حتى تتضح الرؤيا
فادي نصري فادي نصري

حتى تتضح الرؤيا

من منا لم يبتعد عن ازدحام البسطات المنتشرة بكثرة على الأرصفة، ويضطر أن يمشي في وسط الشارع حتى لا يعلق في متاهاتها؟ كُثُر أيضاً من ينتقدون هذه الظاهرة، ومن يدعون لملاحقتها رغم تعاطف البعض معهم، والجدير ذكره أن هذه الأعمال تتم ملاحقتها بين الفينة والأخرى تحت شعارات التلوث البصري والفوضى على الأرصفة وما إلى هنالك من مبررات لمكافحة هذا النوع من الأعمال.

التلوث البصري والفوضى

من زاوية أخرى، من ينتقدون هذه الظاهرة أو يكافحونها هل يعلمون بأن هذا التلوث البصري والفوضى انعكاس أيضاً لتلوث الفقر والبطالة وفوضى الحاجة، والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: هل يستطيع بائع بسطة أن يفرد منتجاته بأي حي من أحياء الأغنياء؟ وإن حصل ذلك، ماهي المدة الزمنية التي يستطيع أن يستمر فيها؟ حتماً لن يستطيع وسيلاحق فوراً وستصادر بضاعته وربما يهان، لذلك البسطات يتركز وجودها في أحياء الفقراء وبأماكن عبورهم أيضاً، مثل جسر الرئيس وشارع الثورة، والشيء الذي أريد أن أضع مجهر العدالة فوقه، أن هذه الظاهرة تحمل في طياتها عدداً كبيراً من أسباب الفوضى، وأولها: البطالة، فالبسطات هي وسيلة رزق للمعطلين عن العمل، فمن هؤلاء من استدان ثمن بضاعته أو شارك معدوم الحال على شاكلته، وقصد (الكريم) كما يقال، ليفترش الأرض ويسعى برزقه، ولكن هل تعتقدون الأمر بهذه البساطة؟ لا فأي بائع بسطة حتى يتمكن من الاستحواذ على متر واحد على أحد الأرصفة عليه أن يشارك الفاسدين الصغار في عدة جهات رسمية مسؤولة عن المنطقة التي يريد الارتزاق فيها، وهذه الشراكة حتماً تكون على شكل (إتاوة)، على الرغم من قساوة ظروف عملهم، فهي بين لهيب الصيف وصقيع الشتاء وانعدام النظافة، فالعمل في الشارع يحمل في طياته العديد من المشاكل الصحية جراء عدم تواجد وسائل النظافة الشخصية، والكارثة أنهم من جهة معطلين عن العمل ويسعون لرزقهم، ولم يجدوا فرصة عمل تلبي احتياجاتهم الحياتية، ومن جهة أخرى الفاسدون الصغار يستثمرون في نضالهم لكسب الرزق تحت بوابة تأمين الحماية لهم، ولكن عندما تتطاير فقاعات تنظيف المدن ومنع الفوضى فيها، تهرع آليات المحافظة لمصادرة ما هبّ ودبّ وترتفع الحماية عن البسطات بلمح البصر من قبل الفاسدين الصغار تحت حجة (القرار من فوق) والجدير ذكره وجود بسطات يمتلكها أشخاص متنفذون في مناطقهم، ولا يتم المساس بهؤلاء أبداً، ويعمل لديهم بائعون يتقاضون أجور يومية تتراوح بين لـ 2500 ليرة سورية و5000 ليرة مقابل اثنتي عشرة ساعة عمل وأكثر، بنفس ظروف العمل التي ذكرناها.

الجوهر قضية بطالة

إذاً، الظاهرة في جوهرها قضية بطالة وحاجة لكسب الرزق ومكافحة شرسة لإنهاء وجودها دون الالتفات لأسباب الظاهرة الحقيقي، ألا وهي (البطالة) لسنا الوحيدين فسورية ليست البلد الوحيد التي توجد فيها هذه الظاهرة، وهي ظاهرة عامة في كل الدول التي تنعدم فيها العدالة في توزيع الثروة الوطنية، وآليات المواجهة ذاتها والالتفاف حول الحل الجذري للظاهرة ذاته، ولذلك تجد الحلول المسكنة على الشكل التالي، كنقل البسطات لخارج المدن وتأمين أماكن مخصصة لهم! هذا حلّ، ولكنه حلّ مسكن وبداخله الكثير من الأعراض الضارة، ومنها اختيار الأماكن بعيداً عن مداس الأقدام، أي بيع أقل وعودة الابتزاز من قبل الفاسدين الصغار، ولذلك هو حلّ غير مُرضٍ، ولكن من يريد تقديم يد العون لهؤلاء يستطيع ابتكار الحلول، وأنا أرى حلاً مسكناً أيضاً، ولكنه يعتبر آلية مؤقته ريثما تتكاتف القوى الوطنيه لحل جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية بشكل جذري، ومعها تحل مشكلة العاطلين عن العمل حتماً، والاقتراح هو إقامة معارض تسوق شعبية تكون تحت إدارة المحافظة ووزارة العمل ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، وعلى سبيل المثال، الاتفاق مع البسطات المتواجدة في جسر الرئيس والبرامكة في مدينة دمشق، ونقلها إلى أرض مدينة المعارض القديمة وتأمين البيئة المناسبة للعاملين في هذا المعرض، وإيجاد آلية دعاية لهذه المعارض.
بهذا الحل (المسكن) تستطيع وزارة العمل والتأمينات أن تحصي بشكل مباشر العدد الحقيقي للعاطلين عن العمل، الذين يعملون في هذا المجال، لتعمل على تأمين وظائف لائقة لهم، والتأكيد على منع استغلال هذه التجربة من قبل المالكين (المدعومين) للبسطات.

الحل الحقيقي

إن أي حلّ لا يراعي مصالح القوى المنتجة بشكل جذري هو حتماً حلّ ترقيعي، والحل الوحيد لمشاكل كل الشعب السوري هو عبر حل جميع القضايا الاقتصادية ومحاربة الفساد الكبير، والعمل على توزيع عادل للثروة الوطنية يضع مصالح القوى المنتجة في المقدمة، وللوصول إلى هذا الهدف يجب الاستفادة القصوى من كل الثروات والإمكانات في بلادنا، من خلال العمل على إعادة تأهيل المعامل المتضررة وافتتاح مشاريع ضخمة تتولى إدارتها الدولة، بالإضافة لدعم تصنيع المواد الخام، ودعم القطاع الزراعي، وتقديم كافة التسهيلات للمزارعين، وتوجيه نتائجها لراحة الشعب السوري وانتشاله من مأساته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
982
آخر تعديل على الإثنين, 07 أيلول/سبتمبر 2020 13:30