إنسانية الطبقة العاملة

إنسانية الطبقة العاملة

قصتنا اليوم من أشد القصص حزناً وألماً... التقينا بالست شاديا وتبلغ من العمر 62 عاماً، علماً أنها أرملة منذ 20 عاماً ولم ترزق بأولاد يعينونها في كبرتها ويساعدونها على عيش ما تبقى من عمرها على الأقل بأدنى مستويات الراحة المتناسبة مع حالاتها بالإضافة إلى ذلك فهي تسكن لوحدها في بيت زوجها.

تعمل الست شاديا بأحد معامل الألبسة النسائية في منطقة الكسوة، علماً أنها تعمل في قسم (الأمبلاج) وذلك بما يتناسب مع حالتها العمرية والصحية، تتقاضى شهرياً راتباً لا يتجاوز 175,000 ليرة وذلك لمدة 8 ساعات يومياً أي فعلياً تتقاضى يومياً حوالي 6730 ليرة تقريباً، وبالتالي فإن أجرة ساعة عملها لا تتعدى 841 ليرة فقط لا غير.
تقول شاديا إن راتبها الشهري بالكاد يكفي تكاليف الأدوية علماً أنها مريضة ضغط وتعاني من (الديسك) منذ قرابة شهرين، الأمر الذي أدى إلى إصابتها بمرض ترقق العظام، وذلك بسبب طبيعة عملها بسبب الجلوس الطويل بوضعيات غير صحية أبداً، ظنت شاديا أن هذا النوع من الأعمال قد يتناسب مع وضعها الصحي إلا أنه وبالرغم من ذلك فقد كان هذا العمل سبباً بتدهور حالتها الصحية بشكل أسرع، وبالتالي فإن العمل الوحيد الذي قد ينسجم وحالتها الصحية هو اللا عمل وتحديداً في هذا العمر الذي من المفترض أنها تعيش تقاعدها وارتياحها والتفاتها إلى النشاطات الروحية وقضاء ما تبقى من حياتها بأكثر وسائل العيش راحة تلاعب أحفادها وتهتم بأبنائها وتمارس دورها المفترض كمستشارة للعائلة، ولكن أين هي من كل ذلك؟؟ أين أبناؤها وأحفادها؟ أين راحتها وصحتها؟ أين العائلة؟؟ أين هي مما ينتظرها بعد تدهور حالتها الصحية؟؟ تجيب شاديا عن السؤال الأخير وعيناها مليئة بالدموع (هلق ما بقى فيني اشتغل، ومضطرة اقعد بالبيت لحتى ارتاح، الحياة كتير تعبتني واستنزفتني، صرلي عمر عم أركض واشتغل على أساس لكبرتي، ضليت طول العمر أشتغل لكبرتي وصرت بكربتي ولسا عم اشتغل لكبرتي، لايمتى بدي ضل عم اشتغل، أنا ماعندي مشكلة والله بس جسمي ما بقى ساعدني، إخواتي تخلو عني، مسافرين وعايشين مأحلاهن لك ولا مرة خطرلهن يسألوا عني، ولا مرة خطرلهن يساعدوني ويهتمو فيني، أنا يلي كنت أمهن هنن وصغار، أنا كنت أهتم بتيابهن وأغسلهن وطعميهن وراضيهن ودرسهن، عاملتهن متل ولادي ولهلق ما بعاملهن إلا هيك». وتضيف أنها قامت بشراء بيجاما نسائية وارسلتها هدية لزوجة أخيها المسافر إلى ألمانيا كهدية لزواجه.) هي فعلاً تمارس دورها كأم روحية للعائلة ولكن على الجهة المقابلة هي لا تنعم بأي من إيجابيات هذه المرحلة من حياتها، تمارس واجباتها ولا تنعم بحقوقها، تعمل ما عليها ولا تأخذ ما لها، تعطي بدون أن تأخذ، تمارس إنسانيتها الفطرية وتتعرض إلى أشد الظروف اللا إنسانية.
شاديا كغيرها من أبناء جيلها المسلوبة حقوقهم، الذين يجدون نفسهم فجأة دون أي حل ممكن وغير ممكن، الذين تخونهم صحتهم وأجسادهم، الذين– وفي ظل النظام الرأسمالي– يعتبرون عالة على المجتمع وتتمنى الرأسمالية بمجملها لو أنها تقضي عليهم جميعاً فهم في نظرها مجرد آلة انتهى عمرها الإنتاجي وأصبح من الضروري الاستغناء عنها وعدم دفع أية تكاليف إضافية عليها. ولكن الرأسمالية لا تكتفي في هذا فقط، وإذا أمعنا النظر قليلاَ لوجدنا أن كيفية معاملة إخوة شاديا وهي في هذا العمر وهذا الحال، لوقفنا مندهشين ومشمئزين لهذه المنظومة الاجتماعية والأخلاقية المنحطة التي سعت الرأسمالية إلى تكريسها من أجل مراكمة ربحها على حساب كل شيء حتى على حساب إنسانيتنا وقيمنا، ولكن ما زالت الطبقة العاملة تنتمي إلى فطريتها وتمارسها بأكثر الأشكال رقياً وحناناً وإنسانية معطية في ذلك درساً أخلاقياً لنخب رأس المال والطبقة الراقية والمخملية التي تتغنى دائماً بحقوق الإنسان، علماَ أن الرأسمالية وفي سبيل سعيها إلى مراكمة الربح تضرب بعرض الحائط أية معايير إنسانية وأخلاقية، ممارسة على العلن وبأشد الصور علانية وأوضحها ممارساتها البربرية والوحشية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1097