عقد العمل الجماعي /2/

عقد العمل الجماعي /2/

من الجدير ذكره في هذا السياق، واستكمالاً لما طرح في العدد السابق من «قاسيون»، لابد من التأكيد أن أي اتفاق عمل جماعي يكون دائماً نتيجة مفاوضات جماعية بين نقابة أو منظمة عمالية وأصحاب العمل في القطاع الخاص وقطاع الدولة على حد سواء. ويعتبر أفضل حل لأية مشكلة يمكن أن تحدث بين أطراف التفاوض للتوصل إلى حلول وسطية ترضي طرفي الإنتاج، لا بد أن تشارك فيها ثلاثة أطراف لتثبيت وحماية عقد الاتفاق، وهي الحكومة ممثلة بالوزارة المعنية وهي وزارة العمل، أما هذا الحل الوسطي يجب أن ينبع من خلال ثوابت لا يمكن التنازل عنها، وهي: جدول الأُجور والرواتب والتعويضات التي لا بد أن تؤمن العيش الكريم للعمال المفترض أن يكون فيه الحد الأدنى للأجور متوافقاً مع الحد الأدنى لمستوى المعيشة.

لقد صدر عن منظمة العمل الدولية أكثر من اتفاقية وتوصية بخصوص المفاوضات الجماعية، أكدت على أهميتها وضرورة تضمينها في قوانين العمل الوطنية حفاظاً لحقوق العمال، فمن أوائل الاتفاقيات الدولية كانت الاتفاقية رقم /64/ لعام 1939 والاتفاقية رقم /94/ لعام 1949، والتي بدأ نفاذها في عام 1952، حيث أكدت المادة /2/ منها على أن يتضمن العقد الجماعي أجوراً عادلة للعمال، وتحقق الترفيعات الدورية للعاملين وتحديد ساعات العمل. أما التوصية رقم /91/ الصادرة عام 1951 بشأن الاتفاقيات الجماعية التي عرّفت الاتفاق الجماعي أو عقد العمل الجماعي والذي أخذنا منه التعريف آنفا، كما أكدت على عدم تضمين عقود الاستخدام أحكاماً تتعارض مع هذا الاتفاق الجماعي، وجاءت التوصية رقم 163 لتشجيع المفاوضات الجماعية، كما جاءت الاتفاقية 154 لعام 1981 لتزيد تأكيداً على ضرورة وأهمية المفاوضات الجماعية وتضمينها في التشريعات الوطنية، وأيضاً صدر عن منظمة العمل العربية الاتفاقية رقم /11/ لعام 1979، وتضمنت تعريف الاتفاق الجماعي وآليات التفاوض الجماعي، وقد نوهت كل اتفاقيات العمل الدولية والعربية ضرورة ضمان حق الإضراب للعمال خلال المفاوضات وعند ضرورتها، من أجل تحصيل الحقوق المختلفة للعمال، وخاصة الأجور وضمانها في تشريعات العمل الوطنية.
لقد خصص قانون العمل رقم 17 لعام 2010 الباب الثامن منه حول علاقات العمل الجماعي، مقسمة على ثلاثة فصول، تَضمّن حوالي 25 مادة حدد فيها آليات علاقات العمل الجماعية، وكيفية إبرامها مع أصحاب العمل في القطاع الخاص، وبغض النظر عن الملاحظات العديدة حول هذا الباب، ومدى استجابته لتحصيل أكبر ما يمكن من الحقوق للعمال، وخاصة أنهم الحلقة الأضعف في عملية الإنتاج وسوق العمل رغم تعدادهم الكبير. سوف نكتفي بهذه الملاحظات الآن لأهميتها في عملية التفاوض، ويمكن فيما بعد أن نستكمل ملاحظاتنا في هذا الشأن.
أولاً: لقد حرم القانون العمال وممثليهم من أهم أدواتهم الضرورية في التفاوض، منها: الاعتصام والاحتجاج والإضراب، والتي كفلتها تشريعات العمل الدولية والعربية، وأيضاً قد كفلها الدستور، وخاصة إذا رفض أصحاب العمل الدخول في عملية المفاوضات الجماعية.
ثانياً: لم يلحظ القانون في هذا الباب صراحة ضرورة التفاوض على تحسين الأجور حسب ما تتطلبه الظروف المعيشية للعمال وأحقية العمال بالترفيعات الدورية.
ثالثاً: أكثر من التعقيدات الإدارية لتسجيل الاتفاق الجماعي المبرم لدى وزارة العمل. أما قانون العمل رقم /50/ الذي اعتبر نافذاً منذ بداية عام 2005 لم يلحظ مطلقاً مسألة العقود الجماعية والمفاوضات الجماعية، لا بل نص على المادة /137/ التي تعني بجوهرها التسريح التعسفي للعاملين.
وأخيراً، يمكننا القول: كلما ضعفت قوة النقابات العمالية وتراجع دورها في الضغط على الحكومات من أجل تحسين شروط عمل العمال في المصانع ومؤسسات الدولة والخاصة، ازداد بشكل كبير الاستغلال الناتج عن الأخذ بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين بين العامل وصاحب العمل. وبالتالي، يختل التوازن في الشروط التفاوضية بينهما. وتصبح نقابة العمال، التي من المفترض هي منظمة تهدف إلى التمثيل والدفاع عن مصالح العمال في المفاوضات التي تجري مع أصحاب العمل، حول الأجور وساعات وتحسين شروط وظروف العمل، بعيدة عن قواعدها العمالية وقد لا يعترفون بها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
933
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 15:39