سوبر معتّر
فادي نصري فادي نصري

سوبر معتّر

أن تكون موظفاً أو عاملاً في سورية، وتستطيع أن تسير في العمل، يجب عليك أن تتمتع بعدة شروط لتحفظ وجودك في عملك، ولتجاهد لبقائك على قائمة الأحياء، والشرط الأول لذلك: يجب أن تتمتع بدرجة عالية من اللياقة البدنية، ويقابلها أيضاً انضباط عالي المستوى في مواعيد عملك واستيقاظك، ولن ننسى التأكيد على امتلاكك لصبر أيوب.

ماراثون لقمة العيش

هذه المقدمة ليست ساخرة ولا عبارة عن تحفيز للعامل، إنما هي الحقيقة المرة التي يعيشها العامل السوري، فالأغلبية الساحقة من العاملين بأجر يعملون عملاً أو عملين ويعني هذا أنّ ساعات عملهم طويلة وتتجاوز في بعض الحالات ست عشرة ساعة، لنثبت هنا عدد الساعات هذه، علماً أن الغالبية العظمى من العاملين يعملون لساعات أكثر، وتتبعها كأمر واقع عدة ساعات أخرى غير محسوبة في العمل، وهو الوقت الذي يقضيه العامل في الطرقات حتى يصل من منزله إلى مكان عمله، أنا على سبيل المثال: أعمل عملين، وتقتطع من نهاري ساعتان غير (مقطوعة ولا ممنوعة) أقضيها متنقلاً بين الباصات والسرفيس وانتظارهما، حديثنا إلى الآن هو ضمن الوضع الطبيعي في مستوى عمل العبودية الذي نعمل به، إذاً لدينا ست عشرة ساعة عمل تلحقها ساعتان، النتيجة ثماني عشرة ساعة، هي الساعات التي تبيع بها نفسك يومياً لرب عملك، ويتبقى لك في الأربع والعشرين ساعة المتبقية، ست ساعات تستطيع يا (عامل يا معتّر) أن تسترد بها طاقتك وتجددها بالنوم والراحة استعداداً لليوم التالي، ولكن مهلاً هل جلبت (الخبز) لمنزلك؟ إذا لم تجلب الخبز فأنت مضطر أن تخفض ساعات رفاهيتك الست اليومية وتتركها على الله، ويعتمد هنا الأمر على عودتك (بقوتك الأساس) للمنزل بحسب درجة الازدحام على الأفران «نص ساعة- ساعة- ساعة ونص» حسب التيسير والعامل الذي منزله قريب من المخبز كما يقال (بيته بالقلعة).
نعم هناك أزمة خبز وأنت لديك أزمة وقت وراحة، ولذلك أصدرت الحكومة قراراً لحماية قوتك من الفاسدين الذين يبيعون الخبز أمام الأفران، ولتخفض درجة الازدحام وتيسر لك أمرك، بهذه الطريقة، توزيع ربطة للشريحة بين فرد وفردين، ربطتان ‏للأسرة من 3 إلى 4 أفراد، ثلاث ربطات للأسرة من 5 إلى 6 أفراد، أربع ربطات ‏للأسر فوق 7 أفراد.‏ وهكذا يأخذ كل ذي حق حقه (وما حدا بقرب على خبزات التاني)، ولكنّ العمال الذين تحدثنا عنهم سابقاً منهم من عدد أسرته 4 أشخاص، وتحق له ربطتا خبز يومياً، فإن كان قبل هذا القرار يقتطع من ساعات راحته، ساعة واحدة كل ثلاثة أيام، فالآن يجب عليه أن يضحّي يومياً بساعة نوم أو أكثر لتأمين الخبز، لأن ربطتين من الخبز سوف تقسم حتماً هكذا، إذا لفت لك زوجتك سندويش عدد 2 لدوامك الصباحي ووضعت لك رغيفين مع الزوادة سيتبقى من الربطة الأولى رغيفين، وبطبيعة الحال عائلتك سوف تأكل الفطور والغداء وتتعشى، وأبناؤك أيضاً بحاجة السندويش في المدرسة، ولذلك فرضية أنك ستنتظر في طابور الخبز بشكل يومي أمر واقع لا مفرّ منه. وعدّ يا مواطن انتظارك لرسالة الغاز والتي تأتي بشكل مفاجئ مما يضطرك للتأخر عن عملك لاستلامها وازدحام المؤسسات الاستهلاكية، وما إلى هنالك من طوابير وازدحامات أنت مرغم على الوقوع فيها.

ثماني ساعات نوم

كل ما ذكر أعلاه من أزمات مرتبطة بشكل مباشر في قوت أصحاب الدخل المحدود وتوجد في جوهرها أزمة الوقت، هذا الوقت المحسوب على العامل في نومه وساعات عمله وتلبية احتياجاته الحياتية، يقول المثل: الوقت كـالسيف إن لم تقطعه قطعك، لتحفيز الإنسان على تنظيم وقته واستثماره بالطريقة التي تودي به إلى تطوير نفسه، ولكن كيف نطور من أنفسنا ونحن محشورون بين الطوابير راكضين وواقفين وعيوننا تشتهي النوم، كيف نتطور ونحن عالقون في الزمن، وكأن الزمن توقف في بلادنا منذ صراعات القرن التاسع عشر بين الناهبين والمنهوبين، هذه الصراعات التي أمّنت آنذاك للطبقة العاملة قانوناً يحمي وقتها ويمنع عنها ما يدمر الطبقة العاملة السورية اليوم على جميع الأصعدة في صحتها وغذائها ومستقبلها، ولذلك؛ إن قضية ساعات العمل ليست قضية جديدة فقد حلتها الطبقة العاملة منذ زمن طويل، وتم دفع ضريبتها من دماء العمال في الشوارع، عندما طالبت الأممية الأولى برفع شعار النضال في سبيل ثماني ساعات عمل، هذا الشعار الذي حرك آلاف العمال حول للعالم للنضال والسعي لأجله، وأدى إلى إضرابات لم ولن ينساها التاريخ وستبقى منقوشة بالذهب في تاريخ الطبقة العاملة، ومنها: الإضراب العظيم الذي قام به عمال شيكاغو في أيار من عام 1886، والذي شارك فيه 400 ألف عامل، وطالبوا فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار «ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع»

من الدستور فقط

جاء في الدستور السوري في الفصل الثاني المبادئ الاقتصادية:
يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى زيادة الدخل الوطني وتطوير الإنتاج، ورفع مستوى معيشـة الفرد وتوفير فرص العمل.
تهدف السياسة الاقتصادية للدولة إلى تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة.
تكفل الدولة حماية المنتجين والمستهلكين وترعى التجارة والاستثمار وتمنـع الاحتكار فـي مختلف المجـالات الاقتصادية وتعمل على تطوير الطاقات البشرية وتحمي قوة العمل، بما يخدم الاقتصاد الوطني.
فهل ما يجري الآن بحق العمال وعموم الفقراء يتوافق مع الدستور وما جاء فيه؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
985
آخر تعديل على الإثنين, 28 أيلول/سبتمبر 2020 14:06