شركات برسم التسويات؟
منذ أن أطلت برأسها علينا السياسات الليبرالية والاقتصاد الوطني برمته وخاصة القطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي يعيش هذا الاقتصاد في دوامة الإصلاحات واللجان التي كانت تنوي (إصلاحه)، كما كانت تقول في مقدمات تشكيل اللجان، ولكن هذا الإصلاح لم يحدث والتطوير ذهب بعيداً في أدراج أولي الأمر والعقد والنهي بهذا الشأن، لا بل جرى طرح الكثير من التنظير من قبل جهابذة الاقتصاد الليبرالي بأن شركات قطاع الدولة تشكل عبئاً حقيقياً على الاقتصاد وتمنع عملية تطوره بالشكل الذي يرونه، أي بالشكل الذي أملاه عليهم صندوق النقد الدولي وخبراؤه الذين أتوا لتقديم الخبرة والمشورة في كيفية التخلص من هذا العبء، وكيفية الذهاب بهذا القطاع الحيوي والهام وقاعدة الارتكاز، التي يمكن أن تستند عليها أية عملية تنمية مستدامة تسهم في تأمين المتطلبات الأساسية للشعب السوري من عمل وسكن وصحة وبنية تحتية، وتخفض إلى حد بعيد من الفقر والبطالة والتهميش وغيرها من القضايا الأخرى التي كان لها عامل مهم في تكوين الاحتقان وعدم الرضا الشعبي عن كل السياسات.
الأمور الإصلاحية التي طرحت كانت تقوم على أساس كيف ستنسحب الدولة من مهامها الاقتصادية الاجتماعية وفقاً لتلك التوجيهات للمراكز المالية الغربية تحت حجة العبء الذي يرتبه قطاع الدولة الإنتاجي والذهاب باتجاه الاقتصاد الريعي وهو ما يلبي مصالح قوى النهب والفساد الكبير وتكوين الثروة من جهد وعرق ملاين السوريين الذين ينتجون الثروة.
أحد الاقتصاديين الفاعلين في القرار الاقتصادي لخّص التوجه نحو قطاع الدولة والموقف منه عندما قال (لماذا نتصارع على القطاع العام دعوه يموت موتاً سريرياً) والمراد بهذا القول أنّ الإصلاحات التي تطرح لا جدوى منها ولا فائدة كالمريض المصاب بداء عضال لا شفاء له منه فيترك لحاله إلى أن يأتي أجله وهنا لا يتحمل مسؤولية موته أحد بالمعنى المباشر.
لقد طرحت الحكومات المتعاقبة خططاً وتصنيفات للشركات سَمّتها خاسرة وحدية ورابحة، وبنت على هذا التصنيف توجهاتها وخطط عملها ليس في الأزمة فحسب بل هذا كان يتم قبل الأزمة التي أصبحت الشماعة التي يعلَّق عليها كل الواقع المتردي، وكأن مسؤوليات الحكومات فقط وضع الخطط للتسيير اليومي لواجباتها تجاه هذا الشعب المألوم في لقمته وكلمته.
الآن جاء الاستثمار بعد أن وصل الخراب في قوة العمل وفي الشركات إلى حدوده القصوى، قوة العمل تقلصت عددياً إلى حدودها القصوى لأسباب متعددة في الشركات الإنتاجية العاملة بحدودها الدنيا إنتاجياً، وتردت أوضاعها المعيشية لدرجات كبيرة، والشركات الإنتاجية تئنّ تحت السلوك البيروقراطي والليبرالي للحكومة في تأمين متطلباتها الإنتاجية من حيث تأمين المواد الأولية وقطع التبديل وتطوير خطوط الإنتاج، التي هي على حالها منذ عشرات السنوات.
الحكومة في اجتماعها النوعي الذي كان نتيجته تشكيل لجنة عليا لإصلاح القطاع العام الصناعي، وأسموه الأول، ولكنه ليس الأول، مهمة هذه اللجنة دراسة واقع الشركات من الناحية التنظيمية والاقتصادية ومن ضمن مهامّ اللجنة دراسة الكيفية التي سيكون للقطاع الخاص دور مهم في عملية الاستثمار وإعادة الهيكلة والأخيرة حمالة أوجه كثيره إن لم يتحدد شكل الهيكلة ومضمون الهيكلة المراد القيام بها.
لقد سبق للحكومة أن أصدرت قانون التشاركية، ويبدو أنه قاعدة الانطلاق في عملية الإصلاح المراد القيام به وهو الطريق المعبد لدخول الاستثمارات التي تسعى الحكومة لدخوله، والمؤتمرات التي تعقد بين الفينة والأخرى تحت حجة فرص الاستثمار، وهو دليل على التوجه المراد القيام به.
دعم القطاع الخاص الصناعي وتسهيل العملية الإنتاجية وإشراف الحكومة على المواضع التي ينتج بها من حيث تكملتها لبرنامج الحكومة الصناعية هو الطريق الممكن الذي يبعد كل الطرق المشبوهة في الاستثمار، التي جوهرها الاستثمار في الملكيات العقارية التي تملكها الشركات، والتي يمكن استثمارها من قبل الحكومة لتطوير المنشآت القائمة بأنماط إنتاجية تحتاجها البلاد والعباد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 936