الدور التحذيري للعمال في المنعطفات التاريخية
تستطيع الطبقة العاملة إعطاء الإشارات التحذيرية الأولى لانفجار الأزمات كما تقول الدروس التاريخية القديمة والحالية، كما يمكن عبرها قياس درجات غليان المجتمعات، وارتفاع منسوب انعدام الرضا الاجتماعي. ويمكن بالتالي عبرها، اكتشاف إلى أين تسير المجتمعات. ولعبت الطبقة العاملة هذا الدور أكثر من مرة في التاريخ في سورية وفلسطين وأمريكا وغيرها من بقاع العالم.
فلا أحد يستطيع تجاوز تحذيرات الطبقة العاملة أو الطبقة العاملة نفسها، وهذا درس تاريخي أساسي يجب تعمله.
ثورة 1905 الروسية
حدثت ثورة عارمة في روسيا سنة 1905، ولكن ما حدث في سنوات 1900-1904، كان تحذيراً لاقتراب موعد انفجار ثورة 1905.
لقد أثّرت سنوات الأزمة الاقتصادية العالمية التي نشبت في سنوات 1900-1903 تأثيراً مؤلماً جداً على روسيا. فقد أغلقت المصانع والمعامل، وسرح العمال إلى الشارع، وانتفض الجوع في الريف. وعاد آلاف العاطلين عن العمل إلى قراهم، ومن القرى، طرد الجوع الناس إلى المدن، وبلغت آلام الشعب الكادح حدّها الأقصى.
في بداية 1901، خرج العمال والطلاب إلى الشوارع في موسكو وبطرسبورغ، وفي عام 1903، شملت الحركة القسم الجنوبي من روسيا وكامل أوكرانيا والقفقاس، وتوسعت الإضرابات العمالية والسياسية العامة بشكل كبير. وانتشرت أخبار نضال عمال المدن في عموم البلاد.
كان لعودة العمال المسرحين إلى قراهم دور كبير في نشر الأخبار إلى الأرياف، وفي ربيع 1902 نشبت انتفاضات فلاحية عنيفة في جنوب البلاد، وكان لنشوب الحرب الروسية اليابانية نهاية عام 1904 الدور المفاقم للأحداث بسبب أهوال الحرب. وفي بداية 1905 عندما أطلقت القيصرية النار على العمال المضربين في أحداث يوم الأحد الدامي، كان جواب الطبقة العاملة بالإضراب في عموم البلاد، وشارك في الإضراب 440 ألف عامل، أي: أكثر من عدد العمال الذين أضربوا خلال عشر سنوات. وهكذا انفجرت الثورة الروسية الأولى عام 1905. «موجز تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي، دار التقدم، ص 68-72».
ثورات 1917
بعد انحسار ثورة 1905، أصيب الجميع باليأس باستثناء البلاشفة، معلنين قدوم موجة جديدة من الحركة. وبالفعل، ففي سنة 1910 حدثت إضرابات كبيرة في موسكو وبطرسبورغ. وفي عام 1911 تضاعف عدد الإضرابات وشارك فيها 105 آلاف عامل.
وبعد إطلاق القيصرية النار على مظاهرة سلمية لعمال مناجم الذهب ومقتل 500 عامل، انتشرت الإضرابات في عموم روسيا عام 1912 شارك فيها 300 ألف عامل. في الأول من أيار 1912 أضرب 400 ألف عامل، أي: ما يقارب أعداد ثورة 1905. وبلغ عدد المضربين أكثر من مليون عامل عام 1912، وفي العام 1913 أكثر من مليون وربع. وفي العام 1914 أكثر من مليون ونصف المليون عامل، ولكن الحركة لم تتطور وتوقفت بشكل مؤقت بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى. «موجز تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي، دار التقدم، ص 118-138»
أما الغليان في المجتمع، فقد أضيفت إليه أهوال الحرب. وشهدت روسيا ثورتين خلال العام 1917: ثورة شباط «الثورة الروسية الثانية» وثورة أكتوبر الاشتراكية التي غيرت وجه روسيا والعالم.
الإضراب السوري الكبير
بين عامي 1933-1934 حدث 45 إضراباً للطبقة العاملة في سورية ولبنان شارك فيه 50 ألف عامل، بينها 18 إضراباً من تنظيم الحزب الشيوعي، حسب مجلة ريفولوتسيوني فوستوك / الشرق الثوري السوفييتية.
إن بدء ارتفاع منسوب الحركة العمالية بتأثير نتائج الأزمة الرأسمالية العالمية التي انفجرت عام 1929، والتي تعني المزيد من البؤس والجوع، جاءت بالتوازي مع الارتفاع في منسوب الحركة العمالية في بلدان العالم، أعنفها في الولايات المتحدة (الكساد الكبير). وكانت إضرابات 1933-1934 مؤشراً على اقتراب موعد حدث كبير في البلاد. وهو الإضراب الستيني أو الإضراب الخمسيني الذي شمل كامل سورية، واستطاع انتزاع مكاسب هامة من الاستعمار الفرنسي.
ثورة 1936 الفلسطينية
حدث أكثر من 40 إضراباً للعمال بين عامي 1930-1935 شارك فيها آلاف العمال في مصانع الكبريت والتبغ والكرتون والنسيج والجلود، وعمال سكك الحديد والبترول والبناء، والسائقون في حيفا ويافا والقدس وغيرها من المدن، وحدثت صدامات مع شرطة الاستعمار البريطاني في أكثر من 20 إضراباً.
وعندما رفض الاستعمار الترخيص لمظاهرة يشترك فيها 1000 عاطل عن العمل في يافا نهاية عام 1935 أرسل العمال مذكرة إلى الحكومة تقول: إذا لم تحل مشكلة الأجور فإن الأيام المقبلة ستضطرها إلى إطعام العمال رصاصاً أو خبزاً. وكانت هذه الإضرابات مقدمة للإضراب السياسي الكبير والثورة الفلسطينية عام 1936. «أسعد صقر، الحركة العمالية في فلسطين منذ عهد الإنتداب حتى عام 1980، دار الجرمق دمشق 1980، ص 190».
الأزمة الأمريكية
خلال العام 2018، حدثت موجة واسعة من الإضرابات العمالية شملت نصف الولايات الأمريكية من أجل زيادة الأجور إلى 15 دولاراً للساعة الواحدة.
إن أضعف الفئات العمالية قد رفعت من درجة حراكها، وأن كان حدوث الإضرابات العمالية في الولايات المتحدة أمراً كثير الحدوث قبل عام 2018، فإن حركة العمال من أجل 15 دولاراً للساعة الواحدة التي استمرت لمدة عام ونصف، كانت مؤشراً لاقتراب انفجار الأزمة الأمريكية وارتفاع منسوب الحركة الشعبية التي شهدناها سنة 2020، وكتبت جريدة قاسيون عن اقتراب موعد قدومها عام 2019.
وكان العمال الذين يتقاضون حوالي 5-7 دولارات للساعة الواحدة، وخاصة عمال الوجبات السريعة، مثل: ماكدونالدز، وكنتاكي، والشركات العابرة للحدود، وعمال التعليم، هم أضعف الفئات العمالية، وأول من شعر باقتراب انفجار الأزمة، وانتشرت حركة الـ 15 دولاراً بينهم دون غيرهم.
الأزمة السورية
في سورية، لعبت الطبقة العاملة الدور التحذيري نفسه سنوات 2003-2011. فلم تنقضِ سنة واحدة دون حدوث الإضرابات العمالية في مختلف أنحاء سورية. حيث كانت العدوانية الأمريكية والصهيونية ضد شعوب المنطقة تتصاعد. والأزمة الرأسمالية العالمية وتأثيراتها على سورية تتصاعد «انفجرت الأزمة الرأسمالية عام 2008».
وحدث 92 إضراباً واعتصاماً ومظاهرة للطبقة العاملة السورية بين عامي 2003-2011. شارك فيها حوالي13-15 ألف عامل في 23 مدينة و11 محافظة. وشملت الإضرابات عمال النفط، وعمال البناء في الشركات الإنشائية، وعمال الأحذية والصناعات المعدنية والمقاهي والصناعات الخفيفة والنسيج والأدوية والبورسلان والكهرباء والموانئ وغيرهم
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1012