ويسألونك عن النقابات ؟! عمّال القطاع الخاص غير المنظم
لقد شهد القطاع الخاص غير المنظم توسّعاً كبيراً، وازداد انتشاراً وتضخماً مع الإعلان وتطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية وما قبلها، بشكل واضح وصريح ولا شك أن معرفة القطاع غير المنظم وإدماجه وتنظيمه ضمن الاقتصاد الوطني، تعتبر من المهام الأساسية لبناء اقتصاد حقيقي ينهض بالمجتمع، ويرفع نسبة النمو التي ستنعكس في كل مجالات الحياة في البلاد.
المفروض أن يكون للحركة النقابية دور محوري، في حماية العاملين في القطاع غير المنظم،أي: تنظيم العمال في هذا القطاع وتمثيلهم تمثيلاً حقيقياً والدفاع عن حقوقهم ومطالبهم باستخدام كل الأدوات النضالية الضرورية، التي ضَمِنها وصانها الدستور، وأقرتها مواثيق العمل الدولية والعربية، وهذا يساهم في توعية العاملين في القطاع غير المنظم والمنظم أيضاً، ويشجعهم على الانتساب إلى النقابات، ويسِّهل عملية الاندماج في القطاع المنظم عندما يرى العمال هذا الدور الذي تلعبه النقابة من أجل حقوقهم.
قاسيون زارت بعض مواقع العمل في هذا القطاع غير المنظم، الذي يشمل أنشطة اقتصادية كثيرة، منها: قطاع عمال الزراعة وقطاع الخدمات، ومنها: خدمات النقل المتنوعة وقطاع الأسواق التجارية المتعددة، من ألبسة جاهزة وأقمشة ومواد غذائية وغيرها، إضافة إلى مندوبي المبيعات للشركات ووكلائها. وعمال شركات النظافة الخاصة أيضاً.
- قطاع البناء والإنشاء: ويتضمن هذا القطاع عمالاً يمارسون مِهناً عديدة منها: الدّهان والكهرباء، وعمال الصحية وعمال الحدادة والنجارة، إضافة إلى أعمال الباطون المختلفة. وقد حاولنا معرفة ظروف وشروط عمل هؤلاء العمال، وماهي التعويضات إن وجدت. وبدورنا ننقل ما قالوه في شرح معاناتهم.
عمال معمل وفرن للحلويات البالغ عددهم حوالي أربعين عاملاً، حاولوا إقناع رب العمل بتشميلهم بالتأمينات، وبتعويض إصابة العمل، وما كان من ربّ العمل إلا القيام بفصل عدد من العمال المحرضين لزملائهم، وتحدّث إلينا أحدهم قائلاً: قمت برفع دعوى قضائية على صاحب المعمل أطالبه بكامل تعويضاتي من بداية العمل لديه، أي: من عشر سنوات ولا زالت القضية منظورة في أروقة القضاء.
منار، العاملة في ورشة تصنيع الجوارب في أحد المنازل القديمة في مدينة السويداء قالت: «نحن ثماني عاملات نعمل دواماً واحداً، نسكن في عدة قرى مقابل راتب 15000 ليرة سورية، كلنا غير مسجلات في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، ومعرضات للإصابة جراء خطورة عملنا في كل لحظة، وقد قمنا بمطالبة رب العمل صاحب ورشة الجوارب برفع رواتبنا وتسجيل جميع العاملات في مؤسسة التأمينات، لكنه رفض بشدة وهددنا بالفصل من العمل في حال تكرار المطالبة، علماً أن نصف راتبي يذهب أجور مواصلات لقريتي التي تبعد عن مدينة السويداء 15 كم».
لا تنتهي المعاناة، شعور عدم الأمان يرافق العمال المياومين، عمال البناء فهم ليسوا مثل غيرهم من العمال الدائمين في المصانع الحكومية والشركات الخاصة، فهؤلاء عمال اليوم الواحد، وليس في مقدورهم أن يُضربوا عن العمل يوماً إذا ما استغل صاحب العمل مجهودهم، أو لم يعطهم حقهم كاملاً، وإذا تعرض أحدهم لحادث أثناء العمل فلا تأمين على حياته، كما أنهم لا يحصلون على أية معاشات تقاعد، كما يقول باسل الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، وهو أب لطفلين بنت وولد سقط من الدور الأول في إحدى العمارات فكسرت ذراعه، وتوقف عن العمل لمدة 3 أشهر يقول: «إن جسده حتى الآن متأثرٌ بالكسر». مضيفاً: «صحتي هي رأس مالي، وفي حال مرضي فإنّ أبنائي لا يجدون أي مال».
يوجد في محافظة السويداء وفقاً لبعض التقديرات ما بين /4- 5/ آلاف عاملة تعمل في المحلات التجارية والمكاتب والعيادات ومشاغل وورشات الخياطة، ومعظمهن يعملن بأجر زهيد، وظروف عمل قاسية دوامين صباحيّ ومسائيّ، لا يغطي أجور النقل والطعام، وفي بعض الأحيان هناك محاولات للتحرش من قبل بعض أرباب العمل عديمي الأخلاق للعاملات لديهم، إضافة إلى أن الطامة الكبرى عند العاملات في هذا المجال أنهن غير مسجلات بالتأمينات الاجتماعية.
ولم تُخفِ /نسرين/ العاملة في أحد محلات بيع الألبسة في مدينة السويداء أثناء حديثها لقاسيون خشيتها من التسريح من قبل صاحب العمل في حال طلبها التسجيل لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، بذريعة ما يترتب عليه من التزامات مالية تجاه المؤسسة، حيث قالت: راتبي 25000 ليرة سورية أسكن في قرية قريبة لمدينة السويداء، وبحاجة لثمانية آلاف ليرة سورية أجار نقل.
يعمل بائعو الألبسة في صالات العرض في ظروف عمل صعبة للغاية، فرغم عملهم السهل نسبياً مع عمّال في معامل الإنتاج، إلّا أنهم يشتركون معهم في أنهم يتعرضون للاستغلال والعمل لساعات طويلة تصل إلى 10 ساعات عمل يومياً وبرواتب ضئيلة، ودون أية حقوق أخرى، مثل: إجازات أو تسجيل في التأمينات الاجتماعية، وهم معرضون للطرد في أية لحظة، فوضع إعلان على باب المحل «نحن بحاجة للعمال» بحد ذاته يعتبر ضغطاً على العمال وتهديداً لهم بأنه يمكن الاستغناء عن خدماتهم بأية لحظة.
وأغلب هؤلاء العمال هم من فئة الشباب الجامعي الذي يضطر للعمل من أجل تأمين مصروفهم وتكاليف دراستهم، ورغم أن ساعات عملهم لا تتوافق مع دراستهم إلّا أنهم لا يملكون أي خيار آخر، وقد تحدث أحدهم قائلاً: إنه لا ينام سوى أربع ساعات في اليوم لكي يوفق بين عمله ودراسته الجامعية.
علاء، يعمل في شركة لمبيع كافة الأجهزة الخليوية وإكسسواراتها في السويداء، قال: إن «الشركة تضم نحو 15 موظفاً، يعملون على مبدأ العمولات، وبعضهم يعمل عن بعد (أون لاين) وبعض العاملين يعملون في منازلهم، أو في المكتب مطالبين بمهامّ معينة وليس بدوام ثابت، وطبعاً جميع العاملين غير مسجلين في التأمينات».
وتابع: «لا توجد لدينا إجازات ولاتعويضات، فقط رواتبنا».
يحيى: «أنا أعمل في سوق الخضار «الحسبة» منذ عشر سنوات في تحميل وتنزيل الخضار وجميع من في السوق يعرفونني، لدي مشكلة في الفقرات القطنية من عمودي الفقري تستوجب الراحة وعدم حمل الأوزان الثقيلة، مراجعة الأطباء وأسعار الأدوية تحتاج شغل لحالها، ولكن عندي كوم لحم لازم يأكل ويشرب، ومو ذنبي أنو ظهري شبه مكسور الله بيعين أحسن شي»
رأفت سائق سيارات ثقيلة يعمل في شركة غذائية خاصة قال: راتبي 40000 ألف ليرة سورية غير مسجل بالتأمينات الاجتماعية، وليس لدي أية تعويضات، يتم منحي 1000ليرة إذن سفر عن كل سفرة إلى دمشق، وقد كنت أعمل سائقاًعلى بولمان في إحدى الشركات السياحية وبراتب أقل.
عمّال القطاع الصحي في المشافي والمراكز الصحية الخاصة تحدثت باسمهم نجود، التي تعمل في أحد المخابر الخاصة قالت:25 ألف ليرة سورية رواتب الموظفين، ولنا يوم واحد إجازة بالشهر مسجلين بالتأمينات وغير منتسبين لأية نقابة.
رجاء/ تعمل في عيادة طبيب قالت: أعمل دوامين: صباحياً ومسائياً براتب 30000 ليرة سورية دون أية ضمانات، وغير مسجلة بالتأمينات الاجتماعية.
هؤلاء العمال لا يعرفون أية نقابة يمكن تمثلهم أو يلجؤون إليها من أجل حقوقهم وتحسين ظروف عملهم، من ساعات عمل طويلة، وأجور متدنية، وإجازات سنوية، وأعياد رسمية، فأين النقابات منهم وأين هم منها؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 926