مكافحة الفقر أوْلى دستورياً
منذ فترة والحكومة تحاول تمرير رفع الدعم عن الخبز بشكل سلس لتجنب ردة فعل الرأي العام عبر التّعمد بسوء تصنيعه وتقنين توزيعه عبر البطاقة الذكية وبمعدل ربطة واحدة لكل عائلة، ثم التراجع ورفع سقف إلى أربع ربطات يومياً، ثم الإعلان عن إنهاء التعاقد مع شركة تكامل لأسباب غير معروفة، وكأن الهدف هو تحميلها- أمام الرأي العام- وزر القرارات الحكومية الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بموضوع مادة الخبز والقرارات المترددة التي تصدر كل يوم تقريباً.
ومع الارتفاع الجنوني للأسعار لجميع أنواع السلع خلال الفترة الماضية والذي ما زال مستمراً، ومع الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة لمكافحة انتشار الكورونا، وتوقف أعمال الكثير من العمال، وخاصة المياومين والموسميين الذين يكسبون لقمتهم يوماً بيوم، نتيجة تلك الإجراءات وتأخر التحركات الحكومية في صرف المعونة التي أعلن عنها عبر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وفشل الوزارة في الوصول إلى العمال. كل ما سبق يتنافى مع القوانين والدستور السوري الذي نصّ على حماية قوة العمل ورعاية الدولة لكل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة، وهذا الوضع جعل العمال أمام خيار الجوع أو انتظار التصدق عليهم من قبل أهالي الخير.
سياسات الحكومة والدستور
تستمر الإجراءات الحكومية في مخالفة الدستور وإصدار قرارات اقتصادية تخالف مضمونه نصاً وروحاً، فرفع الدعم عن مادة الخبز يعني ما يعنيه أن كل أسرة ستدفع ما يقارب 45 ألف ليرة سورية ثمن خبز فقط، أي ما يقارب الحد الأدنى من الأجور مع العلم أن الدستور السوري نصّ في المادة الأربعين منه على أن لكل عامل أجراً عادلاً حسب نوعية العمل ومردوده على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيّرها، كما وتكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال، واليوم ومع مرور عشر سنوات على قانون العمل رقم 17 لعام 2010 لم تعقد اللجنة الوطنية للأجور أية اجتماعات لها بالرغم من أن الحد الأدنى للأجور لم يعد يكفي لتأمين الخبز أبسط مادة لدى الشعب السوري، وتكاد تكون الوجبة الأساسية للكثيرين.
فيروس الفقر انتشر
تعامل الحكومة مع العمال في أزمة تفشي وباء الكورونا والإجراءات الاحترازية يُعبر بشكل واضح عن سياسة الحكومة التي لا تعير اهتماماً لشؤون الطبقة العاملة وأحوالها، وأنها ما زالت مستمرة في إجراءاتها الاقتصادية من رفع للدعم والتهجم على حقوق العمال، وتفتقد الحكومة للشرعية القانونية والدستورية في سياساتها ولا أحد يستطيع تأييد قراراتها، لأنها باتت تهدد بالإفقار جميع فئات المجتمع.
والشي الوحيد الذي يدفع الحكومة لتحسب حساب أي قرار تتخذه هو اتباع العمال للأساليب الديمقراطية والدستورية في التعبير عن آلامهم، ولا سيما الإضراب سلاح الطبقة الوحيد، والعمال ليسوا بعيدين عن تبني هذا الخيار، فسياسات الحكومة ستدفع الطبقة العاملة لتبني هذا السلاح، فذلك أفضل لها من أن تموت جوعاً.
وإذا كانت الدولة تخشى من تفشي فيروس كورونا واتخذت التدابير الوقائية والاحترازية لتفادي انتشاره حسبما أعلنت، إلا أنها فشلت في مكافحة فيروس الفقر باعتبارها أحد مصنعيه الأساسيين بسياساتها وإجراءاتها التي تفاقم الأوضاع أكثر فأكثر، وبالمقابل هي لم تتخذ أية إجراءات لمكافحته ولم تقم بأية تدابير احترازية لتفادي انتشاره بل على العكس من ذلك تماما فهي بسياساتها أوصلت الطبقة العاملة ليس للفقر وإنما للجوع، وإذا انتشر الجوع واستفحل فلن تستطيع الحكومة وقف آثاره، ولن تنجح في إعادة المارد إلى فانوسه التي أغمضت أعينها عنه طوال هذه السنوات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 962