عندما يتساوى العمل مع عدم العمل

عندما يتساوى العمل مع عدم العمل

يتحدث عبد الرحمن طالب جامعي في السنة الأولى وهو أحد العاملين في معامل الألبسة في منطقة صحنايا، عن انعدام الجدوى من العمل وتساوي حالة العمل مع عدمه، بل يضيف أن «القعدة بالبيت» باتت أقل خسارة من الذهاب إلى العمل.

يركز في حديثه على فكرة الذهاب إلى العمل علماً أن هذه الفكرة العفوية والطبيعية أصبحت في هذه الأيام غير طبيعية بشكل مخيف جداً، وذلك بسبب عدم قدرة الراتب المقطوع الذي يتقاضاه عبد الرحمن على تغطية تكاليف (الذهاب إلى العمل).
يوضح أيضاً أن الراتب الذي يتقاضاه شهرياً يساوي 150,000 ليرة فقط لا غير أي ما يعادل 5000 ليرة يومياً خلال ثماني ساعات أي بمعدل 625 ليرة فقط لا غير بالساعة الواحدة، في حين أن تكاليف المواصلات من وإلى العمل تقدر يومياً بين 2800 ليرة في المواصلات العادية من حيث شكلها وغير العادية من حيث توفرها وبين حوالي 7000 ليرة في المواصلات الترفية.
يقطن عبد الرحمن في مدينة زاكية التابعة لناحية الكسوة، وكما هو معروف لا يوجد خط ميكرو سرفيس من مكان إقامته إلى مدينة صحنايا، وبالتالي فهو مضطر إلى أن يركب في سرفيس الشام إلى جسر صحنايا بتكلفة 1000 ليرة، ومن ثم من تحت جسر صحنايا إلى مكان عمله بتكلفة 300 ليرة أي 1300 ليرة ذهاباَ ويحتاج الى 1500 ليرة إيابا،ً وبالتالي فإن إجمالي تكلفة المواصلات اليومية تساوي 2800 ليرة يومياً، أي ما يقارب حوالي 72800 ليرة خلال الشهر على اعتبار أنه يعمل 26 يوماً خلال الشهر. وهذا في حال توفر المواصلات العادية بشكل يومي، ولكن هذا الحال لا يحدث أبداً علماً أنه يضطر أحياناً إلى ركوب تاكسي سرفيس (تاكسي ركاب) من أجل الوصول إلى مكان العمل في الوقت المناسب تجنباً لخصومات التأخير، وبالتالي يدفع 500 ليرة من مدينة زاكية إلى الكسوة، و5000 ليرة أجرة تاكسي ركاب من الكسوة إلى تحت جسر صحنايا و300 ليرة من تحت الجسر إلى مكان العمل، وتصبح تكلفة الذهاب في هذه الحالة 5800 ليرة سورية، نضيف إليها تكلفة الإياب المقدرة ب1300 ليرة حيث العودة المتأخرة إلى البيت لا ينتج عنها خصومات تأخير، وبالتالي فإن التكلفة اليومية الكلية حوالي 7100 ليرة فقط لا غير وفي حال تكرر هذا الوضع خلال أيام الشهر فتصبح تكلفة المواصلات الشهرية حوالي 184,600 ليرة فقط لا غير.
ويقول عبد الرحمن إنه بشكل متوسط خلال الشهر يستخدم المواصلات العادية بنسبة 70% ويستخدم (التاكسي ركاب) بنسبة 30% خلال الشهر وبالتالي يصبح متوسط تكلفة المواصلات اليومي حوالي 4090 ليرة فقط لا غير أي بمعدل شهري حوالي 106,340 ليرة شهرياً لتكلفة المواصلات فقط أي إن 70.893% من أجره المقطوع يدفع للمواصلات فقط.
وعند سؤاله عن مصروفه الشخصي من أكل وشرب واتصالات وإنترنت وطبابة وإلخ ابتسم ساخراً وقال (بدبرهن الله).
عبد الرحمن هو مثال بسيط لـ90% من طلاب الجامعة الذين يسعون إلى العمل من أجل تغطية مصاريف الجامعة، إلا إن هذا العمل يكاد لا يكفي تكلفة الذهاب إليه، علماً أن تكلفة المواصلات هي جزء بسيط جداً من تجديد قوة عمل عبد الرحمن وتشكل حوالي 10% من الحد الأدنى لتجديد قوة العمل، وإنّ 70.893% من راتبه المقطوع يغطي 10% من تجديد قوة عمله أما 29.107% من بقية راتبه يعارك بها احتياجاته المتبقية والتي تشكل 90% من تجديد قوة عمله.
إن هذه النسبة والتناسب بين الراتب وقوة العمل أي 70% لـ30% و90% لـ10% تمثل انعكاساً مرعباً للسياسات الليبرالية المتوحشة والمتبعة في البلاد، التي تصب في صالح أصحاب الأرباح مقارنة بأصحاب الأجور، فإن مجمل الناتج القومي يوزع ما بين 90% 10% من السكان و10% لـ90% من السكّان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1090