نقابات العمال هي إحدى أهم النقابات في مختلف البلدان لأنها تمثل شريحة تعبر عن الغالبية الساحقة من الشعب، وكل القوانين والدساتير الدولية وتوافقاً مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية تؤكد على ضرورة استقلالية هذه النقابات وتعترف بدورها الرائد في الدفاع عن الأغلبية الشعبية من خلال استخدام مختلف السبل والطرق السلمية، وفي سورية كان من المفترض أن تلعب النقابات دور السد المانع في وجه تطبيق السياسات الليبرالية التي أفقرت الطبقة العاملة وأوصلتها إلى حد الجوع والعوز والفقر من خلال نهبها لهم خلال عقود، وأخلت بالتوازن المطلوب في أي مجتمع، فانتهاء دور هذه النقابات أو تعطيله الهدف منه سحق الطبقة العاملة من خلال تشتيتها وتقسمها ومنع ما يجمعها ومنعها من إيصال صوتها وفرض رؤيتها في مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي اختلال التوازن في المجتمع لمصلحة الفاسدين والليبراليين تمهيداً لدفن نقابات العمال نهائياً وهو ما تسعى إليه قوى الفساد من خلال تفريغها من محتواها النضالي وتحويلها إلى مؤسسة تابعة للحكومة وظيفتها مباركة قراراتها زوراً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1123