الواقع الاقتصادي الاجتماعي... ضرورات التغيير ومراوحة النقابات في المكان..
المؤتمر السادس والعشرون للحركة النقابية الذي عقد في دمشق بين 18-20/1/ 2015 خرج بمجموعة من القرارات التي تحدد توجهات الحركة النقابية بعد المؤتمر، ومن ضمن تلك القرارات المتخذة ما يتعلق بالشؤون الاقتصادية، أي إن الحركة النقابية تقدم لنا رؤيتها بالواقع الاقتصادي، ورؤيتها بحل مشاكله المزمنة منها والآنية، وهذا كان واضحاً من المقترحات التي تم تقديمها للحكومة- والبالغة تسعة عشر مقترحاً يمكن العودة إليها لمن يرغب- لخروج الاقتصاد بشكل عام والوضع الإنتاجي للشركات بشكل خاص من عنق الزجاجة التي وضع فيها.
ما نودّ أن نقوله في تذكيرنا لما جاء من قرارات المؤتمر: إنَّ الحركة النقابية مقبلة على مستحقات جديدة، وعقدت مؤتمرها السابع والعشرين، وأصدر المؤتمر قراراته كما يفعل في كل المؤتمرات النقابية، وهي شبيهة بالقرارات السابقة وهذا يعني أن الأوضاع الاقتصادية وأوضاع المعامل تسير على الرتم السابق نفسه، لا بل تزداد أوضاعها تدهوراً مع المستجدات الجديدة الحاصلة، والسؤال: هل ستجري النقابات مراجعة لتلك القرارات بما يعني تنفيذها من قبل الحكومة؟ حيث تقول النقابات إنها في خندق واحد وهي شريك للحكومة في قراراتها.
إن الزمن أو تطورات الأزمة وتغوُّل الحكومات في سياساتها الاقتصادية، ووصول الواقع المعيشي والاقتصادي إلى مستويات من التدني تجاوزت فيها زمن انعقاد المؤتمر، وما كان يراه في ذلك الوقت من إمكانية إصلاح ما قد يساعد على تحسين وتطوير الواقع المتردي للاقتصاد والمستوى المعيشي، اليوم لم يعد بالمقدور طرح الإصلاح للقطاع الصناعي والزراعي في ظل السياسات السائدة، وفي ظل نهب عالي المستوى للثروة المنتجة بكل أشكالها.
الحركة النقابية عليها مسؤولية أكبر وأعظم ليس في صياغة مجموعة من القرارات والتوجهات العامة، بل عليها صياغة برنامج يؤمن المواجهة مع السياسات الاقتصادية الجارية والمتسارعة في آن واحد، والتي محصلتها تكون مركزة أعلى للثروة من جراء النهب غير المسبوق الذي تقوم به قوى النهب الكبير، وهذا يتطلب ليس برنامجاً على الورق، رغم أهميته السياسية والتنظيمية، بل يحتاج إلى حامل لهذا البرنامج، والحامل هو الطبقة العاملة التي توافق عليه وتتبناه وتناضل على أساسه، باعتباره برنامجها الذي يعبر عن أعمق مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اللحظة الزمنية المحددة، التي تتغير فيها موازين القوى على كل الصعد الدولية والإقليمية، مما يخلق مناخاً وظروفاً تساعد أكثر على زيادة وزن الحركة العمالية والنقابية، من حيث قدرتها على الدفاع عن حقوقها ومطالبها، ولكن هناك سؤال يطرح: هل بمقدور الحركة النقابية الذهاب في الاتجاه الذي تحدثنا عنه ضمن آليات عملها الحالي، وضمن الشروط التي تعمل بها وضمن الرؤية المصاغة إلى الآن؟
«رؤية اقتصادية استشرافية»
جاء في مقدمة الرؤية الاقتصادية الاجتماعية «انطلاقاً من مسؤولية الاتحاد ودوره التشاركي في رسم السياسات العامة وإقرار الخطط التنموية والاقتصادية فقد تم وضع رؤية اقتصادية استشرافية تحدد ما هو مطلوب على المدى القريب أو مرحلياً وما يجب أن نعمل من أجله على المدى البعيد».
الحركة النقابية بهذه المقدمة تقر بمسؤوليتها المشتركة مع الحكومة، وبالتالي، هي شريك بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتعاقبة، وما ينتج عن هذه السياسات من قضايا لها علاقة مباشرة بتطورات الوضع الاقتصادي بالرغم من نقد النقابات لهذه السياسات في بعض جوانبها، ولكن هذا لم يغير من واقع الحال في شيء.
التراجع الحاد
الحياة المعيشية لأغلبية الشعب السوري- حيث الطبقة العاملة السورية جزء لا تتجزّأ منه وأصابها ما أصابها من تلك السياسات- التي تقول الورقة عن نتائجها المتمثلة بالتراجع الحاد في أداء المؤشرات الاقتصادية الكلية من انكماش في الناتج المحلي الإجمالي، إلى تغيير في هيكلية الإنتاج، إلى تفاقم الدَّين العام، وانخفاض الاستثمار العام والخاص وارتفاع في معدلات التضخم والبطالة والفقر إلخ... هذه القضايا التي وصفتها الورقة المقدمة كرؤية، فكيف عليه الحال الآن بعد عدة سنوات من تقديمها؟!.
الورقة النقابية لم تتطرق بشكل خاص لموضوعة الأجور وضرورة زيادتها وعلاقتها بنسبة الأرباح المتحققة في الدخل الوطني، وهنا بيت القصيد الذي كان على الورقة الوقوف عنده لتبيان حجم النهب الواقع من خلال نسبة الأرباح التي يجنيها الفاسدون الكبار، وتأثير ذلك على الطبقة العاملة وعلى الواقع الاقتصادي بكل مفاصله.
السياسة الأجرية
تعتبر السياسة الأجرية مفتاحاً أساساً لأي إصلاح اقتصادي، ولا يمكن بدون سياسة أجرية تؤمن التناسب بين الأجور والأرباح، أي بين الأجور والأسعار أن تتم عملية الإصلاح التي يملؤون الدنيا بها عبر الإعلام والإعلام فقط، لأن خلق ذلك التناسب يعني وقف التدهور المعيشي للأكثرية الساحقة من الناس.
إنَّ الخلل العميق بين الأجور والأرباح أدى إلى تمركز أعلى للثروة، أي إلى نهب كبير لهذه الثروة المنتجة، وهذا يعني من طرف آخر سوءاً في توزيع الدخل، الذي تكوَّن نتيجته تراجعاً في القيمة الحقيقية للأجور، ومن هنا فإن عدم تطرق الورقة لهذا الجانب الهام، وهو السياسة الأجرية وكيفية حلها، يعني عدم المساس بمصالح قوى النهب، وبالتالي استمرار الوضع المعيشي بتدهوره مما يدفع الطبقة العاملة إلى أن تذهب إلى خياراتها من أجل الدفاع عن حقوقها ومصالحها.
إننا نذكّر بما تم طرحه من قبل النقابات في المراحل المختلفة من الدورة الـ26 والنتائج التي حصلت عليها النقابات والطبقة العاملة، لنؤكد على ضرورة مراجعة تلك المواقف، ليس هذا فحسب، بل لابدَّ من تقديم جردة حساب للطبقة العاملة وهي تقول كلمتها، خاصة ونحن على أبواب مرحلة نقابية جديدة من المفترض أن تصيغ رؤيتها استناداً إلى التجربة السابقة، واستناداً إلى التطورات الجارية بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من وجهة نظر الطبقة العاملة ومن مصالحها العميقة.
هل تفعلها النقابات؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 979