الإضراب ضرورة للسلام الاجتماعي
من المتفق عليه الآن في المجتمعات الصناعية أن الإضراب هو حق يجب أن تعترف به القوانين المنظمة للعمل في كل الدول. وهذا في حد ذاته يوضح التطور الهائل الذي شهدته قوانين العمل، والتي كانت بدءاً من النصف الثاني للقرن العشرين حتى خواتيم القرن التاسع عشر تعتبر الإضراب عملاً إجرامياً يجب أن يواجه بأقسى عقوبة. وكان ذلك التطور نتيجة لنضال دؤوب ومرير، أثمر عن هذا الكم الهائل من المواثيق والعهود الخاصة بحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
الإضراب هو أكثر المسائل تعقيداً بالنسبة لقوانين العمل
فالإضراب هو توقف العاملين عن عمل في عقد يلزمهم بأدائه، وهو بهذا المفهوم يشكل خرقاً لعقد يتمسكون به. والإضراب عندما يصيب المؤسسات الصناعية الكبرى يصبح مهدداً للاقتصاد، كما وأنه يحمل تاريخاً ثورياً مازالت البورجوازية الصناعية ترتعد لمجرد التفكير فيه. ومع ذلك كله فإن الإضراب ضروري من أجل السلام الاجتماعي، لأن علاقة العمل هي علاقة لا تتوفر فيها الإرادة الحرة للطرفين، فالعامل تنتقص من حرية إرادته وحاجته للعمل ليسد رمقه ورمق من يعتمدون عليه، مما يعنى أن الإضراب هو الآلية المتاحة لرفع قدرة العامل في محاولة لإعادة توازن بين كفتين غير متوازنتين. إذا لم يكن هنالك حق في الاضراب فإن البديل سيكون الفوضى، عندما يعمد العاملون لاحتلال المصانع، واستخدام العنف بحثاً عن حقوقهم. أو الانكماش الاقتصادي عندما يفرض أصحاب العمل على العاملين أجوراً متدنية تؤدى إلى انكماش الطلب على المنتجات، فتسبب الكساد الاقتصادي. لذلك فقد كان قبول الحق في الإضراب يمثل ضرورة اقتصادية واجتماعية وأول وثيقة دولية اعترفت صراحة بالحق في الإضراب- فيما نعلم- هي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.
حق الإضراب
ومنظمة العمل الدولية
تبنت لجنة حرية التجمع وفى اجتماعها الثاني في عام 1952 حق الإضراب. كما وتضمن القرار المتعلق بإلغاء التشريعات المضادة للنقابات في الدول الأعضاء لعام 1957 دعوة لتبنى قوانين تسمح بالممارسة الفعالة للحقوق النقابية، بما في ذلك الحق في الإضراب من قبل العمال. كذلك فقد دعا القرار المتعلق بحقوق النقابات وصلتها بالحقوق المدنية لعام 1970 السكرتير العام لاتخاذ الاجراءات الكفيلة بتأكيد الاحترام الكامل والعام لحقوق النقابات بأشمل المعاني، بما في ذلك الحق في الإضراب.
بالنسبة لِلجنة الخبراء، فإن حق الإضراب لا ينفصل عن الحق في حرية التجمع المحمي بالمعاهدة رقم 87، ووفقاً لذلك فإنه لا يجوز منعه كما لا يجوز السماح به فقط في ظروف استثنائية. الاتفاقية رقم 87، والتي انعقدت بمبادرة من منظمة العمل الدولية تبنت حق منظمات العمال في الدفاع عن مصالح العمال المتصلة بعملهم، وهذا يعنى أنّ لتلك المنظمات الحق في أن تفاوض أصحاب العمل وأن تبدي رأيها في المسائل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على مصالح عضويتهم المتصلة بعملهم، ولذلك فقد رأى مجلس الخبراء أن حق الإضراب هو حق لصيق بحق المنظمات العمالية في الدفاع عن مصالحها.
لم تُعرِّف الهيئات الاستشارية لمنظمة العمل الدولية الإضراب، ولكنها اعترفت ببعض أنواع الإضراب، والتي لا تقتصر على التوقف عن العمل، منها احتلال موقع العمل وتبطئة العمل، وقد قبلت لجنة حرية التجمع هذه الأنواع من الإضرابات باعتبارها إضرابات مشروعة طالما أنها سلمية .
الغرض من الاضراب
بالنسبة للغرض من الإضراب فقد اعتمدت لجنة الخبراء على المادة العاشرة من الاتفاقية رقم 87، والتي تُعرِّف منظمات العمال بتلك المنظمات التي تهدف إلى تطوير مصالح العمال والدفاع عنها. ولذلك فإن الهدف من الإضراب لابد أن يتسق مع الهدف من تكوين المنظمة نفسها، ويعنى ذلك أن الإضراب الذي يجيز لمنظمات العمال الدعوة له، هو الإضراب الذي يهدف للدفاع عن حقوق عضويتهم المتصلة بشروط خدمتهم.
ومصالح عضوية منظمات العاملين المتصلة بظروفها المعيشية لا تنحصر في شروط خدمتها فحسب، لأن السياسات الاجتماعية والاقتصادية للحكومة تؤثر مباشرة على ظروف عضوية التنظيم العمالي، إذ إن السياسات الاقتصادية العامة كرفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة تؤثر سلباً على المستوى المعيشي للعاملين، وهو الأمر الذي تستحيل معه إقصاء تلك السياسات عن دائرة اهتمام المنظمات العمالية. لذلك فلا يجوز حصر أهداف منظمات العاملين في المسائل المتعلقة بشروط خدمة عضويتها فحسب، إذ يتوجب عليها أن تبحث عن حلول للمشاكل التي تتسبب فيها السياسات الاقتصادية والاجتماعية العامة، ولا يجوز في هذه الحالة أن تُمنع المنظمات العمالية من الدفاع عن مصالح عضويتها والا فقدت فاعليتها. تبعاً لذلك فقد قررت اللجنة المختصة بحرية التجمع أن المنظمات التي تهدف للدفاع عن مصالح العمال الاجتماعية والاقتصادية والمتعلقة بظروف عملهم، يجب من حيث المبدأ أن تكون قادرة على استخدام سلاح الإضراب لتحقيق حلول لصعوبات سببتها اتجاهات رئيسية لسياسات اجتماعية واقتصادية لها أثر مباشر على عضويتها، وعلى العمال بصفة عامة، فيما يتعلق بالعمالة والحماية الاجتماعية ومستوى المعيشة
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1029