خفض الدعم ... ماذا يعني؟
كل يوم نسمع تصريحاً عن مسؤول ما، أو وزير أو محلل اقتصادي ما يتحدث عن ضرورة خفض الدعم عن المواطن، وعن آثاره الإيجابية على خزينة الدولة، ويمر هذا الكلام بشكل عادي وبسيط على مسامع المواطنين دون الانتباه إلى ما تعنيه هذه السياسات من خطر على أمن المواطن الغذائي والصحي، ومستقبله في بلد باتت الأغلبية من سكانه تحت خط الفقر، والمجاعة بدأت تطرق أبواب الكثيرين، وعلى أمن البلاد ووجودها الذي بات على المحك.
سياسات قديمة جديدة
منذ عشرين عاماً بدأت عملياً سياسة خفض الدعم، وتسارعت هذه العملية بعد عام 2005 وكان يتم تمرير هذه السياسات تحت شعار عقلنة الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه الفعليين، وبسبب هذه السياسات اتسعت دائرة الفقر في البلاد، وارتفعت الأسعار بشكل مضاعف، وخاصة أسعار المحروقات التي أدت إلى خسائر فادحة في المجال الزراعي والحرفي والصناعي، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسب البطالة بشكل ملحوظ، وكانت نتائج هذه السياسات الاقتصادية أحد أهم أسباب انفجار الأزمة السورية عام 2011.
اليوم، وبعد انفجار الأزمة السورية، وما تسببت به من كارثة إنسانية ومعاناة لملايين السوريين ومع عجز جهاز الدولة عن القيام بأبسط وظائفه من تأمين مقومات الحياة للسوريين من قمح وخبز ومياه وكهرباء ومحروقات، مازالت سياسة خفض الدعم مستمرة، ولكن هذه المرة لا يخجلون من طرحها، بل باتت شعاراً لكل من هب ودب من أعضاء مجلس الشعب إلى الوزراء والاقتصاديين المقربين من الحكومة، وكأن خفض الدعم عن المواطن هو الحل السحري للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، مع أن رفع الدعم هو الداء وليس الدواء، فهل تحاول الحكومة في سورية اتباع مثل «وداوها بالتي كانت هي الداء»؟
ترك السوق لقوى الفساد
خفض الدعم عن المواطن يعني بجوهره تحرير كامل للأسعار، وإنهاء الدور الحقيقي والأساسي للدولة، المتمثل في دعم مواطنيها ودعم زراعتها وصناعتها، ويعني: أن تتحول الدولة إلى عنصر محايد في الحياة الاقتصادية، تاركة المواطن يخوض حرباً مع التجار والمستثمرين للحصول على أبسط حقوقه كمواطن، من طعام وشراب ومسكن، وسيصبح مستقبل 90% من السوريين رهينة بيد قلة قليلة تتحكم به وتتحكم بحياته، وهنا تتجلى السياسات الليبرالية بأبشع صورها، فحياة المواطن ستتحول إلى مجرد حرب خاسرة له من البداية للحصول على لقمة عيش تبقيه على قيد الحياة، وهي حياة أتعس من حياة العبيد، ودائماً تحاول الحكومة إبراز كرم التجار وأفعالهم، وكأنها تعتمد على أخلاقهم للنهوض بالاقتصاد الوطني، وهي كالمراهنة على أخلاق الذئب لكي لا يلتهم الدجاج.
حجج واهية ومفتعلة
هل خفض الدعم سيجعل المواد متوافرة؟ إذا كانت هذه هي المعادلة فهذا يدل على أن قوى الفساد هي المسؤولة عن عدم توافر المواد وسوء توزيعها واحتكارها، لكي يصل المواطن إلى قناعة بأن توفر المواد محررة أفضل من دعمها، وهي غير متوافرة، علماً أن تحرير الأسعار وخفض الدعم عن المواد سيرفع أسعار تلك المواد إلى مستويات لن يستطيع المواطن شراءها بالرغم من توافرها، لعدم توفر المال الكافي لتأمين متطلبات معيشته الأساسية، أما أن مكافحة الفساد تقتضي خفض الدعم، حيث يتحدث البعض أن الفساد ينتشر بسبب استغلال البعض للدعم الحكومي فهذا مردود عليه، فالفساد يتطلب إرادة حقيقية لمكافحته غير متوافرة عند حكومتنا والفساد سيحكم قبضته على السوق، لأنه سينمو ويزداد عند احتكاره للمواد، كما حصل في شركتي الخلوي ومادة السكر.
وإذا كانت فاتورة الدعم مرهقة للميزانية حسب زعم المسؤولين، فيمكن تأمين موارد للخزينة عبر مكافحة الفساد، ففاتورة الفساد أكبر وأخطر على الخزينة العامة، وتذهب لقلة قليلة عكس فاتورة الدعم، التي تذهب لملايين المواطنين وإذا كانت الدولة لا تتحمل فاتورة الدعم لمواطنيها فما هو مبرر وجودها إذاً؟ وعلى أي أساس ستفرض هيبتها وهي لا تقدم لهم شيئاً؟!
ومع كل الأثار الكارثية التي أتت بها نتائج سياسات خفض الدعم، والتي يمكن أن تصنف ضمن تهديد أمن البلاد وتقسيمها عبر إنهاء دور الدولة، هناك اليوم من لا يستحي ويريد إعادة الكرة مرة أخرى، وكأنه لم يتعلم من الدرس السابق، الذي لم نخرج منه بعد، ولم تكن الأزمة له بمثابة درس، بل كانت مجرد فرصة، وبمثابة شماعة يعلق عليها أخطاءه، ويبرر سياساته، ويعيد ويطرح مشروعه بكل جرأة ووقاحة.
وتحاول الحكومة إيهامنا بأن لدينا قوى برجوازية وطنية تخدم البلد، وليست برجوازية مرتبطة بالغرب ومتعاونة مع عقوباته، التي تدر عليهم مليارات من الدولارات، ومصالحهم مترابطة إلى درجة التشابك، وهم الذين يمانعون أي توجه حقيقي نحو الشرق، ليخفف من سيطرة الغرب وتأثير عقوباته على اقتصاد البلاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1007