كل شي عنا يا عاوز
الأزمة الوطنية أفرزت الكثير من الأشياء التي لم نكن نراها سائدة وواضحة بهذا الشكل والتجلي في تفاصيل حياتنا اليومية، والآن نراها سائدة وواضحة لكل الناس، وهي جزء من مشهدهم العام الذي اعتادوا عليه في حركتهم اليومية، و التفسير لهذه الظواهر ليس واحداً عند الناس ولكن الجميع مجمع أن هذه الظواهر سببها الرئيس هو الفقر الذي أصاب معظم أبناء شعبنا وجعلهم يبحثون عن مصادر للرزق ليست إنسانية، بل هي اعتداء سافر على كرامات الناس رمت بهم في هذه المعمعة التي لا ناقة لهم بها ولا جمل، فنرى أطفال الحاويات وهم يغوصون داخلها يبحثون فيها عن النفايات المختلفة، مثل: البلاستيك والكرتون وأكياس النيلون وغيرها من الأشياء لبيعها في مراكز التجميع لهذه النفايات ليعاد تدويرها، أي إعادة تصنيعها مرة أخرى مقابل ثمن بخس لا يساوي ما يتعرض له الأطفال من أمراض وتحرش وتسرب من المدارس لقيامهم بهذه الأعمال واستغلالهم لأعمال أخرى.
عمال التنظيفات يقومون بنفس الأعمال السابقة التي يقوم بها أطفال الحاويات، وهم محقون في عملهم الإضافي هذا كون أجر العامل في شركات التنظيف الخاصة لا يتجاوز الـ 100 ل س عن كل ساعة عمل وهذه الأجرة قد لا تكفي قوت يوم واحد لعائلته إذا ما عمل العامل لمدة 12 ساعة متواصلة، مع العلم بأنّ هذا العامل محروم من كل أشكال وأنواع الضمان إذا ما أصيب بمرض أو إصابة عمل، وهو في الغالب يصاب بكل ما ذُكر وليس هناك من يبحث عن تأمين حقوقهم التي أقر بها القانون الخاص بعمال القطاع الخاص وأهمه التأمينات الاجتماعية والضمان الصحي.
النساء البائعات للخبز ينتظرن عند الأفران منذ الساعات الأولى لبزوغ النهار وهن يبعن الخبز مع أطفالهن وهذا ليس لصالحهن، بل لصالح متنفذ ما داخل الفرن أو خارجه يؤمن كميات الخبز التي ستباع خارج الفرن تباعاً أي كلما بيعت كمية تزود النساء البائعات وأطفالهن بكميات أخرى من الخبز بينما المنتظرون لدورهم في الحصول على خبز البطاقة يمكثون في الرتل ساعات طويلة حتى يحصلوا على حصتهم المقننة.
إن البائعات والبائعين لهم نسبة على المبيع، والباقي للمتنفذ الذي يؤمن لهم ربطات الخبز طالما الفرن يعمل وينتج، وسعر الربطة الواحدة معمم عند جميع الأفران خارج النافذة، والواضح أن هناك رابطة ما تجمع المتنفذين فيقررون سعر ربطة الخبز التي يبيعونها بسعر موحد عند جميع الأفران وذلك حسب درجة الازدحام وقبل يوم من عطلة الأفران التي قررت يوم الجمعة فزادت الطين بلة.
هذه المشاهد اليومية التي ذكرناها هي بعض مما هو واقع ونلاقيها في كل مكان وهي تعبير عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها شعبنا، والتي لا حل لها بجملة الترقيعات التي تحاول الحكومة تصديرها للناس وتقول لهم هذه حلولنا وهي من أجل مصلحتكم وسنعمل على توزيع «الدعم» على مستحقيه والحكومة لم تقل للفقراء من هم المستحقون الفقراء أم الأغنياء الآكلون للبيضة وتقشيرتها كما يقال؟.
إن ما أفرزته الأزمة الوطنية من ظواهر اجتماعية وسياسية، وفي مقدمتها: الفقر المدقع الذي أوصل أغلبية السوريين المنهوبين إلى البحث عن مصادر للعيش في كل شيء يتمكنون من العمل به لتحصيل لقمة عيشهم، وما ذكرناه من أمثلة هي غيض من فيض يصعب تعدادها بينما أصحاب النهب والفساد الكبيرين سائرون في طريق واحد لا ثاني له وهو: نهب كل ما يمكن نهبه من ثروتنا الوطنية، واغتصاب كل ما يمكن اغتصابه من لقمة عيشنا وعرقنا ومستقبل أطفالنا، ولكن نقول لهم: إن للباغي جولة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1042