الخروج من العزلة..
تعاني الحركة النقابية بشكل عام- وبالأخص منها الحركة النقابية العمالية، وهي التي تمثل أكبر طبقة في المجتمع، ألا وهي الطبقة العاملة- من ضعف في عدد المنتسبين إليها، هذا من جهة، وضعف نوعي لكادراتها الفاعلة في كل القطاعات، وخاصة في القطاع الخاص، من جهة أخرى. فهي اليوم تمر بمرحلة غاية في الصعوبة، إذ هي عاجزة عن تحقيق أية مكاسب بسيطة للطبقة العاملة، أو حتى الحفاظ على تلك الحقوق والمكاسب التي تحققت في العقود السابقة من عمر الحركة النقابية العمالية، وهذا يضع الحركة النقابية أمام مسؤولياتها من أجل استعادة النقابات لدورها المنوط بها، وهو سبب وجودها الموضوعي، وهو الكفاح من أجل أفضل شروط للعمل، وتحسين ظروف العمل باستمرار، والنضال من أجل إزالة كل أشكال الاستغلال، وجميع أنواع الاضطهاد للعاملين بأجر. ويتساءل العمال وكافة الكادحين: ما هي الأسباب التي أوصلت هذه الحركة النقابية العمالية العريقة إلى مثل هذا الوضع التي آلت إليه؟
ضعف منذ نهاية الخمسينات
ظهر هذا الضعف منذ نهاية الخمسينات في الحركة النقابية العمالية، وتعزز مع السياسات الاقتصادية الليبرالية التي انتهجتها الدولة، وقامت بتهميش النقابات في قطاع الدولة من خلال تقديم بعض التنازلات البسيطة، وإعطاء الوعود بتسوية مشاكل الطبقة العاملة. لتحول دون اعتماد الحركة النقابية العمالية في عملها النضالي على أدواتها وأسلحتها الأساس: من اعتصامات وإضرابات وغيرها، ولم تأخذ النقابات العمالية الموقف الحازم اتجاه هذه السياسات، واستطاعت السلطة التنفيذية مع الوقت أن تضعف النقابات في قطاع الدولة، بعد أن أضعفتها أيضا في القطاع الخاص.
وتقوم سياسة إضعاف العمل النقابي على تحطيم الأساس الذي يقوم عليه التنظيم النقابي العمالي، وهو: تحسين شروط وظروف العمل، وخاصة قضية الأجور، فهي تدرك تلك القوة الكبيرة التي تمتلكها وتشكلها الطبقة العاملة. بالإضافة إلى ذلك: إن الحركة النقابية العمالية ليس لديها برنامج واضح يحدد أهدافها الإستراتيجية اتجاه من تمثلهم الطبقة العاملة، بعد أن تخلت عن مشروع برنامجها الذي تحددت معالمه الأساسية في مؤتمر الإبداع الوطني والاعتماد على الذات، في أواخر الثمانينات من القرن الماضي. ومن جانب آخر، استطاعت أجهزة السلطة التنفيذية استقطاب العديد من الكوادر النقابية في عدد من المؤسسات.
وبدأت النقابات العمالية تتحول من أداة للكفاح والاحتجاج ومقاومة كل أشكال الاضطهاد للطبقة العاملة، إلى أداة لتهدئة العمال اتجاه السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومات المختلفة، المحابية لقوى المال والفساد. وذلك تحت يافطة الحوار بين العمال وأرباب العمل سواء في القطاع الخاص، أو الحكومة في قطاع الدولة، عوضا عن استخدام الأداة النضالية الناجعة ألا وهي: التفاوض. - والسؤال هنا: إذا كانت النقابات هي الأداة التي يدافع بها العمال عن مصالحهم ضد الاستغلال الرأسمالي، فهل السبيل إلى ذلك سياسة الصراع الطبقي والتفاوض أم الحوار والتعاون؟ الجواب طبعاً بات معروفاً وواضحاً. - تخلت النقابات عن بعض مكاسبها الاجتماعية وعن مطالبها الأساسية، وخاصة الأجور، تحت يافطة حماية الاقتصاد الوطني من الأزمة التي تعصف بالبلاد، التي لم تكن لولا تلك السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي تم السير عليها من قبل السلطة التنفيذية، وما زالت حتى اليوم مستغلة ضعف الحركة النقابية عامة.
وخلاصة القول، وكما ذكرنا في أعداد سابقة: أنه مهما بلغت الحركة النقابية من ضعف، ومهما تلقت من ضربات، ليس للطبقة العاملة سوى النضال الجماعي دفاعاً عن شروط عملها وعيشها وكرامتها. وواهم من يظن أن أعداء العمال وكافة الكادحين سيقفون عند حدود ما.. في نهبهم للثروة المنتجة. لذلك وجود الحركة النقابية قضية هامة لا بد من الحفاظ عليها، والعمل على تخليصها من الأمراض العالقة في مفاصلها، من خلال تكريس العمل النقابي الكفاحي الطبقي.
لتحميل العدد 993 بصيغة PDF
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 993