الطبقة العاملة وحراكها الوطني من أجل الأستقلال
الحركة العمالية في سورية منذ نشوئها لم تكن بعيدة عن تطور الحركة الوطنية في البلاد، فقد كانت الحركة العمالية جزءاً مهمّاً من الحركة الوطنية المقاومة للاستعمار والانتداب الفرنسي، حيث استطاعت في ثلاثينات القرن الماضي تأسيس تنظيمها النقابي من خلال العديد من الإضرابات والاعتصامات المختلفة.
طالبت الحركة النقابية بعد الاستقلال بحقوقها المعيشية من أجور وغيرها، وكذلك حقوقها التشريعية في قانون عمل عادل يضمن حقوقها كافة بما فيها: تحديد ساعات العمل، وإجازة مدفوعة الأجر، ووقف التسريح التعسفي، وتعويض نهاية الخدمة، والمعالجة الطبية، وحقها في تأسيس تنظيمها النقابي، وكان ذلك مع صعود الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال الفرنسي وكافة أشكال الاستعمار.
اكتسبت الطبقة العاملة ونقاباتها أهم تجاربها على الرغم من صعوبة ومرارة الفقر، وسطوة الاستغلال الرأسمالي والحكومات البرجوازية التي نصبها الاحتلال الفرنسي من قمع وسجون واعتقالات، حيث خاضت أصعب المعارك الوطنية والطبقية مدعومة من القوى الوطنية والتقدمية الصاعدة، وقد أصبحت فصيلاً هاماً من الفصائل الوطنية في مواجهة المستعمرين الفرنسيين المحتلين، وقد عملت الطبقة العاملة السورية في ظروف صعبة دون حماية تُذكر..
لقد بدأ الوعي الطبقي للعمال يتشكل مع بدايات دخول الصناعات الحديثة إلى البلاد، وإصدار الحكومة العثمانية لأول قانون عمل ينظم العلاقة بين أرباب العمل والعمّال، وهو: قانون الشغل العثماني الذي كان يمثل مصالح المستثمرين الأجانب وأرباب العمل المحليين، معبِّراً عن بدء ظهور علاقات الإنتاج الرأسمالية، فخلال عامي 1929 – 1933 ظهرت حوالي 200 مؤسسة صناعية جديدة، منها: الإسمنت والنسيج والبيرة والسكائر إضافة إلى توسيع أكثر من 300 مؤسسة كانت منها: معامل التقطير والصابون والمطاحن والنسيج. حيث اتضح للعمال وعبر التجربة: أن الرأسمالية هي العدو الأول لمصالح الطبقة العاملة وحقوقها، وبالتالي لابدَّ من النضال ضد كل من يمثل الرأسماليين، فالاستغلال ليس له دِين أو وطن، وظهرت عددة أشكال للتجمعات العمالية، مثل: نقابة المهن التي كانت تضم العمال وأرباب العمل بهدف الحفاظ على أسرار المهنة ضمن نطاق محدد. ونقابات عمالية تضم العمال فقط، ولم يكن لها غطاء قانوني. وحاولت عدة قوى السيطرة على النقابات، قوى السلطة الرسمية، وقوى البرجوازية الوطنية ممثلة بالكتلة الوطنية، ففي عام 1935 صدر المرسوم التشريعي رقم 152 ووصف بأنه متقدم على القانون العثماني الذي كان يهدف إلى لجم تطور الحركة الجماهيرية التي بدأت في النمو، لكنه جعل النقابات مجرد أداة بيد السلطة لا يسمح لها بالتدخل بمستقبل البلاد وتقرير مصيرها والدفاع عن مصالح العمال، وحظر عليها الاشتراك بالمظاهرات أو الاجتماعات، وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، أصدر المفوض السامي الفرنسي قراراً بحظر التجمعات والاجتماعات العامة، وقرر الاتحاد العام لعمال سورية آنذاك وقف أعماله بينما تنتهي الحرب، لكن العمال لم يوقفوا نضالاتهم واستمروا باستخدام أسلحتهم التي خبروها، يضربون ويعتصمون للمطالبة بحقوقهم، ولم يركنوا لقرار المفوض السامي الفرنسي بعدم قيام التجمعات والمظاهرات، ونتيجة نضالهم حصلوا على مرسوم أعطى للعامل عند التسريح تعويضاً مقداره أجرة شهر عن كل سنة من السنوات الثلاث الأخيرة ونصف شهر عن بقية سنوات الخدمة. ومع بداية الاستقلال صدر قانون العمل رقم /279/ تاريخ11/6/1946 والذي اعتبر إصداره نصراً للطبقة العاملة والحركة النقابية، رغم بعض المآخذ عليه ورغم إهماله لبعض المطالب العمالية.
التاريخ الذي صنعه العمال السوريون بعزيمتهم وبإرادتهم النضالية العالية التي لم يحنها إخفاق هنا أو كبوة هناك، وكل المحاولات التي جرت من أجل تحييد الطبقة العاملة عن دورها، هذا الدور المتجذر في وجدانها، أن يكون لها دور فاعل في تقرير مصير البلاد، بالرغم من كل المغريات التي قدمت لها والتهديد والوعيد، التي كانت الغاية منها أن تبقى الطبقة العاملة على الحياد، واستخدامها عند الضرورة التي تقتضيها مصالح من يريد ذلك، وليس ما تقتضيه مصالحها الوطنية والطبقية، فقد تعرضت مصالح هذه الطبقة للكثير من الهجوم المعلن والمبطن عبر السنوات الفائتة، من خلال السياسات الاقتصادية الليبرالية التي أنهكت حياة الشعب السوري واقتصاده الوطني، وأنتجت الكثير من الأمراض والأزمات، ذات آثار تدميرية يصعب التخلص منها بسهولة، وهذا يحتاج إلى إرادة وفعل للطبقة العاملة السورية ودور أساسي تتوفر فيها الشروط الضرورية لتستعيد ألقها الذي لعبته تاريخياً، والتي ستلعبه في هذه الظروف المعقدة والمركبة، حيث الصراع على أشده من أجل مستقبل سورية، لكي تكون دولة ديمقراطية مقاومة للمشاريع الإمبريالية وحلفائها في الداخل، من فساد ولصوص نهبوا خيرات شعبنا، وعاثوا في الأرض فساداً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 910