في «شهر الخير» لسنا بخير (2)
نتابع في هذا العدد نشر مجموعة جديدة من حواراتنا التي أجريناها مع العمال والعاملات، في محاولة جادة للوقوف على أوضاعهم بشكل عام وخلال شهر رمضان بشكل خاص، علماً أن هذه المادة تعتبر الجزء الثاني من التحقيق الصحفي الذي أجريناه، وسنتناول خلاله نقل حديث العمال أنفسهم الذين ينطوون تحت شرائح مهنية جديدة.
عمال الصناعات الكيماوية
يبادر أبو حسان الرجل الخمسيني بالتحدث إلينا، محاولاً رمي ما في جعبته من حديث، وهو صاحب الباع الطويل كعامل في القطاع الخاص، فقد قضى أكثر من ثلاثة عقود خلف خطوط الإنتاج، وضمن معامل صناعة وتطبيق مساحيق الغسيل ومواد التنظيف المتنوعة.
لم يخفِ صاحب اللسان الطليق امتعاضه الشديد من الحالة العامة التي وصل إليها هو وسائر عمال المعمل والقطاع الصناعي، محاولاً اختيار الكلمات المناسبة دون تكلف أو تردد، فيبدأ جوابه عن سؤالنا الأول: رمضان وصيام عن أي رمضان تتحدثون، منذ عشر سنوات ورمضان غير الذي نعرفه، لقد تحول لكابوس معيشي مخيف، شأنه شأن مواسم الأعياد والمناسبات وبداية العام الدراسي، وقدوم الشتاء أو الصيف، كلّما حان موعد أي منهم ( نتوضأ باللبن) تنهار معنوياتنا، ويشتد الضغط المعيشي والاجتماعي علينا، أضف إليه بداية كل شهر واستحقاق أجرة البيت، ليس في المعمل اليوم عامل يشتغل أقل من ورديتين، كل وردية 9 ساعات، ولا تحتسب ساعات عمل إضافية، ربّ العمل مصرّ على ذلك ولا سبيل لإقناعه، سيستبدلنا بجرة قلم، بل ويفرض علينا يومي عطلة مما يجعلنا نخسر ساعات عمل أخرى وبالتالي ليرات إضافية، غابت طقوس رمضان بالكامل، استبدلناها بطقوس أخرى تجلب المال وتحفظ الكرامة، نعمل بنظام الساعات على البصمة، أجر الساعة 350 ليرة تخيلوا ذلك، صحن الفتوش يكلف أكثر من ذلك، وما يغيظني كثيراً استهتار الحكومة بنا، لماذا لا يسمحون بعودتنا إلى بيوتنا في داريا، هل سنبقى ندفع آجار البيت إلى الأبد؟ ألا تشعر الحكومة بحالنا؟ «بس قول بدك تبيع بيتك بداريا والله لو كان كلو عالأرض لتلاقي بدل الشاري عشرة».
يوم العطلة يكرمني الله وأجلس مع عائلتي على مائدة الإفطار، وأية مائدة؟ «الحمد الله عالنعمة بس السفرة مكلفة أكتر من 3 آلاف ليرة، وما فيها شقفة جاج أو لحمة» يضحك أبو حسان ليغطي إحراجه أمامنا ويضيف «كل اللي بيهمني أنو الصبايا ما يعتازو حدا ويكملو دراستهم وجامعاتهم، يمكن إذا يوم من الأيام صارت هالبلد بلد يكون إلهم محل ومستقبل فيه».
عمال الصناعات الغذائية
هِبة، صبية في بداية العشرينات، طالبة جامعية تدرس في كلية الحقوق، تعمل كعاملة موسمية في أحد معامل البسكويت والشوكولا في منطقة الكسوة، تحاول أن تعيل نفسها كي تتابع دراستها، فقدت والدها خلال السنين الأولى للأزمة، تقطن في منطقة دف الشوك مع عائلتها التي مزقتها الأزمة، تعمل في هذا المعمل منذ ثلاث سنوات وأكثر، تتوقف عن العمل خلال الامتحانات الجامعية، توضح لنا هِبة طبيعة العمل وظروفه التي لا تختلف بمجملها عن واقع أغلب العمال، إلّا أنها تفاجئنا بقيمة الأجر الذي تحصل عليه، فراتبها المقطوع 28 ألفاً شهرياً، مقابل دوام يصل لـ 10 ساعات في اليوم، بيوم عطلة واحد أسبوعياً، يضاف إليه تعويض معيشي 11 ألفاً، و«تضيف كل العاملات هنا يأخذن نفس الراتب باستثناء الموظفات في الإدارة، يوجد باص للشركة يتكفل بنقلنا من وإلى العمل كل يوم، ولكن هذا الأجر قليل جداً ونحن مضطرات للقبول به، لا توجد عاملات مسجلات بالتأمينات الاجتماعية غير بعض فتيات محسوبات على الإدارة وصاحب المعمل، في كل رمضان يطرأ تعديل على الدوام حيث يبدأ في السابعة صباحاً بدل الثامنة، وينتهي في الخامسة بدل السادسة، ولكن لا توجد ساعة استراحة الغداء كونه شهر صيام، نعاني كثيراً في هذا الشهر، فالعمل بالأساس شاق ومجهد، فكيف ونحن صائمون؟ طبيعة عملنا صعبة فأغلب عملنا وراء الآلات والأفران وخطوط التعبئة، أحياناً نجر أوزانا كبيرة نتعاون عليها، وأي تقصير ولو كان بسيطاً تسجله الكاميرات الموزعة على كامل الأقسام ويتحول عند عين الإدارة لحسومات فورية على الأجر».
لا تخفي هِبة الفقر الذي يهيمن على عائلتها والحالة المعيشية والاجتماعية السيئة للغاية، وكيف غابت أهم ميزات رمضان المتمثلة بصلة الرحم واللمات العائلية الكبيرة في منزل جدها والسهرات حتى موعد السحور.
«رمضان بالأيام هَي، كئيب وصعب، ما بيشبه رمضان زمان لما كان بابا وأخواتي وكل العيلة تجتمع لتفطر وتصلي وتحكي وتعمل زيارات وعزايم، رمضان صار شي تاني، ناس ماتت وناس سافرت، حياتنا ما بقا فيها غير إجا وقت دفع أجار البيت، والكهربا انقطعت وطلعت الفواتير، والبنات عم تشتغل بدل الدراسة مشان يضلوا عايشين ومستورين، كل همنا السِترة».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 914