كيف يكون الإنتاج الصغير بديلاً للموسع؟
عادل ياسين عادل ياسين

كيف يكون الإنتاج الصغير بديلاً للموسع؟

يُكثر الإعلام في الفترة الأخيرة من الترويج لفكرة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ستكون مدعومة من قبل الحكومة، حيث عملت لهذا الغرض الهيئات والمؤسسات على مختلف أنواعها من أجل دعم هذا النوع من المؤسسات التي ستكون مخرجاً حقيقياً لأزمة الإنتاج الكبير القائم، الذي يعاني صعوبات كبيرة في عمليات تدويره لعجلات الإنتاج، هذا ما يعبر عنه الصناعيون بمختلف قطاعاتهم الإنتاجية، وخاصة مع التغيرات الكبيرة اليومية الحاصلة بسعر الدولار مقابل الليرة السورية، مما جعل حجم الإعاقة يكبر لدى الصناعيين وحجم الإرباك يزيد لديهم باعتبار تأمين المواد الأولية وقطع الغيار للخطوط الإنتاجية وغيرها من مستلزمات مرتبطة بسعر الدولار وتقلباته السريعة باتجاه الأعلى لصالح الدولار. وهذا الأمر ينعكس على التكاليف، وبالتالي على التسعير والقدرة على المنافسة من أجل التسويق المحلي أو التصدير، والتصدير إلى الخارج تعترضه المنافسة من قبل البضائع الأجنبية التي لا تتعرض لنفس الظروف التي تتعرض لها العملية الإنتاجية برمتها في سورية. ومن هنا لا تكون هناك قدرة على التسويق الخارجي والمنافسة. 

تقول بعض الدراسات الصادرة بأوقات متفاوتة ومصادرها متعددة: إنّ المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سورية تبلغ نسبتها 95% من منشآت القطاع الخاص وهي تُصنَّف بمعظمها ضمن ما يسمى اقتصاد الظل، وهذه النسبة الكبيرة من المنشآت متوزعة في الأقبية وأماكن أخرى أشبه بمناطق العشوائيات، أي إن الشروط التي تنج بها هذه المنشآت ظروف عمل غير صحية، وتتعرض لمصاعب كبيرة في عمليات الإنتاج من حيث تأمين مستلزماتها الإنتاجية، وخاصة تأمين المشتقات النفطية والكهرباء وكذلك موادها الأولية. ويمكن أن نضرب مثالاً على واقع هذه المنشآت، صناعة الجوارب التي تعمل في البيوت والأقبية ولديها عدد ضئيل من العمال لا يخضعون لأي قانون ينظم علاقتهم برب العمل الذي يمكن اعتباره فوق مستوى العامل بقليل، كونه هو المعلم بالعمل، وأيضاً صاحب مكان العمل وبالمثل صناعة الألبسة التي تعمل لصالح المعامل الكبيرة بالقطاعي، وتلك المعامل منصرفة إلى أمور أخرى قد تكون تجارية أو مالية خاصةً أثناء الأزمة والصعوبات التي لاقتها من جرّاء ذلك.
إن الحلول المطروحة من أجل خروج الإنتاج من مأزقه ليست بالحلول التي تريد إخراج الصناعة من عنق زجاجتها، لأن ما يطرح الآن من تصوُّرات هو للمستقبل وليس هناك إجراءات فعلية يمكن أن تكون مخرجاً فعلياً، لأن المخرج الفعلي لدعم الصناعة صغيرها أو كبيرها أو متوسطها يحتاج إلى إجراءات تُمكّن الصناعيين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من إنجاز عملهم وهذا تعترضه الكثير من الصعوبات في ظل غياب الموارد التي تُمكّن من الاستثمار.
لقد قدم مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وصفاً دقيقاً لواقع تلك المشاريع المنوي دعمها وتتلخص:
تعتمد المشروعات على المدَّخرات الشخصية والقروض أو من جهات أخرى، كالمرابين والبنوك التي لا تتعامل مع هذا النوع من المشروعات، وذلك لانخفاض الثقة الائتمانية لدى البنوك.
معظم المشروعات تجد مشكلة في التواصل مع الزبائن المحتملين.
72% من المشاريع الصغيرة والمتوسطة لديها مشاكل تسويقية.
صعوبة في تأمين المواد الأوّلية أو قطع الغيار للآلات.
45% من هذه المشروعات لديها مشكلة فنّية.
53% لديها مشكلة في العمالة.
وأضاف إنّ تحسين وضع البيئة إيجاباً على القطاع الذي تتخصص فيه، والذي يشكل أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي في سورية، وبالتالي يعتبر أكبر مشغِّل لليد العاملة والذي ستعتمد عليه معظم الحلول الاقتصادية والاجتماعية فيما بعد.
أمام ما تقدَّم هل يمكن لتلك المشروعات أن تكون محل رهان من أجل الحلول الاقتصادية والاجتماعية؟
إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة الصناعية والزراعية منها، قضية اقتصادية هامة للحجم الذي تشغله من الاقتصاد السوري، ولكن لا نعتقد أنها ستكون هي المخرج الحقيقي للواقع الاقتصادي الصناعي الزراعي كما عبرت عن ذلك هيئة تنمية المشروعات في جلساتها الأخيرة، العالم اتجه منذ سنوات طويلة نحو الإنتاج الموسع والكبير، باعتباره يحقق نمواً عالياً يسهم مساهمة كبيرة في التنمية المطلوبة، ويحقق موارد مهمة للخزينة، خاصةً إذا تأمَّنت له الظروف المناسبة الداعمة له لكي يصبح محور النشاط الاقتصادي الاجتماعي، وسورية كما نعتقد تملك من القدرات الإنتاجية ما يمكِّنها من أن تكون في مقدمة الدول المصنِّعة باعتبار أن لديها مقومات زراعية تستطيع الاستفادة منها إلى الحد الأقصى، ولكن كما هو معمول لأجله، فإن التوجهات والسياسات فيما يخص الإنتاج الحقيقي الصناعي الزراعي ليس من الأولويات التي يمكن الحديث عنها، والرهان ليس بهذا الاتجاه، بل باتجاه الاقتصاد الريعي الذي تنشط الحكومة بالدعاية له، وعقد المؤتمرات من أجله، للترويج له باعتباره قاطرة النمو كما يصرِّحُ العديدون، وهو يعبر عن مصالح قوى رأس المال التي توظف استثماراتها في مطارح تكون دورة رأس المال فيها سريعة ومخاطرها أقل وعمالتها أيضاً أقل قياساً بالمشاريع الإنتاجية.
إنَّ دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة مهمٌّ مع تأمين الظروف المناسبة لها لتجاوز المعيقات التي توضع في طريقها، وهي رافد مهم للاقتصاد الوطني للحيز الذي يشغله، ولكن الأهم من ذلك كله ذلك هو الإنتاج الحقيقي الكبير الذي يحقق نسب النمو المطلوبة للتنمية، وهو المخرج الحقيقي من البطالة والفقر والتهميش.

معلومات إضافية

العدد رقم:
942