التغيير المطلوب عمالياً
إذا قمنا بجردة حساب بسيطة لواقع الطبقة العاملة منذ انعقاد المؤتمرات النقابية وحتى الآن، وما طرح فيها من قرارات تتعلق بتحسين الوضع المعيشي للعمال وحقوق أخرى، نجد أنّ المحصلة النهائية لتلك الجردة خاسرة، والعمال قد فقدوا الكثير منها، وخاصة فيما يتعلق بمستوى معيشتهم وحقوقهم الأخرى.
بينما القوى الثانية المتحكمة بمقاليد الثروة قد حققت أرباحاً كبيرة، بالمعنى المادي والسياسي الاقتصادي، وأثار هذا الواقع معاناة في كل تفاصيل حياة الفقراء، وهذا له أسبابه ومسبباته، حريات عالية في النهب، وفقدان الحريات السياسية والديمقراطية للمنهوبين، مما جعل من الطبقة العاملة الحلقة الأضعف بمقاييس موازين القوى الطبقية السائدة، والأكثر تأثراً بالمجريات المحيطة بها حتى فقدت كل ما كانت حائزه عليه من حقوق.
لقد تم تجريد الطبقة العاملة من أدواتها، التي يمكن من خلالها أن تدافع عن مصالحها الاقتصادية ضمن الشروط التي تعمل بها، بالرغم من أن الدستور السوري، قد نص في مادته الـ44 على حق الإضراب للطبقة العاملة، وعلى استقلالية حركتها النقابية، بعيداً عن أية هيمنة أو وصاية على قراراتها، وحقّها بالتعبير عن مصالح من تمثل، أي: بعيداً عن المادة الثامنة في الدستور القديم، ولكن هذا شيء وقدرة الطبقة العاملة على حماية حقوقها الدستورية شيء آخر، وهي مرتبطة بمستوى الحريات وقوة تنظيمها في المعامل والشركات الإنتاجية، وقدرة الحركة النقابية على أن تكون جزءاً من حراك العمال وفي مقدمتهم.
قمنا باستعراض ذلك الواقع وآثاره على مصالح الطبقة العاملة كي نبين الفوارق في الحقوق بين الطرفين المتناقضين في المصالح، حيث لا حريات ولا حقوق في ظل الهيمنة الكاملة على الثروة أي: في ظل التوحش في النهب وسلب الحقوق إلّا عبر انتزاع الطبقة العاملة لحرياتها الأساسية المسلوبة منها بفعل القوانين والتشريعات المعبرة عن مصالح قوى رأس المال في حالته الوحشية.
إن تلك الكوارث المريرة والمأساوية التي سببتها السياسات الليبرالية- ضمن النموذج الاقتصادي السائد- حاضرة، وهذا يجعل الأمور تتفاقم وتكون الخيارات أمام الطبقة العاملة مفتوحة من حيث المواجهة والصراع في حال تأمن الظرف السياسي المطلوب، وبالتالي يمكن القول: إن حلّ القضية المعاشية وقضية الحريات العامة مرتبط بحل الأزمة السورية، على أساس الحل السياسي المستند إلى قرارات الأمم المتحدة، والتي يجري الآن العمل على الحل وفقها، بالرغم من المعيقات الكبرى التي تواجه ذلك، والحل السياسي يعني في جوهره: قدرة القوى المنهوبة على الفعل المطلوب من أجل مصالحها، والحل السياسي يعني فتح الأفق الواسع أمام القوى الوطنية، ومنها: الحركة النقابية، والطبقة العاملة مستفيدة من تجربتها الحالية في الأزمة، باتجاه الصراع السلمي والمكشوف مع تلك القوى على أساس المصالح الوطنية للشعب السوري الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفي القلب منها: قضية توزيع الثروة ونموذج اقتصادي جديد، أي: بما يعبر عن توزيع عادل للدخل الوطني المختل توزيعه الآن لصالح قوى الفساد والاحتكار الكبرى، التي أظهرت أزمة كورونا نتائجه الكارثية، حيث أفقرت الشعب السوري، ومنه الطبقة العاملة السورية، مما يعني بالضرورة: أن تعي الطبقة العاملة مصالحها الحقيقية مستعيدة أدواتها النضالية التي خسرتها، والتي تمكنها من المساهمة في تحقيق التغيير الجذري المطلوب لمصلحة أغلبية الشعب السوري المقهور، في الاقتصاد والسياسة والديمقراطية. فهل تفعلها الطبقة العاملة؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 985