من يده في الماء ليس كمن يده في النار
استغلت أجهزة الدولة علاقتها بالحركة النقابية فمررت قانون الاستثمار في تسعينات القرن الماضي وقانوني العمل القانون رقم 17 والقانون رقم 50، وفيهما حرم العمال العديد من الحقوق والمكاسب، وقانون التشاركية في بداية هذا القرن، وغيرها من القوانين والقرارات أو الإجراءات التي تساهم في هضم حقوق العمال ومصالحهم، ومحاصرة الإنتاج الوطني من صناعة وزراعة، مما ساهم بإضعاف مصداقية الحركة النقابية لدى الطبقة العاملة، وخاصة لدى عمال القطاع الخاص، وتم الإجهاز على معظم قطاع الدولة الصناعي من خلال التوجه نحو مشاريع الخصخصة التي بدأت فيها الحكومة في التسعينات من القرن الماضي.
ومنذ انفجار الأزمة الوطنية وحتى اليوم، وبعد إضعاف المنشآت الخدمية والإنتاجية لمعظم قطاع الدولة تعمل هذه السياسات الاقتصادية على الإجهاز على معظم الصناعات الوطنية في القطاع الخاص بشكل منظم، وهذا بدوره سيؤثر على وضع الطبقة العاملة نتيجة إغلاق المعامل والمصانع، التي يضطر أصحابها إلى الإغلاق نتيجة تلك السياسات الاقتصادية التي تم انتهاجها من قبل الحكومة، والتي منها عدم استقرار سعر الصرف.
وسط النار
هذا إضافة إلى العديد من الإجراءات والتعليمات والقوانين التي تعيق تطوير واستمرار هذه الصناعات، وتفتح الأبواب على مصاريعها لقوى النهب والفساد الكبير، وتضم هذه المنشآت مئات الآلاف من العمال والكوادر الفنية الهامة، التي يمكن أن تفقد عملها ورزقها في ظل هذا الغلاء الفاحش الذي يعاني منه المجتمع، مما ينذر بحالة لا تُحمد عقباها، فالعمال اليوم يعيشون وسط النار، نار الغلاء وانخفاض مستوى المعيشة، ونار إغلاق معاملهم ومصانعهم مصدر رزقهم الوحيد. هذه المعطيات وغيرها تضع الحركة النقابية في مأزق يُثقل كاهل العمل النقابي والنقابيين، وخاصة اقتصارها على المطالب الضيقة دون ربطها بحركة الطبقة العاملة ونبضها. إن حالة الحركة النقابية غير مرضية، وتعاني من ضعف كمي ونوعي، وخاصة في القطاع الخاص. فالحركة النقابية اليوم عاجزة عن الحفاظ على مكاسب صغيرة.
وأمام عدم قدرة النقابات على مواجهة هذا الهجوم على حقوق الطبقة العاملة، واستمرارها دون مستوى المخاطر التي تهدد مكتسبات العمال والحركة النقابية التي تحققت خلال عقود من النضال، تنمو حالة من القلق عبّر عنها العديد من النقابيين بأشكال عديدة خلال المؤتمرات النقابية المختلفة، وكذلك عبر الحوارات مع العديد من النقابيين في مختلف مواقعهم في الحركة النقابية، وفي العمل ويتساءل هؤلاء النقابيون، عن الأسباب التي أوصلت الحركة إلى هكذا وضع؟
البعد عن أدوات النضال
على الرغم من وقوف الحركة على طرف نقيض من قوى الفساد والنهب الكبير والاستغلال الرأسمالي، نجدها كذلك بعيدة كل البعد عن أدوات ووسائل ذلك النضال الذي يحدّ ويكبح تلك القوى، ويردع استغلال العمال.
يعلم هؤلاء النقابيون والعمال بوعيهم الفطري، أن الحركة النقابية ومهما بلغت من ضعف، ليس للطبقة العاملة إلا النضال الجماعي دفاعاً عن مكان عملهم، وعن شروط عملهم وعيشهم وكرامتهم، فمن يده في الماء ليس كمن يده في النار. ومن يعتقد أن أعداء العمال والمجتمع سيقفون عند حدود ما في سعيهم إلى سلب مكاسب العمال والثروة الوطنية، هو بلا شك واهم.
تنظيف الحركة النقابية
إن وجود التنظيمات النقابية مكسب هام يجب الحفاظ عليه، لذلك على هؤلاء النقابيين تنظيف الحركة النقابية من الأمراض العالقة في مفاصلها، وعليها إعطاء المثال العملي في اللجان النقابية ومكاتب النقابة واتحاد المحافظة، من خلال استخدام الأدوات الناجعة، وتكريس عمل نقابي كفاحي طبقي بوجه قوى النهب والفساد الكبير. إن هذا الوضع الجديد الذي يعيشه ميدان العمل يتطلب تجديداً في قوى الحركة النقابية، إذ لا يمكن للعمل النقابي في فضائه القديم أن يستوعب هذا الفضاء الجديد الذي يولد اليوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 975