ما زال الفقر مستمراً للعمال!
أي قانون، أو تشريع يصدر يكون تعبيراً عن محصلة القوى الفاعلة على الأرض، وقدرتها في التعبير عن مصالحها وفرضها، حيث يتضمنها القانون المراد إصداره، وللعمل وفقه أو بكلام أدق: هو تعبير عن المصالح العميقة للطبقة المهيمنة اقتصادياً وسياسياً.
تُخضِع الطبقة المهيمنة- اقتصادياً وسياسياً- الطبقات الأخرى لقانونها، أي: لمصالحها، وإن كان يتناقض، ويتعارض مع مصالح هذه الطبقات الأساسية «العمال والفلاحين»، وينعكس ضرراً على حقوقها، وهذا الضرر الذي يحدثه القانون بمصالح الطبقات المستَغَلة، يحرمها أيضاً من إمكانية الدفاع عنها، حيث يترافق مع الهيمنة وتشديد الاستغلال انخفاض أو حتى انعدام لمستوى الحريات السياسية والديمقراطية، حيث يجعل المجتمع ينقسم وفقاً للمصالح المتناقضة، أي: يصبح الصراع بين الطبقات في جوهره صراعاً طبقياً، حتى وإن أخذ مظاهر أخرى لا تبدو أنها واضحة لبعض أصحاب المصالح المختلفة.
الاستلاب ما زال مستمراً وإن تغيرت القوانين
إن الطبقة العاملة السورية عانت كثيراً من جملة واسعة من القوانين، والتشريعات التي صدرت منذ الاحتلال العثماني، وقانونه سيّئ الصيت المسمى قانون الأشغال العثماني، مروراً بالقوانين التي أصدرها المستعمر الفرنسي مستنداً إلى قانون الشغل العثماني، ليستمر في تحكمه، وسيطرته على الطبقة العاملة السورية الوليدة، ومنع قواها من التطور والنمو، وهو خبير بحكم التجربة التاريخية للرأسمالية مع الطبقة العاملة، بكل أشكال القمع والحصار، كي لا تستطيع الطبقة العاملة التحول إلى قوة حقيقية على الأرض، وتفرض من خلالها إرادتها المستندة إلى برنامج تعبر فيه عن مصالحها وحقوقها على طريق تغيير علاقات الإنتاج الرأسمالية، التي هي السبب الرئيس في شقاء، وبؤس العمال، ومن هنا فقد عانت الطبقة العاملة السورية، وكانت لها مصلحة حقيقية في مقاومة المحتل الفرنسي إلى جانب القوى الوطنية الأخرى التي قاومته، للخلاص منه، ومن قوانينه، ولكن العمال خرجوا «من تحت الدلف إلى تحت المزراب»، حيث أعيد إنتاج القوانين المعبرة عن مصلحة البرجوازية بكل ألوانها وأشكالها اللاحقة، التي استندت إلى خبرة الرأسمالية ومصالحها في صياغة القوانين الناظمة للعلاقة بين أرباب العمل والعمال، والتي في جوهرها ترسيخ لنهب قوة العمل ومركزة أعلى للثروة.
صراع لتحسين بيع قوة العمل
عملت الطبقة العاملة السورية كثيراً على التخفيف من وطأة النهب، والاستغلال الذي تم تكريسه في قانون العمل الذي صدر في عهد الاستقلال، مستخدمة سلاحها الوحيد، وهو التنظيم وحق الإضراب التي تملكه، ولكنه الفعال، وله تأثير، ونتائجه كانت ملموسة على العمال، وذلك بتحسين شروط العمل، وزيادة الأجور، وتخفيض ساعات العمل، التي كانت تمتد من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، هذا العمل الذي أنجزه العمال وحركتهم النقابية وبتأثير مباشر وواضح من النقابيين الشيوعيين الذين نقلوا للطبقة العاملة خبرة الحركات العمالية في مواجهة قوى رأس المال، فقد لعب هذا دوراً مهماً في تنظيم العمال في حركة نقابية واحدة موحدة، جعل منها قوة أساسية لا يمكن القفز عنها، وتجاوز مصالحها، وهذا ما تم لحظه في قوانين العمل اللاحقة التي صدرت في عهد الوحدة، وما بعدها، فقد جرى التأكيد على العديد من حقوق العمال، حيث كان الظرف السياسي، وموازين القوى المحلية، والعالمية تسمح بذلك، لكن مع هذا خسرت الطبقة العاملة أهم سلاح فعال في الدفاع عن مصالحها، وحقوقها، ألا وهو حق الإضراب، الذي كان مصرّحاً به في قانون العمل السابق زمان «البرجوازية الوطنية»، واستقلاليتها التنظيمية، واستقلالية قرارها.
طُرحت العديد من الشعارات فيما بعد، والتي أوهمت الطبقة العاملة بأن ما هو جارٍ من إجراءات هي «الاشتراكية» بعينها، وأن المعامل للعمال، وما على العمال سوى التسليم بهذا كونه تعبيراً عن مصالحهم الحقيقية التي ناضلوا من أجلها، ليكتشف العمال مع مرور الوقت أنهم يخسرون حقوقهم، ومكتسباتهم تباعاً، خاصةً مع تبني اقتصاد السوق الاجتماعي، وتطبيق السياسات الليبرالية، وتعليمات المؤسسات المالية الرأسمالية، صندوق النقد الدولي وبنك النقد الدولي.
قلقٌ وحذر مشروعان
لم تتمكن الحركة النقابية والطبقة العاملة من مواجهة هذه السياسات ونتائجها الكارثية على الطبقة العاملة، والاقتصاد الوطني برمته، والسبب واضح، وتعلم به كوادر الحركة النقابية، وينعكس في العديد من مواقفها التي تُعلن عنها في المؤتمرات والاجتماعات النقابية، وهذا يعكس تخوفها مما هو جارٍ على الأرض، ويعكس حِسّها الطبقي بقلقها على مصالح العمال ومكاسبهم، نتيجة تلك السياسات ولكن العين بصيرة واليد قصيرة.
النص الدستوري يحتاج إلى من يحميه
إن وجود دستور ينص على حقوق الطبقة العاملة بما فيها حق الإضراب هو شرط غير كافٍ لحصول العمال على حقوقهم، وإنما يتطلب- تحقيق ذلك- مبادرة العمال في الدفاع عن حقوقهم الدستورية المشروعة وحمايتها، التي لا يمكن أن تُقدَّم لهم على طبق من ذهب، وتجربة الطبقة العاملة بما وصلت إليه أوضاعها المعيشية ومستوى أجورها وتآكل حقوقها برهان قوي على صلاحية المثل الشعبي القائل: «ما بيحك جلدك إلا ظفرك».
انفتاح الأفق السياسي بالتغيير الجذري المطلوب سيجعل الإمكانية أكبر أمام الطبقة العاملة، وحركتها النقابية، لأخذ زمام المبادرة من أجل استعادة استقلاليتها التامة في اتخاذ قراراتها، وصياغة برامجها المعبرة عن مصالح من تمثلهم، وفي مقدمة ذلك: تغيير قوانين العمل التي أضرّت بحقوق العمال، وصياغة قانون انتخابي عمالي يؤمن وصول المناضلين العمال، بعيداً عن التدخلات من أية جهة كانت.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1020